الجمعة 6 حزيران (يونيو) 2014

عن جولة المصالحة الأخيرة

بقلم: ابراهيم حمامي
الجمعة 6 حزيران (يونيو) 2014

بداية لست ضد مصالحة حقيقية قوامها الشعب والحقوق، وأساسها الثوابت، وعمادها الرجال المخلصين، ورافعتها مقاومة الاحتلال لا التنسيق “المقدس” معه، وضمانتها مرجعية حقيقية تحافظ على كل ما سبق لتحقيق مصالحة حقيقية يجب أن تكون مرجعيتها واضحة، بآليات وتفاصيل محددة لا تُترك للتفسيرات اللاحقة، مع وضوح في كيفية معالجة اية خروقات ومحاسبة مرتكبيها، ناهيك عن صدق النوايا، وهي جميعاً غير متوفرة.
كما أن المصالحة الحقيقية التي يمكن لها أن تنجح هي التي لا التي تغض الطرف عن التنسيق الأمني المقدس والاعتراف بشرعية المحتل.
لا أنكر أبداً أنني كنت وما زلت ضد المصالحة مع فريق أوسلو سواء كان فتح أو السلطة أو م ت ف – لا فرق بينهم – لأسباب كررتها مراراً وتكراراً
كما لا أنكر وما زلت أرفع شعار أنه “لا مصالحة ولا لقاء مع الخونة والعملاء” – إلا أن يتوبوا ويعتذروا ويحاسبوا، لأن من أمن العقاب أساء الأدب، وقاعدة عفا الله عما سلف تشجع من أجرم ليجرم مرة ثانية وثالثة وعاشرة
ولا يخفى على أحد رفضي لمبدأ أنهم فلسطينيون وبالتالي لا خيار إلا الشراكة معهم، ليس كل فلسطيني وطني وفلسطين فيها الصالح والطالح، فيها المقاوم والمقاول، وفيها العميل والخائن، وفيه المجرم وتاجر المخدرات، نعم يبقوا فلسطينيين لكنهم أجرموا وعليهم أن ينالوا عقابهم لا أن يكافئوا، لكن في ذات الوقت انحراف هؤلاء لا يشين الشعب.
لا نساوي مطلقاً بين طرفي المصالحة، بين من سهّل الاتفاق وأطلق سراح حتى الجنائيين في غزة، ولم يتقدم بمرشحين للحكومة، وقدّم كل شيء، وبين من يستمر بنفس النهج والممارسات في الضفة الغربية بل مع زيادة وتيرة الاستدعاءات والاعتقالات.
لا يمكن بحال لنهجين متضادين أن يلتقيا، برنامج يرفع المقاومة شعاراً وتطبيقاً، وآخر يعتبر التنسيق الأمني مقدساً ويجرّم المقاومة ويلاحقها، لا غموض لدينا في ذلك ولا خلط.
حماس قبلت وتنازلت طواعية – وبسخاء - استجابة لمعاناة الشعب في غزة، ولظروف محلية واقليمية لا تخفى على أحد.
كثيرة هي المبررات التي تساق في هذا المجال:
حماس لا يمكن أن تظهر بأنها من يعرقل المصالحة·
في رقبة حماس مليون ونصف المليون في غزة تحت الحصار وعليها أن تخفف عنهم·
حماس مستعدة للتنازل لطرف فلسطيني في سبيل المصالحة
حماس ترى في المصالحة والوحدة الوطنية أولوية قصوى
هل من يطرح هذه الأعذار مقتنع بإمكانية التوصل لأي اتفاق يحترمه الطرف الآخر، وهل من ضمانات بفك الحصار وادخال أموال اعادة الاعمار والذهاب لانتخابات رئاسية وتشريعية كما يكرر عباس في كل مرة؟
ألم يتعظ الجميع من تجربة انتخابات التشريعي في المرة السابقة والانقلاب عليها بفرمانات عباسية بعد تدخل الاحتلال لصالح عباس ومن معه واعتقال عشرات النواب المنتخبين؟
إن كنا نعارض الاتفاق وننتقد الأداء، فهذا لا يعني الطعن أو التشكيك في نية من عمل مخلصاً لتخفيف المعاناة عن شعبه بعد أن تحمل سنوات من الحصار والعداء من الصديق والعدو، لكنه الغضب الممزوج بالقلق بسبب ممارسات الطرف الآخر الذي لا يؤمن جانبه والذي سبق وتنصل وغدر
هذه هي المحاولة العاشرة منذ العام 2005 لتحقيق المصالحة بذات الشخوص والبنود والآليات، فشلت ذات الطريقة تسع مرات حتى الآن.
ما تم هو تسليم واستلام بين حماس وفتح في قطاع غزة فقط، الضفة الغربية خارج أية مصالحة، هو اتفاق إدارة أزمة بين فصيلين.
حتى اللحظة لا يعرف أحد تفاصيل الاتفاق وآلياته، وتُرك الأمر على ضبابيته نهباً لتفكير الناس سلباً أو إيجاباً، موضوع رواتب غزة مثال
على غرار اتفاق أوسلو تم ترحيل كافة القضايا دون حلها وأهمها الملف الأمني
الحكومة التي من المفترض أنها حكومة وفاق تتكون من فتح واليسار ولا وجود لحماس فيها، وهي استمرار للحكومة السابقة في رام الله.
طريقة التعاطي حتى الآن تفيد بأن هناك طرف يتعامل بأنه منتصر ويفرض ما يُريد (المالكي وترقية الهبّاش وبرنامج الحكومة)، وطرف آخر تنازل عن المصلحة الشخصية أو الحزبية للمصلحة العامة.
تقول لمى خاطر: إشكالية وزارة الأسرى والمالكي وإصرار عباس وفتح على تمرير قضايا مرفوضة، مجرد إشارة لكيفية تصرفهم في الملفات اللاحقة؛ تعنّت، وإقصاء، واستفراد بالقرار ووصاية عليه حتى لو خالف توجه 90% من الشعب
