الأحد 18 أيار (مايو) 2014

عقدة أمريكا في الشرق الأوسط

الأحد 18 أيار (مايو) 2014 par هاشم عبد العزيز

بينما كانت مستشارة الرئيس الأمريكي لشؤون الأمن القومي سوزان رايس تعلن عن لقاء وزير الخارجية الأمريكي جون كيري والرئيس الفلسطيني محمود عباس الخميس الماضي في لندن لبحث استئناف المفاوضات الفلسطينية - ال“إسرائيلية”، كان وزير الخارجية ال“إسرائيلي” ليبرمان يعلن أن المفاوضات لن تستأنف في المدى القريب .
في النظرة العامة لهذه المواقف يبدو أن الأمريكيين ما زالوا يحاولون بذل جهودهم في شأن ما يعتبرونه الوصول إلى تسوية سلمية للصراع، وأن تصريحات ليبرمان لا تذهب أكثر من مناورة لحمل الفلسطينيين على اتخاذ موقف لن يكون خالياً من تنازلات، بيد أن الأمور لا يمكن أخذها بهذه التوليفة المبسطة لأن استبعاد ليبرمان للمدى في شأن المفاوضات هو لغة مخففة لرفض التسوية القائمة على الحق والعدل وإرساء قواعد السلام، وأن الدور الأمريكي لا يزال مستمراً في شراء الوقت وهذا ما استثمره الاحتلال وبخاصة في شأن الاستيطان . بالطبع، من غير المستبعد أن ينجح كيري في إعادة الطرفين إلى المفاوضات، لكن المستبعد أن يتم إحراز تقدم في شأن مواجهة القضايا المتداعية عليها في أزمة هذه المنطقة جراء سياسة الاحتلال .
والقول هكذا ليس حكماً مسبقاً بل قد يكون متأخراً لأن الإخفاق الذي لازم جولات كيري المكوكية يعود إلى فشل أوباما في الإيفاء بوعده حول القضية الفلسطينية، وهذا الفشل ليس الأول وهو بالتأكيد قد لا يكون الأخير لإدارة أمريكية طالما ارتهنت سياستها تجاه هذه القضية على الازدواج وعقدة هذا الازدواج اللوبي الصهيوني بما ترتب على دوره في الوضع الأمريكي برمته من مفارقة في شأن هذه القضية والتي يمكن تلخيصها أو إيجازها بالسؤال : “هل على الرئيس الأمريكي وعلى الشعب الأمريكي مواجهة الصراع بقوة بين اليهود والعرب في الشرق الأوسط، أم أن عليهما أن يرضخا لمطالب اللوبي”الإسرائيلي“”؟ .
هنا يمكن الإشارة إلى أن مراقبين ومحليين يعيدون بداية الفشل الأمريكي في شأن هذه القضية إلى عهد الرئيس ترومان الذي دخل البيت الأبيض عام 1945 حينها كانت مخيمات اليهود منتشرة في العديد من البلدان الأوروبية التي لم تكن راغبة فيهم ووجد كثير منهم في وعد بلفور ملاذهم إلى فلسطين وحينها بدأت مطالب يهود أمريكا تنهال على الرئيس ترومان لمساعدة اليهود الأوروبيين الهجرة إلى فلسطين .
وتذكر الأرقام أن الرئيس ترومان تلقى آنذاك ما يقارب من 35 ألف رسالة لكنه لم يكن مهتماً ولا تحت تأثير اللوبي الصهيوني الأمريكي الذي كان لا يزال محدود التأثير، وحسب ما يذكر فإن الرئيس الأمريكي آنذاك قال لأحد أصدقائه: “لقد جمعت كل تلك الرسائل وأشعلت فيها عود كبريت” .
لكن هذا الموقف تغير على نحو جذري عام 1948 فكان ترومان أول رئيس يعترف ب “إسرائيل” ويتعهد بمساعدتها، ومنذ ذلك الوقت وهذه القاطرة متواصلة ولا تزيد بين فترة وأخرى سوى الاندفاع في هذا الاتجاه، والأمر يعود هنا إلى الدور الذي يلعبه اللوبي الصهيوني في الانتخابات وهذا ما احتاجه واستجداه ترومان في خوض الدورة الرئاسية الثانية .
لقد حاول رؤساء أمريكيون إيجاد حل توافقي يجمع بين قيام “إسرائيل” والحقوق الفلسطينية ولامس هذا الاتجاه بمستويات متفاوتة جيمي كارتر وجورج بوش الأب وبيل كلينتون، وكان بمقدور ترومان أن يوجد حلاً وحاول ذلك فعلاً ولكنه فشل وفشل من حاول بعده بسبب دور اللوبي الصهيوني، وربما أن الفشل الذريع سيبقى من نصيب باراك أوباما . فالرجل الذي أطلق شعار إعادة بناء أمريكا الجديدة والجديرة بالقيم الإنسانية ووعد بحل القضية الفلسطينية وإحلال السلام في هذه المنطقة انقلب على نفسه جراء الضغوط التي مارسها اللوبي الصهيوني، والمثل الدال على هذه الحقيقة التراجعات التي اتبعها أوباما في شأن شروطه الإيقاف الكامل والشامل للاستيطان للعودة للمفاوضات والتخبط بين ذهابه إلى نقده بصوت مرتفع رئيس الوزراء “الإسرائيلي” نتنياهو ووصفه بنعوت سيئة ومن ثم عودته إلى استقباله في واشنطن بتدلل وابتذال غير لائق برئيس دولة، ناهيك عن كونه رئيساً للولايات المتحدة وليزيد تحت ضغط اللوبي الصهيوني الوقوف على منبر هذا اللوبي وفي “إسرائيل” معلناً التزام الولايات المتحدة بأمن وسلامة “إسرائيل” ويمنح رئيسها أعلى وسام أمريكي ويعترف بها دولة يهودية .
لقد فشل مشروع ترومان تحت اندفاع الصهاينة الذي يريد كل فلسطين، وإذا ما أخذ في الاعتبار أن سنوات الرعاية الأمريكية للتسوية أخفقت في كل ما يرتبط بالحل العادل والسلام الدائم، فإنها نجحت في شراء الوقت الذي استثمره الاحتلال في المشروعات الاستيطانية التي تزحف على كل الأراضي الفلسطينية في الضفة والقدس: أليس هذا تنفيذاً لما كان حلم به الصهاينة في عهد ترومان؟
إن ما هو لافت والتحركات الأمريكية الآن للعودة إلى المفاوضات تأتي “فيما أعلنت واشنطن أن محمود عباس أخطأ بتوقيع 15 اتفاقية انضمام لمؤسسات دولية”، ولكن نتنياهو لم يخطئ في بناء 15 ألف وحدة استيطانية في القدس"، فهل من تفسير لهذا الازدواج؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2178367

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2178367 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40