السبت 17 أيار (مايو) 2014

فلسطينيو سوريا وذكريات الحرب اللبنانية

السبت 17 أيار (مايو) 2014 par أواب المصري

في زحمة الهموم اللبنانية، التي يتقدمها شبح الفراغ الذي يترصد كرسي الرئاسة، برز همّ جديد، هو أحد إفرازات الأزمة السورية، عنوانه "اللاجئون الفلسطينيون النازحون من جحيم الحرب الدائرة في سوريا.. فبعد ترحيل الأمن العام اللبناني مجموعة مؤلفة من تسعة وأربعين فلسطينياً تم توقيفهم في مطار بيروت، تداول نشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي تعميماً رسمياً، يقضي بمنع شركات الطيران من نقل أي مسافر فلسطيني لاجئ إلى سوريا من الدخول إلى لبنان، أو السفر إليه مهما كانت الوثائق والمستندات التي يحملها.
جاء ذلك متزامناً مع إقدام الجيش اللبناني على توقيف ثمانية لاجئين فلسطينيين بسبب انتهاء مدة إقامتهم السنوية.
الموقف الرسمي للدولة اللبنانية عبّر عنه وزير الداخلية نهاد المشنوق، الذي نفى وجود قرار يمنع دخول اللاجئين الفلسطينيين من سوريا إلى لبنان أو العبور منه.. لكن هذا النفي ترافق مع اجتماع عقده مجلس الأمن المركزي خُصص لبحث عملية دخول السوريين والفلسطينيين إلى لبنان عبر الحدود البرية والجوية، وتم الاتفاق على إيجاد آلية تنظم الدخول إلى لبنان وفقاً لمعايير واضحة.
الموقف اللبناني جاء رداً على اتهام منظمة هيومان رايتس ووتش المعنية بحقوق الإنسان للسلطات اللبنانية بإقدامها “على ترحيل نحو 40 فلسطينياً قادمين من سوريا اعتباطياً”.. وهو رد كذلك على المتحدث باسم وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) كريس غانس الذي أعرب عن “قلق الوكالة من القيود المتزايدة على دخول اللاجئين الفلسطينيين الهاربين من النزاع في سوريا إلى لبنان”.
بحسب الأرقام الرسمية الصادرة عن الأمم المتحدة، يستضيف لبنان أكثر من مليون لاجئ سوري هربوا من النزاع الدائر في بلادهم منذ ثلاثة أعوام، من بينهم 57 ألف فلسطيني.. يُضاف هؤلاء إلى قرابة 420 ألف لاجئ فلسطيني يقيمون في 12 مخيماً للاجئين الفلسطينيين في لبنان.
تدرك الدولة اللبنانية أن أكثر من مليون لاجئ سوري يشكلون مشكلة كبيرة، نظراً إلى مساحة لبنان الصغيرة، وعدد سكانه وبنيته التحتية، وتركيبته الطائفية الهشة، لكنها تعتبر أن هذه المشكلة مؤقتة، فهي سرعان ما تجد طريقها إلى الحل بعد انتهاء الأزمة السورية، وعودة النازحين إلى قراهم وبلداتهم ومنازلهم التي هُجّروا منها..
المشكلة تبقى بالنسبة للاجئين الفلسطينيين النازحين من سوريا، الذين لا يجدون ما يدفعهم للعودة إليها بعد انتهاء الحرب الدائرة فيها.. فوضعهم لا يختلف سواء كانوا في سوريا أو في لبنان.. ففي سوريا هم لاجئون يعيشون في مخيمات، وفي لبنان كذلك. وربما يجد بعض هؤلاء أن العيش في لبنان أفضل منه في سوريا، فيستقر وعائلته في أحد مخيماته.. هذا السبب هو الذي يدفع السلطات اللبنانية في الآونة الأخيرة للتشدد مع النازحين الفلسطينيين، ومنع دخول المزيد منهم من سوريا إلى لبنان. فالتوازن الطائفي في لبنان لا يحتمل المزيد من الخلل.
الدولة اللبنانية منذ بداية الأزمة السورية رفضت إقامة مخيمات للاجئين على غرار تلك المقامة لهم في تركيا والأردن.. هذا القرار لم يكن عناداً أو رفضاً لتنظيم أوضاع النازحين، بل لأن الذاكرة اللبنانية لا ترغب بتكرار تجربة مريرة وصعبة عاشها اللبنانيون قبل أكثر من أربعة عقود مع اللاجئين الفلسطينيين.
هذه التجربة بدأت أول فصولها عام 1969 مع توقيع اتفاق القاهرة الذي شرّع الوجود الفلسطيني المسلح في لبنان للحاجة إليه في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي.. لكن هذا السلاح شكل مدخلاً لتدخل الفلسطينيين في الشؤون اللبنانية، وشرارة ساهمت بإشعال حرب أهلية استمرت ثمانية عشر عاماً، كان الفلسطينيون في إحدى المراحل طرفاً من أطرافها الرئيسية.
وحتى يومنا هذا، مازالت تحتفظ الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين –القيادة العامة (الحليفة للنظام السوري) بمراكز عسكرية وتحصينات وأنفاق وأسلحة ثقيلة على بُعد كيلو مترات قليلة من العاصمة اللبنانية، وكذلك في منطقة البقاع المتاخمة للحدود مع سوريا.. كما أن معظم الفصائل الفلسطينية ما زالت تحمل سلاحها في المخيمات المنتشرة على الأراضي اللبنانية.. كل ذلك تحت عنوان “الحماية” في مواجهة أي اعتداء يتعرضون.. لكن الواقع الذي تؤكده الأحداث اليومية، هو أن هذا السلاح يتم استخدامه في تصفية حسابات داخلية، كما أن المخيمات الفلسطينية باتت تشكل بؤراً يلجأ إليها الهاربون من القانون سواء كانوا فلسطينيين أو لبنانيين.
والتحقيقات القضائية كشفت أن العديد من المجرمين حضّروا لارتكاب جرائمهم داخل المخيمات التي لاتصل إليها الأجهزة الأمنية اللبنانية.
الصورة المظلمة للاجئين الفلسطينيين تستكملها السلطة اللبنانية بصُوَر أكثر قتامة.. فهي منذ بداية الوجود الفلسطيني تتعامل معهم من جوانب أمنية وسياسية دون أي بُعد إنساني وأخلاقي يراعي الأوضاع التي يعيشونها.. فهم محرومون من حق التملّك، ومحرومون من العمل في معظم المهن، والمخيمات الفلسطينية تشكل البقع الأكثر بؤساً وفقراً وإهمالاً وكثافة سكانية على الأراضي اللبنانية.
ورغم إعلان الحكومة اللبنانية عام 2005 عن إنشاء لجنة خاصة مهمتها الحوار مع الجانب الفلسطيني، إلا أن العلاقة بين الجانبين مازالت على حالها من الحذر والريبة.. ولعلّ غياب مرجعية موحّدة للاجئين الفلسطينيين في الشتات ساهم في زيادة المعاناة التي يعيشونها، والتعاطي السلبي معهم.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 30 / 2165542

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2165542 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010