قد يقول قائل لا يوجد ما تخسره حماس في الضفة حتى لو استمرت المعاناة هناك، فإن كانت نتيجة الاتفاق تخفيف الأمر عن غزة لكفانا.
في الضفة الغربية لم تخرج أي مسيرة ترحيب بالمصالحة ولم نشاهد أي تفاعل من الشارع مع الحدث وكأن الأمر لا يعنيهم أو أن الشارع لم يعد يثق بأحد.
إذاً التأييد للاتفاق رغم غياب مظاهر الاحتفال كما في اتفاق مكة مثلاً، هو من باب تخفيف الضغط والمعاناة على أهل قطاع غزة.
مؤيدو الاتفاق من جانب حماس يأملون أن تفتح المعابر وينتعش القطاع اقتصادياً وينتهي الحصار والمعاناة، وتنفرج الأمور، وهنا تكمن المشكلة أنهم أقنعوا أنفسهم أن تسليم عبّاس زمام الأمور سيحقق لهم ذلك، ولن يكون.
المرونة والتنازلات التي أبدتها وتبديها حماس لتحقيق المصالحة يبدو أنها فُهمت بأنها استسلام لعباس ورضوخ لكل ما يريد لذلك يحاول أن يتفرعن ويفرض إرادته.
من يستمر بتصريحاته كما فعل عدنان الضميري باستخدام عبارة “عصابات حماس في غزة” أو كما تفعل وكالة معاً بتقاريرها المسمومة، لا يريد أبداً ولا يؤمن بمصالحة.
من يفرّق بين موظف وآخر ليعتبر أن من استنكف وتقاعس عن خدمة شعبه شرعي يحصل على راتبه مع زيادات، وأن من خدم شعبه في ظل الحصار مشكوك فيه يحتاج للجنة تفحص وضعه وتستمر في عملها لأربعة أشهر كما صرح عزام الأحمد، لا يمكن أن يكون مؤمناً بالمصالحة
نجحت فتح حتى اللحظة في جر الجميع لمربعها الذي يعتبر المرتب أول الأولويات وأهمها، وما جرى في غزة بالأمس من احتجاجات خارج المصارف لا يخرج عن نطاق المخطط المدروس لذلك.
القضية ليست مرتبات أو معبر، لكنها أكبر من ذلك بكثير، طالما أنه هناك مقاومة وسلاح في غزة، فستبقى تحت الحصار، ومستهدفة من قبل الاحتلال وأعوانه.
مقايضة الوطن بالراتب هو الهدف الحقيقي لسلطة رام الله ودورها الذي أجادته تماماً في الضفة وتحاول اليوم تمريره لغزة عبر اتفاق المصالحة.
سنسمع قريباً جداً الاسطوانة ذاتها: سلطة واحدة، شرعية واحدة، قانون واحد، سلاح واحد، والمستهدف المقاومة بكافة أشكالها.
أن القبول بسلطة وانتخابات في ظل الاحتلال، هو تشريع له ودعم له وحماية له، وتكبيل للشعب وقواه، ولجم للمقاومة، خاصة بعد تجربة الانتخابات الأخيرة التي كانت اختباراً ودرساً عملياً وواقعياً
وما قرار الاحتلال الأخير بمنع أي انتخابات تشارك فيها حماس إلا تأكيد على ذلك، وهو يأتي إما لأنهم على يقين بفوز حماس أو هو اتفاق مع عباس ليبقى مهيمناً للأبد بحجة عدم امكانية اجراء الانتخابات.
حركة حماس وقيادتها تعرف تماماً كل ذلك - ولا نزاود عليها في هذا الأمر - ولماذا قبل عبّاس اليوم بالمصالحة اليوم للخروج من ورطة انسداد الأفق السياسي وفشل المفاوضات والنهج والبرنامج الذي يقوده.
لكن مع كل ذلك تفترض حماس حسن النية كل مرة وتظهر في الاعلام وكأنها من يركض وراء المصالحة، وتترك الساحة للطعن والتشويه، بل لا نبالغ ان قلنا، أن حماس في كثير من الأحيان تعطي الطرف الآخر الذخيرة والمؤنة لمهاجمتها.
ما يؤكد ذلك ومن خلال المتابعة اليومين الماضيين، وقوف حماس بقيادتها وعناصرها موقف المدافع عن خطوتها بالمصالحة، ومحاولة شرح وتبرير لماذا اتخذت تلك الخطوة، مقابل هجوم فتحاوي شرس وبتعنت، ومحاولة فرض أمر واقع جديد.
المتغير الحقيقي الوحيد بعد الاتفاق هو وجود مسمى واحد لحكومة الوفاق، وغياب مسميات حكومة غزة وحكومة رام الله وحكومة مقالة وحكومة تسيير أعمال وحكومة شرعية وحكومة مقاومة، رغم أن الحكومة الحالية هي امتداد حقيقي وواقعي لحكومة عبّاس في الضفة الغربية.
إنني على قناعة مطلقة أن هذه المصالحة ستلحق بسابقاتها، ما سيحدث هو أن الشعب الذي دفع حماس للمصالحة سيدفعها للخروج منها.
لكن عندها سيكون الصدام أقوى وأعنف وأشمل وأكثر حسماً.
ما سبق ليس تشاؤماً لكنه قراءة لواقع حقيقي أكدته أحداث الأعوام الماضية، وستثبته أحداث الأسابيع والأشهر القادمة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 7 / 2177934

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2177934 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40