الأحد 8 حزيران (يونيو) 2014

مشاهد يمنية على هامش مؤتمر «الناصري»:لسنا حكاماً عليكم.. بل خدّام لكم

الأحد 8 حزيران (يونيو) 2014 par معن بشور

«لسنا حكاماً عليكم بل خدّام لكم»... شعار توزعت لافتاته في كل أرجاء العاصمة اليمنية صنعاء، لا كواحد من شعارات الحراك الشبابي اليمني المعروف، بل كواحد من كلمات أطلقها يوماً رئيس يمني قضى اغتيالاً في العام 1977 بعد ثلاث سنوات ونيف من حكمه، وهو الرئيس الشهيد إبراهيم محمد الحمدي.
لكن الشعار الذي يصلح لكل مكان وزمان كان مذيلاً بتوقيع «التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري» خلال انعقاد مؤتمره العام الحادي عشر، الذي اختتم يوم أمس، في محاولة لإبقاء ذكر الرئيس الشهيد، الذي كان عضواً فيه، خالداً على مرّ الأيام، ومعه ثلة من رفاقه الذين أُعدِموا بعد اغتيال الرئيس الحمدي بعام ونيّف.
كان المؤتمر العام للتنظيم الناصري، الذي ضم أكثر من ألف عضو بينهم عدد كبير من الشباب والنساء، أحد مظاهر الحراك السياسي الذي يملأ الساحة اليمنية من أقصى شمالها حتى الجنوب. حراك لا يخلو من عنف في جهات، كما يملأه الخطاب العنيف الحاد في جهات أخرى.
يعتز الأمين العام لـ«التنظيم الناصري» في اليمن، عضو مجلس النواب، سلطان العتواني، بأن تنظيمه كان أول الأحزاب اليمنية التي عقدت مؤتمرها بعد قيام الوحدة اليمنية في أيار 1990، وانه أول الأحزاب التي عقدت مؤتمرها بعد التغيير الذي شهده اليمن في العام 2011، بينما يتباهى الناصريون والقوميون الذين استضافهم المؤتمر من معظم الأقطار العربية بهذا الحضور المهم لتنظيم ناصري قومي في بلد حاولت جهات عدة تهميشه وإفقاره وتقسيمه لعقود خلت. بل يفخر بهذا الحضور الشبابي والنسائي الذي يؤكد أن الحركة القومية العربية وفي طليعتها الحركة الناصرية هي حركة فعل نحو المستقبل لا مجرد حنين إلى الماضي الجميل.
وإذا كان في ضخامة المؤتمر وطبيعة المشاركين أكثر من رسالة إلى الداخل والخارج معاً، فإن الرسالة الأبلغ كانت موجهة إلى الذين يتناوبون منذ عقود معلنين موت العروبة، ونهاية نهج جمال عبد الناصر وفكره، فإذا بصور القائد الخالد الذكر تطل من كل الميادين العربية، تصنع الثورات وتسعى إلى تصحيح من ابتعد منها عن المسار. كما هي رسالة داخل اليمن لصون الوحدة الوطنية لبلد كانت ثورته في أيلول عام 1962 أول رد على الانفصال المشؤوم بين مصر وسوريا في أيلول عام 1961، ولشعب يدرك أن الطريق إلى الوحدة العربية يمر حتماً بالوحدة الوطنية لكل أقطار الأمة، بل رسالة لكل من تآمر على وحدة الأمة في الأمس عبر «سايكس بيكو» وملحقاتها، ويتآمر عليها اليوم عبر مشروع تفتيت المجتمعات العربية، وتدمير كياناتها الوطنية كما نشهد في أكثر من بلد عربي.
