السبت 7 حزيران (يونيو) 2014

سياسة العقوبات المرفوضة

السبت 7 حزيران (يونيو) 2014 par علي بدوان

بِقَدرِ ماكرّست الساحة السياسية الفلسطينية من أعراف وتقاليد إيجابية في التعامل والتعاون المشترك بين مختلف المشارب والألوان السياسية والفكرية الفلسطينية حتى في فترات الانقسام الحرجة، انطلاقاً من مقولة الرئيس الراحل ياسر عرفات (ديمقراطية غابة البنادق)، بِقَدَرِ ما أُنتهكت تلك الأعراف في لحظات معينة من الحياة الداخلية السياسية الفلسطينية نتيجة افتراقات لحظية تجاه مواضيع سياسية أو تنظيمية بعينها.

في لحظات يَغِيبُ فيها العقل السياسي لتحل مكانه الانفعالات والانفعالات المقابلة، وتضيع فيه القضايا الجوهرية في متاهاتٍ ومسارب سلبية.

مناسبة الكلام إياه ماقيل عن وجود مناكفات جديدة في الساحة السياسية الفلسطينية، ولكن هذه المرة بين أطراف وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية وليس بين فصائل منظمة التحرير وفصائل المعارضة المؤتلفة تحت عنوان (فصائل تحالف القوى الفلسطينية) كما جرت العادة خلال سنوات ااإنقسام المؤلم.

إن من المؤسف أن تجرى تلك المشادات في ظل أجواء ومناخات المصالحة الفلسطينية التي تم التوقيع عليها مؤخراً في قطاع غزة وفي مخيم الشاطئ على وجه التحديد، حيث جاءت تلك المشادات هذه المرة بين بعض المواقع القيادية في السلطة الوطنية الفلسطينية والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

تلك المشادات والمناكفات وقعت بدءاً من جلسات أعمال الاجتماع الأخير للمجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية والتي عقدت في رام الله قبل أسبوعين تقريباً، حين انتقدت الجبهة الشعبية خطوات تشكيل حكومة الوحدة الوطنية وتقاسم الحكومة بين حركتي فتح وحماس من دون إشراك الآخرين في المشاورات الجارية. كما ان في تقديمها موقفاً نقدياً قاسياً لما أسمته مسيرة المفاوضات بين الطرفين الفلسطيني و الإسرائيلي، حيث نادت بوقفها. وقد أطلق بعض ممثلي الجبهة الشعبية في الاجتماع المذكور عبارات التسخين السياسية العالية الوتيرة، وقد انسحب بعضهم من الاجتماع وعلى رأسهم عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية وعضو المجلس التشريعي في الداخل خالدة جرار.

الى هنا، والأمر عادي جداً في الحالة الفلسطينية، فالمشادات والمناكفات، وأجواء التسخين وحدية النقاشات، ووصولها لدرجة التشابك بالأيدي في مرات (وإن كانت نادرة)، أمرُ معهود في الساحة الفلسطينية، بل بات جزءاً أساسياً من فولكلور العمل السياسي الفلسطيني داخل أطر منظمة التحرير الفلسطينية وحتى داخل أطر التنظيم السياسي والحزبي الواحد منذ سنوات طويلة جداً، منذ الفترة الأردنية مروراً للفترة اللبنانية في العمل الفلسطيني وصولاً للمرحلة الراهنة.

لكن الجديد في الأمر، اندلاع موجة تهديدات جديدة (مازالت في موقع التهديدات)، وبعضها مُبطن وبعضها مُعلن، جرى تسريبه عبر معلومات تم توزيعها من قبل بعض الأطراف القيادية في السلطة الوطنية الفلسطينية، بإمكانية وقف المستحقات المالية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين من الصندوق القومي الفلسطيني (وزارة المالية الفلسطينية للداخل والشتات)، وبالتالي ممارسة الضغط المالي عليها ليس لثنيها عن موقفها السياسي الأخير، بل عقوبة لها على أداء ممثليها في اجتماعات المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وهو الجهة الاستشارية العليا في المنظمة. والمقصود بوقف المستحقات المالية ليس رواتب كوادر الجبهة الشعبية المعتمدين بالكشوف المالية للسلطة الوطنية الفلسطينية بل بحصة الجبهة الشعبية التي تعطى لها ككتلة نقدية مباشرة باعتبارها حزباً وتنظيماً مؤتلفاً في إطار المنظمة والسلطة الوطنية.

