السبت 24 أيار (مايو) 2014

لبنان بلا رئيس وحكومة وبرلمان؟

السبت 24 أيار (مايو) 2014 par د. عصام نعمان

ثمة احتمال ماثل: أن تخلو سدة الرئاسة صبيحةَ 25 الشهر الجاري. خلوّ سدة الرئاسة يمكن ان يؤدّي الى تعطيل عمل الحكومة. تعطيلُ الحكومة يمكن ان يقترن بتعطيل عمل مجلس النواب. في هذه الحال يصبح لبنان بلا سلطة تنفيذية ولا سلطة تشريعية. كيف؟ ولماذا؟

بحسب المادة 62 من الدستور: «في حال خلو سدة الرئاسة لأيّ علّة كانت تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالةً بمجلس الوزراء». لكن ثمة فريقاً من اللبنانيين يتحفّظ في شأن هذا الانتقال شبه الميكانيكي للسلطة من مركز دستوري الى آخر. يقول بطريرك المسيحيين الموارنة مار بشارة بطرس الراعي: «الرئاسة الأولى هي بمثابة الرأس من الجسد، تعطي الشرعية للمجلس النيابي والحكومة وسائر المؤسسات، وتضمن الاستقرار في البلاد، وتعطيها شرعيتها الدولية. فلا أحد أعلى من الرئاسة، ولا أحد يحلّ محلها. وأمام استحقاقها تسقط كلّ الاعتبارات الشخصية والفئوية والحزبية والسياسية».

تأسيساً على هذا الفهم والتوصيف للرئاسة الأولى، يعلن البطريرك الراعي بصراحة: «لا يمكن أن نرضى بالفراغ في سدة الرئاسة ولو ليوم واحد، لأنه انتهاك صارخ ومدان للميثاق الوطني وإقصاء للمكوّن الأساسي في الحكم الميثاقي في لبنان، وهو المكوّن المسيحي، ولأنه انتهاك صارخ ومدان للدستور الذي يأمر المجلس النيابي في مادتيه 73 و 74 بانتخاب رئيس على الفور».

بإمكان معارضي البطريرك الراعي تفنيد تفسيره الخاص للميثاق والدستور، لكن ذلك لا يطفئ نار الأزمة السياسية والدستورية التي اندلعت. فقد باشر قادة سياسيون مسيحيون بالضغط لمنع الفراغ في سدة الرئاسة الأولى من خلال التلويح بأن لا جلسات تشريعية محتملة في ظلّ الفراغ، وبحصر عمل الحكومة بالإطار الضيّق لتصريف الأعمال عند إناطة صلاحيات رئيس الجمهورية بها.

لماذا اللجوء الى مقاطعة المجلس النيابي وتضييق عمل الحكومة؟

يجيب دعاة هذا الموقف بأنّ ثمة حساسية متنامية إزاء عدم اكتراث البعض من احتمال غياب او تغييب مكوّن أساسي في هرم المؤسسات الدستورية ما يؤدي الى تطبيع حال الفراغ الرئاسي وتمديد أجله.

هل تخدم الدعوة الى مقاطعة المجلس النيابي وتضييق عمل الحكومة فريقَ الداعين إليها؟

في المسألة قولان. بعض السياسيين يقول إنّ مقاطعة البرلمان وشلّ الحكومة يفاقم الأزمة ويحمّلان، تالياً، أصحاب القرار، محلياً وخارجياً، على تطويق انعكاساتها على استقرار البلاد وذلك بالتوافق على ترئيس الأقوى بين القادة الموارنة الناهدين الى المركز الأرفع. بعضهم الآخر يقول إنّ معرقلي انتخاب رئيس جديد ضمن المهلة الدستورية جلّهم من المسيحيين، فكيف يفيدون من أزمةٍ تعطّل مرافق البلاد وتثير مشاعر القادة غير المسيحيين؟ وهل يعقل أن يتمادى النواب في تعطيل التشريع، فلا يسنّون قانوناً ديمقراطياً للانتخابات، ولا يشرّعون لتمديد ولايتهم؟

أياً يكن النهج المعتمد لمعالجة الأزمة وملء الفراغ الرئاسي، فإنّ جميع الدلائل تشير الى أنه ليس في جعبة اللاعبين والمتلاعبين المحليين والخارجيين إلاّ المزيد من الشيء نفسه. فموازين القوى الراهنة، والعصبيات الطائفية والمذهبية، وثقافة الفساد المتجذرة لا تتيح للقوى الوطنية والاجتماعية الحية، من خلال آليات النظام التقليدية، إنتاج حلّ ديمقراطي لأزمة النظام المزمنة من حيث هي اختلال بنيوي في إدارة التنوّع اللبناني.