ما يعزز هذه الرسالة، هو أن اليمن رغم كل الظروف الصعبة التي يعيشها يشهد هذه الأيام مبادرة تأسيس «مجمّع اللغة العربية» برئاسة الشخصية - العلم في حياة اليمن عبد العزيز المقالح، ومعه جمع من خيرة مثقفي اليمن وأدبائها وشعرائها، في استعادة لرسالة لغوية تاريخية في البلد الذي كما يقول المقالح «خرجت منه آلاف المفردات بالفصحى وتجاهلتها القواميس».
في اليمن قلق وأمل في آن، قلق من أن تتسع رقعة الاقتتال الدائرة في شمال البلاد لتحرق اليمن بأسره، خاصة وأن اليمن، كما قال لنا أمس رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي، «لم يعرف الاستقرار إلا نادراً، وأن المشكلة في اليمن، كما في معظم بلادنا العربية، هي في الصراع على السلطة والثروة معاً، وأن الحل يكمن في التوزيع العادل للثروة، والتداول السلمي للسلطة».
قد يبدو في هذا الكلام حكمة يمانية تجدها لدى يمنيين كثيرين أيضاً، مواطنين ومسؤولين، لكن الجميع يدرك أن جزءاً كبيراً من معاناة اليمن إنما يعود إلى جملة تداخلات وتعقيدات إقليمية ودولية تستغل تنوعاً داخل المجتمع اليمني فتسعى إلى استغلاله في إطار مشروع يسعى في حدّه الأدنى إلى تهميش اليمن وإفقاره وتهجير شعبه، باعتباره الكتلة السكانية الأكبر في الجزيرة العربية. ويسعى في حده الأقصى إلى السيطرة على اليمن بكل ما يمثله من موارد ومواقع واحتمالات قوة وعوامل تقدم ونماء.
الحكمة اليمانية اكتشفت أيضاً أهمية الحوار كآلية لمواجهة كل التحديات، فرغم أن أبناء اليمن، هم الأكثر امتلاكاً للسلاح، ورغم أن اليمنيين هم أكثر الشعوب تمرساً بالقتال، إذ واجهت كل حملات غزو اليمن مقاومة كانت تضطر الغزاة إلى التراجع، إلا أن اليمنيين بغالبيتهم أدركوا أن لا مكان للسلاح بينهم، وأن من يستخدمه في صراعاته السياسية أو استراتيجياته الإقليمية لا يعبّر عن تقاليد اليمن وروحه وتراثه.
والحكمة اليمانية كانت حاضرة أيضاً هذه الأيام، حين جرى اتفاق لوقف النار في عمران، وهو اتفاق قد يصمد وقد لا يصمد، لكن معظم القيادات اليمنية تشدد على أهمية صموده والدخول في حوار سياسي بين أطراف النزاع على قاعدة أن أحداً لا يستطيع إلغاء الآخر في اليمن، ونحن نقول ولا في خارج اليمن أيضاً.
تذهب كوحدوي، غاضباً إلى اليمن وأنت مسكون بخطر تقسيم هذا البلد إلى ستة أقاليم، وفق مخرجات الحوار الوطني الذي استمر طويلاً، ولكن روعك يهدأ قليلاً حين تسمع من أحد أبرز حكماء اليمن، رئيس الوزراء السابق، عبد الكريم الأرياني، منطقاً يرى في الفدرالية المطروحة نوعاً من اللامركزية الواسعة، ولكن في إطار دولة واحدة وقادرة في أي لحظة أن تراجع كل إجراء، حسب الأرياني، بينما يؤدي التقسيم إلى انفصال لا يمكن لقوة في المستقبل أن تنهيه. أما الحل الثالث وهو «الوحدة القسرية» فيصبح مشكلة كبرى سيواجهها شعب اليمن ويدفع ثمناً باهظاً من دماء شعبه ومستقبله وتقدمه.
ويضيف آخر لنأخذ تجربة الانفصال في جنوب السودان كمثال، فهي أضعفت السودان الجامع، ولم تمنح أبناء الجنوب، المهمشين تاريخياً على كل المستويات، حلاً بقدر ما منحتهم ساحة لاقتتال قبلي دموي لن يتوقف، بل ساحة لاقتتال دفع بمئات الآلاف من أبناء الجنوب إلى الهرب شمالاً، ولم يمض على ابتهاجهم «بالاستقلال» ثلاث سنوات ونيف.