وقيل أيضاً، وعلى لسان بعض المصادر الفلسطينية المسؤولة، وهو أمر غير مؤكد حتى الآن، لم تؤكده ولم تنفه الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ومفاده بأن قراراً ضمنياً صدر بوقف التعامل مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين من قبل السلطة الوطنية الفلسطينية، واعتبارها خارج مؤسسات المنظمة بسبب انسحابها من جلسة أعمال المجلس المركزي الأخيرة، وما صدر من تصريحات عنها كوصفها لاتفاق أوسلو بأنه كان خيانة للشعب الفلسطيني وتحديداً على لسان عضو المجلس التشريعي والمكتب السياسي للجبهة الشعبية خالدة جرار.

التهديد المالي بوقف مستحقات الجبهة الشعبية أو أي تنظيم من تنظيمات المنظمة من الصندوق القومي الفلسطيني أمرٌ مرفوض، ويجب أن تنتهي تلك الأساليب، التي لامبرر لها سوى وجود ترسبات إقصائية متقادمة وبالية مازالت تفعل فعلها في الساحة الفلسطينية. فالجبهة الشعبية وبعيداً جداً عن مناقشة موقفها السياسي أو التنظيمي أو رؤيتها تجاه عملية التسوية أو الوضع الداخلي، فصيل أساسي، بل هي الفصيل الثاني في ائتلاف منظمة التحرير الفلسطينية منذ العام 1968، أسسها وقاد نضالها قيادات وكوادر يُعتَزُ ويُعتَدُ بهم وبتاريخهم وبنظافة أيديهم، وعلى رأسهم ضمير الثورة الفلسطينية الراحل الدكتور جورج حبش، والدكتور وديع حداد، والشهيد أبو علي مصطفى وغيرهم، وبالتالي لايجوز بأي حالة من الأحوال استخدام العامل المالي لمعاقبتها أو الضغط عليها. فحقوقها المالية يجب أن تكون مصونة ومحفوظة كما هي حقوق مُختلف القوى والتشكيلات السياسية الفلسطينية المؤتلفة في إطار منظمة التحرير الفلسطينية. عدا عن ذلك فالحقوق المالية للجبهة الشعبية تعود لقطاعات من الناس ولعائلات فلسطينية في الداخل والشتات في نهاية المطاف، وليس للجبهة الشعبية كتنظيم في نهاية الأمر.

الجبهة الشعبية ردت على تلك المعلومات التي جرى تسريبها بشكلٍ مقصود على مايبدو، بشكلٍ دبلوماسي وسياسي راقٍ، حين أعلنت في بيانٍ رسمي لها أصدرته يوم الثاني والعشرين من مايو 2014 «أنها عضو مؤسس ومكوّن رئيسي من مكونات منظمة التحرير، ولا يستطيع أحد تجاهلها أو إقصاءها» وأنها «تتمسك بحقها وحقوقها في منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها أداة كفاح ونضال للشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده».

وخلاصة القول، نحن هنا لا نشكك بقدرة أحد على تجاوز الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في المعادلة الفلسطينية أو حصارها أو فرض القطيعة عليها، فهي مكون أساسي من مكونات العمل الوطني الفلسطيني. ونعتقد بأن الأمر كله ليس زوبعة غبار ماكان لها من ضرورة على الإطلاق.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 45 / 2166031

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع علي بدوان   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2166031 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010