الأحد 18 تموز (يوليو) 2010

«اليونيفيل» والحرب المحتملة

الأحد 18 تموز (يوليو) 2010 par د. محمد السعيد ادريس

الاشتباكات التي وقعت بين القوة الفرنسية العاملة ضمن قوات المراقبة الدولية في جنوب لبنان المعروفة باسم «يونيفيل»، وبين الأهالي في بعض القرى الجنوبية، والضجيج الإعلامي، وامتداداته السياسية في أطراف الموالاة (فريق 14 آذار)، لم تكن عفوية بأي حال من الأحوال، فهذه الاشتباكات المتعمدة من جانب القوة الفرنسية في «اليونيفيل» تعتبر ضوءاً كاشفاً ورابطاً مشتركاً بين تطورات عدة تدفع لبنان نحو مواجهة قد تكون حاسمة تدبر لها «إسرائيل»، ولم يعد يؤخرها غير حسابات سياسية أمريكية «إسرائيلية» لها علاقة مباشرة بملف أزمة البرنامج النووي الإيراني وتطوراتها، وخاصة تداعياتها على ما يجري داخل العراق من استعدادات أمريكية لترتيب ملء الفراغ السياسي والعسكري الأمريكي بعد الانسحاب من ناحية، وله علاقة أيضاً ببعض الغموض المتعلق بملف العلاقات الأمريكية مع سوريا، وفرص تجديد التفاوض السوري «الإسرائيلي» سواء بالوساطة التركية أو بدخول الولايات المتحدة طرفاً مباشراً في هذه الوساطة. والغموض في هذا الملف عدم حسم الموقف الأمريكي «الإسرائيلي» من سوريا سلماً كان أم حرباً .

ولأن الحرب خيار قائم ومحتمل، فإن ما قامت به قوات «اليونيفيل» من تجاوز للقواعد الحاكمة لدورها في الجنوب اللبناني، وبالذات دخول القرى والتفتيش عن أسلحة واقتحام المنازل من دون مرافقة الجيش اللبناني، كشرط للتحرك في القرى اللبنانية، بل ورغم رفض واعتراض الجيش اللبناني على هذه المهام لا يمكن اعتباره إجراءات غير مدروسة، أو أنها تتم بمعزل عن أجواء التسخين والإعداد للحرب كهدف استراتيجي، لكنها، ولكي تصل إلى ذلك، تسعى إلى تحقيق أهداف تكتيكية أهمها تغيير قواعد الاشتباك في الجنوب، وتحويل أو انحراف هذه القوات الدولية، وخاصة الفرنسية منها، عن جوهر المهمة الموكلة إليها منذ 32 عاماً، أي منذ الاجتياح «الإسرائيلي» لجنوب لبنان عام 1978 بناء على القرار 425، وهي المساعدة في إجبار «إسرائيل» على الانسحاب الكامل من جنوب لبنان ومنع اعتداءاتها عليه.

هدف تغيير قواعد الاشتباك كأول هدف تكتيكي من افتعال القوة الفرنسية في «اليونيفيل» للاشتباكات الأخيرة مع الأهالي وتحميل «حزب الله» مسؤوليتها، هو تغيير تلك المهمة من حماية الجنوب من الاعتداءات «الإسرائيلية»، ورصد هذه الاعتداءات وتبليغها إلى الأمن العام للأمم المتحدة، إلى مراقبة المقاومة، وخدمة مصالح «إسرائيل»، بل والتورط في جرائم تجسس لصالح الكيان الصهيوني، من خلال تعديل قواعد عملها في الجنوب، وإثارة الأزمة الآن قبيل شهرين فقط من موعد التجديد لهذه القوات يهدف إلى أن يأتي التمديد الجديد لها في جنوب لبنان مصحوباً بإعطائها صلاحيات جديدة، أبرزها التحرك الحر في قرى الجنوب، وأن تتحول إلى قوة تفتيش على المقاومة، وجعل جنوب لبنان منطقة مؤمنة ل «إسرائيل» من المقاومة، والتخلص من شرط مصاحبة الجيش اللبناني لعملياتها، بمعنى أن تتحول إلى قوة استطلاع متقدمة للجيش «الإسرائيلي» في جنوب لبنان.

