ازدواجية معايير أمريكية في الموقف من الإرهاب

ظلت الإدارة الأمريكية في عهود مختلف الرؤساء، تفصل بين تنظيم القاعدة، والإخوان المسلمين، وتواجه أي انتقادات لهذا الموقف مقترنة بعرض تاريخ الإخوان في ممارسة الإرهاب، بمبررات تقول إنها تقترب من الإخوان، ليكونوا عنصراً يخفف من أي تعاطف، من جانب مسلمين للقاعدة .
وفي الأيام الأخيرة من شهر إبريل/نيسان ،2014 أدرجت وزارة الخارجية الأمريكية، اسمي منظمتين ليبيتين إلى قائمة المنظمات الإرهابية، بعد ثبوت تورطهما، في الهجوم على مقر البعثة الدبلوماسية الأمريكية في بنغازي، ومقتل أربعة أمريكيين بينهم السفير كريستوفر ستيفنز، وذلك بعد تحقيقات استمرت ستة عشر شهراً، وهما “جماعة أنصار الشريعة” في بنغازي، و“أنصار الشريعة” في درنة .
هذا القرار أثار جدلاً في الكونغرس، واتهم الأعضاء الجمهوريون إدارة أوباما بالضعف لعدم اتخاذها أي إجراء تجاه هذه الجريمة، بالرغم من أنه كان معروفاً، تورط هاتين المنظمتين في هجوم بنغازي الإرهابي .
وهنا تبرز من جديد مفارقة الفصل بين الإخوان، وبين القاعدة والمنظمات المنتمية لها، والتي تنسق معها، وما أصبح ظاهراً للعيان من أن جميع المنظمات الإرهابية، وضمنهم الإخوان، تجمعهم سوياً شبكة دولية للإرهاب، تقوم بعملياتها بنفس الطريقة، وتتربص بنفس الأهداف من دولة لأخرى، وتتبادل المعلومات، وتتساند في التمويل والتسليح .
مختلف الدراسات المتخصصة في ظاهرة الإرهاب اتفقت جميعها على وجود علاقة وثيقة بين الإخوان والقاعدة، ظهرت أدلتها من خلال العلاقة التي ربطت خلال فترة حكم مرسي، بينه وبين محمد الظواهري، العضو القيادي في تنظيم القاعدة، وتكليفه من الإخوان بنقل تمويل مقدم منهم، لمنظمات إرهابية تطلق على نفسها السلفية الجهادية في سيناء، بالإضافة إلى ما تكشف من تفاصيل الاتصالات التي كانت تجري بين مرسي وأيمن الظواهري . وتواجد كل هذه الفصائل معا جنباً إلى جنب في سوريا، معروف ومعلن وكلها تمارس الإرهاب بنفس أسلوب القتل، والتفجير، والتفخيخ، والجرائم الانتحارية . فإن هناك جماعات من القاعدة، وجبهة النصرة، وهي تنظيم ينتمي تماما للقاعدة، وتنظيم داعش، ومنظمات أخرى تطلق على نفسها مسميات إسلامية، وكذلك الإخوان القادمون من مصر، والعراق، وتونس، وتركيا .
وإذا كانت الولايات المتحدة وكذلك بريطانيا قد أعلنت اعتبار تنظيم أنصار بيت المقدس تنظيماً إرهابياً، بعد هجومهم على فوج من السياح الأجانب في مصر وقتل بعضهم، فإنها لا تزال تفصل بينهم وبين الإخوان، بالرغم من أن البيانات التي تعلنها منظمة “أنصار بيت المقدس”، بعد كل عمل إرهابي لها، تتطابق مع نفس ما يعلن الإخوان في مظاهراتهم وبياناتهم، وما يهددون القيام به، وما تدعو إليه مظاهرات طلاب الإخوان .
وكانت شبكة BBC الدولية البريطانية قد أذاعت تقريراً بعنوان “تنظيم أنصار بيت المقدس المتطرف في مصر”، قالت فيه إن هذا التنظيم أصبح مقترناً بكل هجوم إرهابي في مصر، بعد عزل محمد مرسي، وهناك شكوك في وجود علاقة وثيقة وتنسيق بينه وبين القاعدة والإخوان .
ثم إن نشاط مختلف المنظمات الإرهابية في سيناء، قد زاد بشكل واضح عقب عزل محمد مرسي، وهو ما كشف عن علاقة الإخوان به، تصريح محمد البلتاجي الذي عرضته “قناة الجزيرة” بصورته وصوته، أثناء اعتصام الإخوان بميدان رابعة، حين قال: إن هذه العمليات الجارية في سيناء ستتوقف في نفس اللحظة، التي يتراجع فيها عبدالفتاح السيسي عن قرارات عزل مرسي!! .
إن “تنظيم أنصار الشريعة” الليبي الذي اعتبرته الخارجية الأمريكية مؤخراً تنظيماً إرهابياً، لا يزال أفراد منه يحاولون التسلل إلى مصر، لتنفيذ عمليات لمصلحة الإخوان، وبالتنسيق معهم ومع القاعدة، وهو ما تكشف عقب إلقاء الأجهزة الأمنية في مصر، القبض على عناصر من هذا التنظيم قادمين من ليبيا، نحو مدينة السلوم المصرية على الحدود مع ليبيا، وهم يحملون متفجرات، وكميات من الأسلحة المتنوعة، وهدفهم تسليم هذه الأسلحة والمتفجرات، لعناصر إرهابية أخرى كانت تنتظرهم في السلوم، ثم نقلها إلى مدن أخرى داخل مصر، لتنفيذ عمليات إرهابية بها .
إن إد روس رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي أعلن أنه كان يجب على إدارة أوباما، اتخاذ كافة الإجراءات الممكنة، للقبض على الإرهابيين، الذين نفذوا هجوم بنغازي، لكنها للأسف لم تفعل، هذا التصريح قد يكون مؤشراً على ازدواجية المعايير في تعامل الإدارة الأمريكية مع الإرهاب، وكأن، من وجهة نظرها، يوجد إرهاب إجرامي، وإرهاب مقبول!! .
وإذا كانت قد اعتبرت تنظيم أنصار بيت المقدس إرهابياً، ورفضت تطبيق هذا المعيار على الإخوان، فتلك ازدواجية في المواقف، بعد أن ثبت بالأدلة العلاقة التي لا تنفصم بين تنظيم “أنصار بيت المقدس”، وبين الإخوان، وهم لا ينكرون أن في مقدمة دوافعهم لما يقومون به من أعمال، هو الانتقام لعزل مرسي . . . . وأمريكا تعرف ذلك، لكن حساباتها وعلاقتها الخاصة والطويلة زمنياً، تجعلها لا تعترف بذلك .