الأربعاء 11 حزيران (يونيو) 2014

تبويس اللحى لا ينصر قضية عادلة

الأربعاء 11 حزيران (يونيو) 2014 par فيصل جلول

لا يمكن للتعبير العامي الدارج “تبويس اللحى” أن يلتصق بشيء ويتناسب معه تماماً كتناسبه مع لقاء الفاتيكان الذي تم مؤخراً بين البابا فرنسيس الأول، والرئيسين الصهيوني شيمون بيريز، والفلسطيني محمود عباس . ذلك أن الصلاة المشتركة لممثلين مفترضين للأديان السماوية الثلاثة هي أقرب إلى “تبويس اللحى” منها لجلب السلام إلى الفلسطينيين، وهي لن تطرد الاحتلال “الإسرائيلي” عن أراضيهم، ولن توقف عمليات القصف الجوي لمواقعهم، ولن تضع حداً لاستيطان ممتلكاتهم، ولن توقف الهجرة اليهودية، ولن تعيد الأموال الفلسطينية المصادرة جزئياً للسلطة الفلسطينية، ولن تبلسم جراح الأسرى الفلسطينيين . ومن البديهي أنها لن تعيد اللاجئين إلى قراهم ومدنهم، ولن تأتي للشعب الفلسطيني بدولة حرة ومستقلة . وما دامت هذه الصلاة لن ترجع أياً من الحقوق الفلسطينية فلماذا قبلها محمود عباس، ولماذا قبل بالترويج لها بل ما الذي يكسبه من الوقوف جنباً إلى جنب مع سفاح شعبه الذي يتصرف كالحمل بعد أن شبع وهو في الثمانين قتلاً بالفلسطينيين وتحطيماً لأرزاقهم ومصاردة لأرضهم، بل تزويد بلاده بالسلاح النووي الذي يعد الفلسطينيين والعرب بالفناء؟
قبل الإجابة عن السؤال لا بد من العودة قليلاً إلى الوراء، وبالتحديد إلى انتخاب البابا فرنسيس الأول قبل عامين بابا للفاتيكان، وهو الأول من خارج القارة الأوروبية منذ أكثر من ألف عام، وقد اختير في جلسة عدت الأقصر في انتخاب البابوات قاطبة، وقيل إن اختياره ناجم عن رغبة الكنيسة الكاثوليكية في لعب دور أكبر في القضايا السياسية، وتشجيع الحوار بين الحضارات والأديان، والالتفات أكثر إلى قضايا الفقراء والمهمشين، وقد عرف عنه، وهو الأرجنتيني الأصل، تعاطفه مع الحركات الشعبية في بلاده وفي العالم، ولعله اختار اسم فرنسيس الأول تيمناً بفرانسوا الاسيزي الذي كان مميزاً في هذا الحقل في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية .
اللافت في هذا الصدد هو اهتمام البابا بفلسطين، والضغط على البطريرك الماروني اللبناني بشارة الراعي لمرافقته في زيارته للأرض المحتلة، وهي الزيارة الأولى التي يقوم بها بطريرك الموارنة إلى فلسطين منذ تأسيس الكيان الصهيوني، ما يعني أن الكنيسة الكاثوليكية تريد لعب دور ما في القضية الفلسطينية، وأن تخطو خطوات أكبر في عهد فرنسيس الأول . ولعل هذا ما يفسر ذلك الضجيج غير المسبوق في وسائل الإعلام العالمية لزيارته الأخيرة لفلسطين وللكيان الصهيوني . ويفسر أيضاً إصراره على دعوة الطرفين “الإسرائيلي” والفلسطيني إلى الفاتيكان لإقامة صلاة السلام بواسطة ممثلين عن الأديان الثلاثة المسيحية واليهودية والمسلمة .