ما يؤكد هذا الاستنتاج أن افتعال أزمة بين الأهالي في القرى الجنوبية وقوات اليونيفيل الفرنسية جاء مصحوباً ومتزامناً بأحداث وتطورات عديدة. أولى هذه التطورات إعلان «إسرائيل» لخرائط تكشف مواقع مخازن أسلحة تابعة للمقاومة في محاولة منها لجعل قضية «سلاح المقاومة» وخطره على أمن «إسرائيل» قضية لها كل الأولوية، ومنها يمكن تحقيق مجموعة أهداف، أولها جعل سلاح المقاومة بعد تضخيمه أحد المبررات الأساسية لحرب استباقية تعد لها «إسرائيل» ضد لبنان.

وثانيها، إعطاء المبررات الكافية لتوسيع مهام قوات اليونيفيل في الجنوب لسد ما تراه «إسرائيل» من «ثغرات» في القرار الدولي 1701 الذي وإن كان قد أبعد المقاومة إلى جنوب نهر الليطاني ودفع بالجيش اللبناني إلى الحدود للمرة الأولى، فإنه لم يمنع من وجود قوي غير منظور للمقاومة وأسلحتها في جنوب لبنان، ولذلك تسعى «إسرائيل» إلى تعديل هذا القرار بحيث يوسع من صلاحيات اليونيفيل ويجعلها قوة دولية هدفها تفريغ الجنوب نهائياً من المقاومة.

أما الهدف الثالث، وربما يكون الأهم، الدفع بتحويل مطلب تعديل القرار 1701 إلى قضية ساخنة أملاً في الوصول بهذا القرار، من خلال مجلس الأمن، إلى ما سبق أن كتبه في مجلة «نيوزويك» الأمريكية منذ فترة الكاتب فريد زكريا بالسعي إلى تطوير هذا القرار وتعديله ليصبح بمثابة مقدمة لاتفاقية سلام لبنانية «إسرائيلية» على غرار اتفاقية وادي عربة، أو معاهدة السلام المصرية «الإسرائيلية»، ما يطور من مهمة اليونيفيل إلى ما يشبه القوات الدولية العازلة الموجودة على الحدود بين مصر و«إسرائيل»، والتي هدفها بالأساس هو أمن «إسرائيل»، إلى جعل اليونيفيل طرفاً في حماية أمن «إسرائيل».

ثاني التطورات التي سبقت افتعال قضية اليونيفيل في جنوب لبنان اكتشاف العديد من الخلايا الاستخباراتية «الإسرائيلية»، بعضها كان بمشاركة من أحد المشاركين في اليونيفيل، وآخرها كان توقيف موظف الاتصالات في شركة «ألفا» بتهمة التعامل مع «إسرائيل». كل هذه الأنشطة الاستخباراتية «الإسرائيلية» تؤكد أن «إسرائيل» تنشط وتتحرك وتتعاون مع أطراف داخلية وإقليمية استعداداً لحرب قادمة، وأن «كلمة السر» في هذه الحرب هي سلاح المقاومة. والحملة التي تشتعل الآن سخونة من جانب البطريرك صفير وسمير جعجع.

ثالث هذه التطورات يتعلق باقتراب موعد إعلان المحكمة الدولية لحادثة اغتيال رفيق الحريري رئيس وزراء لبنان الأسبق، وما يجري ترتيبه وإعداده بين أمريكا وفرنسا و«إسرائيل» في موضوع المحكمة الدولية، وخصوصاً التسريب «الإسرائيلي» حول إمكان حدوث تدهور أمني في لبنان، خصوصاً في الجنوب بعد صدور القرار الظني في حادثة اغتيال الحريري في شهر سبتمبر/ أيلول المقبل، حسب ما جاء على لسان رئيس الأركان «الإسرائيلي» الجنرال جابي أشكنازي الذي كشف هذا الموعد، كما كشف ما هو أهم، وهو ما يتعلق باحتمال اتهام «حزب الله» بالضلوع في الجريمة بعد استبعاد سوريا و«القاعدة».

تطورات مهمة تزداد أهميتها مع حرص فرنسا وحلفائها في بيروت على فرض اتفاقية تعاون أمني مع لبنان على غرار الاتفاقية الأمريكية، ما يجعل من فرنسا طرفاً مباشراً في قضايا الأمن الداخلي اللبناني وترتيباته، وأولها بالطبع سلاح المقاومة الذي يسعى جميع هؤلاء إلى تجريده من منطلق كونه موجهاً نحو السلم والأمن الأهلي في لبنان وليس ضد «إسرائيل»، ونفي صفة المقاومة عن «حزب الله» وحصره في كونه مجرد أداة تغلغل إيرانية.

أحداث وتشابكات كثيرة هدفها المقاومة، وعنوانها «اليونيفيل» والحرب المحتملة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 34 / 2165305

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2165305 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010