ما العمل؟ كيف يمكن الخروج من حمأة هذا النظام الذي بات في حال موتٍ سريري الى نظام آخر ديمقراطي مبني على أسس حكم القانون والعدالة والتنمية؟

في لبنان، لا فرصة ولا قبول بفكرة انقلاب عسكري. جلّ ما يستطيعه الجيش الامتناع عن التحوّل سوطاً في يد الشبكة الحاكمة. ذلك بحدّ ذاته إنجاز وازن اذ يمكّن القوى الوطنية الإصلاحية من تشديد ضغوطها على أهل النظام لإكراههم على ولوج باب الإصلاح السياسي الأساس باعتماد قانون ديمقراطي عادل للانتخابات.

في هذا المجال، يجب الاستفادة من تجربة «هيئة التنسيق النقابية» لتكوين مناخ شعبي رافض للنظام السياسي المحتضر وتطويره الى هيئة تنسيق وطنية للقوى السياسية الإصلاحية العابرة للطوائف بقصد اغتنام الظروف الاستثنائية السائدة لشنّ عصيان مدني سياسي على الحكومة بكل الوسائل المشروعة بغية حملها على اتخاذ قرارات استثنائية، لعلّ أهمّها:

اولاً، وضع قانون ديمقراطي للانتخابات باعتماد البلاد دائرة انتخابية واحدة، على أساس نظام التمثيل النسبي أو نظام التمثيل الأكثري وفق قاعدة «لكلّ ناخب صوت واحد»، وإحالته بصيغة مشروع قانون معجل على مجلس النواب وفق أحكام المادة 58 من الدستور ليُصار الى إصداره بمرسوم إذا تعذّر البتّ به خلال مدة الأربعين يوماً المنصوص عليها في المادة المذكورة، او إصداره بمرسوم اذا تعذّر على مجلس النواب الانعقاد، وذلك عملاً بنظرية الظروف الاستثنائية وأحكام الضرورة.

ثانياً، تقوم الحكومة، خلال المدة التي حدّدها قانون الانتخابات الجديد، بإجرائها تحت إشراف المنظمات غير الحكومية العالمية المختصة بحقوق الإنسان والحريات العامة، ووسائل الإعلام اللبنانية والعربية والأجنبية، وحتى بإشراف الأمم المتحدة إذا اقتضى الأمر.

ثالثاً، ينتخب المجلس النيابي الجديد رئيساً جديداً للجمهورية، فيقوم لاحقاً بإجراء الاستشارات النيابية اللازمة لتأليف حكومة جديدة.

رابعاً، يقوم المجلس النيابي الجديد، وقد أضحى له طابع تأسيسي ومشروعية وطنية جامعة، بمباشرة عملية حوار شامل من خلال لجانه المتخصصة لتحديد الأولويات الوطنية، السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، ويتولى تحويلها إلى تشريعات بالتعاون مع الحكومة.

خامساً، تتولى لجنة الإدارة والعدل البرلمانية، بمشاركة رئيس المجلس الدستوري، ورئيس مجلس القضاء الأعلى، ورئيس مجلس شورى الدولة، ورئيس ديوان المحاسبة، ونقيبي المحامين في بيروت والشمال، مهمةَ إجراء الدراسات واقتراح الصيغ القانونية اللازمة لإعادة النظر بإجراءات انتخاب رئيس الجمهورية وصلاحياته، وتنفيذ أحكام المادة 22 من الدستور إنشاء مجلس نواب وطني لا طائفي ومجلس شيوخ لتمثيل الطوائف والمادة 95 من الدستور المتعلقة بإلغاء الطائفية على مراحل.

قد تبدو هذه المبادرات والإجراءات، في منظور تجارب الماضي التقليدية العقيمة، ثورية وصعبة التطبيق. لكنها ليست كذلك في منظور الظروف الاستثنائية التي تستوجب قرارات استثنائية وشرعية استثنائية.

هل من سبيل آخر؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 17 / 2165540

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع عصام نعمان   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

4 من الزوار الآن

2165540 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010