لكن المؤسف في هذه المبادرة هو تقديم الكنيسة الكاثوليكية بوصفها طرفاً محايداً في الصراع، أو في أحسن الأحوال طرفاً غير متضرر عبر رعاياها من الاحتلال، علماً بأن الصهاينة صادروا أراضي المسيحيين، كما المسلمين في فلسطين، وتسببوا بأضرار إنسانية لا تعوض بالنسبة للجميع، وليس للمسلمين وحدهم، وبالتالي لم يتركوا للمسيحيين خيار الحياد أو الكف عن النضال جنباً إلى جنب مع مواطنيهم المسلمين . والواضح أن البابوات الذين سبقوا فرنسيس ما كان بوسعهم كأوروبيين أن يبادروا إلى مثل هذا التحول، وبخاصة البابا السابق الذي خاض معركة فلسفية مع الإسلام في بداية عهده .
إن المدقق في عبارات شيمون بيريز في حفل “تبويس اللحى”، هذا لا يمكنه إلا أن يصاب بالذهول، فقد أشار إلى السلام “بين متساويين”، وعن “واجبنا المقدس في نقل السلام إلى أبنائنا” . لنتخيل لثوان معنى هذا الكلام الصهيوني . هل يتساوى المحتل مع الذين احتلت أرضهم . هل يتساوى مع ضحاياه؟ كيف يمكن لهذا النفاق أن يمر بوصفه قيمة أخلاقية يدافع عنها هذا القاتل الذي يفتخر بأنه جلب السلاح النووي لكيانه . هذا القاتل الذي تشهد جرائمه الكثيرة على ماضيه الدموي وآخرها مجزرة قانا عام 1996 . هل يتساوى بيريز مع ضحاياه في قانا وفي غزة وفي كل فلسطين؟ يجب أن يكون المرء غبياً أو متعامياً حتى ينطلي عليه منافق من هذا النوع .
أما البابا فرنسيس الأول فقد شدد على قبول التفاوض وعدم رفضه، وإلى احترام الاتفاقات الموقعة، وإلى الكف عن الحملات التي تدعو إلى العنف والسلاح “الذي ينبغي نزعه من اللسان واليدين” على حد تعبيره . يفصح هذا الكلام عن رغبة بابوية صريحة بالحياد بين الطرفين، وهذا حق للكنيسة الكاثوليكية ولكل الأطراف الراغبة بالحياد، وإن كان ذلك ينطوي على ظلم للشعب الفلسطيني المضطهد والمجرد من أرضه ومصيره، لكن الأخطر في هذا الكلام أنه يساوي في الحديث عن رفض التفاوض بين الطرفين، علماً أن استراتيجية محمود عباس منذ تسلمه السلطة في رام الله هي التفاوض ولا شيء غير التفاوض، فكيف يتساوى مع نتنياهو المتعجرف الذي يريد تفاوضاً للتفاوض ولكسب الوقت وليس لتوقيع “سلام الشجعان” العزيز على قلب الراحل ياسر عرفات . تبقى الإشارة إلى فك طوق العزلة الدولية عن “إسرائيل” عبر مبادرة الصلاة المشتركة، فمن المعروف أن أحداً لا يستقبل مبعوثي الحكومة “الإسرائيلية” في العالم بسبب إصرارها على الاستيطان وعدم جديتها في التفاوض وتحقيق السلام مع الفلسطينيين، وإذ يبادر البابا إلى منحها فرصة لفك طوق العزلة، فإنه بالمقابل لا يقدم خدمة جليلة للفلسطينيين الذي هم بأمسّ الحاجة لاستعادة أرضهم، وليس لصلاة تساوي بين الضحية والجلاد .
تبقى كلمة محمود عباس التي دعا فيها الله أن يحمل الرخاء لشعبه، وأن يزين مستقبله بوعود الحرية والدولة السيدة والمستقلة .
الشيء الوحيد الذي يمكن الجزم به هو أن عباس خرج من المولد البابوي بلا حمص، لأن حقوق الشعوب لا تمنح عبر “تبويس اللحى”، بل تؤخذ عنوة ممن اغتصبها، وكل كلام آخر لا يعول عليه .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 23 / 2165497

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2165497 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010