ويذكر ثالث بأن علينا أن نعترف بأن لدى أبناء المحافظات الجنوبية إحساساً مشروعاً بالتهميش والحرمان وبنوع من الهيمنة الشمالية عليهم، وهذا الاعتراف هو الذي أدى بشركائهم في مؤتمر الحوار الوطني الى أن يستمعوا على مدى اليوم الأول للحوار أقذع أنواع الهجوم، الذي يصل إلى حد الشتيمة، من بعض ممثلي الحراك الجنوبي في المؤتمر، من دون أن ينبسوا ببنت شفة، أو أن يردّوا عليهم، فالجميع كان يحترم معاناة شركائه في الوطن، على أمل أن يحافظ الجميع على وحدة الوطن.
في هذا الإطار يتداول اليمنيون أخباراً عن احتمال عودة الرئيس السابق لـ«جمهورية اليمن الديمقراطية» حيدر العطاس إلى البلاد، بعد قرارات مؤتمر الحوار الوطني التي كان أهل حضرموت، الإقليم الذي ينتمي إليه العطاس، أول المرحبين بهذه القرارات.
وفي هذا الإطار أيضاً يتحدث اليمنيون عن اتصالات تجري مع الحوثيين من أجل معالجة الصراع الدموي بينهم وبين التجمع اليمني للإصلاح وآل الأحمر وعلى رأسهم حميد الأحمر، الذي كان أول من دعا إلى تفّهم مطالب الحوثيين أثناء حروبهم السابقة في عهد الرئيس السابق علي عبد الله صالح، مما يؤكد انه ليس في السياسة عداوات دائمة ولا صداقات دائمة.
قد لا يبدو المشهد اليمني، قاتماً كما هي قاتمة، هذه الأيام، مدينة صنعاء، في الليل حيث تنقطع الكهرباء مراراً، ولا كما هي قاتمة مشاهد طوابير السيارات والحافلات والشاحنات تنتظر ساعات طويلة للحصول على حاجتها من المشتقات النفطية، لكن المشهد اليماني يحتاج إلى حكمة، ليست غريبة عن اليمنيين، وعلى ترجمة الإحساس العالي بالكرامة لديهم إلى سياسات وعلاقات تصون البلد العريق من مخاطر التدخل الخارجي وواقع الفتنة التي يحاول المتدخلون إشعالها.
هذا الإحساس العالي بالكرامة الوطنية والقومية والإيمان العميق بالإسلام، هو الذي يفسّر الكثير من سلوك اليمنيين، بل يفسر علاقتهم الوثيقة بجمال عبد الناصر، حسبما يقول أمين عام «المؤتمر القومي العربي»، وأحد مؤسسي «التنظيم الوحدوي الناصري اليمني»، وأمينه العام السابق عبد الملك المخلافي، «فالكرامة هي التي جمعت بين أبناء الشعب العربي في اليمن من جهة وبين القائد العربي على مستوى الأمة من جهة أخرى».
بل إن هذا الإحساس العالي بالكرامة الوطنية والقومية هو الذي أبقى خيمة المقاومة، التي أقامتها «جمعية كنعان فلسطين»، في قلب صنعاء إبان حرب تموز 2006 على لبنان، صامدة رغم كل المتغيرات السياسية، كرمز لتمسك الشعب العربي اليمني بالمقاومة في فلسطين ولبنان والعراق وكل أقطار الأمة.
فالكرامة، كما الحكمة، هي أيضاً من خصائص الشعب اليمني، وليس صعباً أن تلمس أنوارها تشع من وجوه اليمنيين مهما بلغ منهم الفقر والبؤس والألم.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 58 / 2165514

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع معن بشور   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2165514 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010