الجمعة 16 أيار (مايو) 2014

الفصول المتعددة لنكبة فلسطين

الجمعة 16 أيار (مايو) 2014 par الياس سحاب

تعوّد العرب منذ منتصف مايو/أيار في العام ،1949 استذكاراً سنوياً لما اصطلح على تسميته “نكبة فلسطين” .لكننا إذا ألقينا في زمننا الراهن نظرة طائرة على ما يستكمل في أرض فلسطين، وفي أراضي دول عربية أخرى، في المشرق العربي، حول فلسطين، وفي بعض أرجاء المغرب العربي، أدركنا سريعاً أن ما أسميناه “نكبة فلسطين” إنما هو واقع سياسي يتمثل في فصول متعددة تم بعضها على أرض فلسطين، قبل العام ،1948 ويتم استكمال بعضها الآخر في فلسطين وفي سواها من أرجاء الوطن العربي حتى يومنا هذا .
لقد انطلقت الفكرة الاستراتيجية لما حمل فيما بعد اسم “نكبة فلسطين”، في منتصف القرن التاسع عشر، عندما بدأ يمثل اندفاع محمد علي بجيوشه وطموحاته السياسية، من مصر إلى أرض المشرق العربي، وصولاً إلى مشارف الآستانة، إعلاناً عن ملامح مشروع وحدوي عربي، كاد يهدد الإمبراطورية العثمانية قبل ثلاثة أرباع القرن على نشوب الحرب العالمية الأولى، من مطلع القرن العشرين، وانهيار الإمبراطوية .
منذ ذلك اليوم بدأ التحضير لنكبة فلسطين في الدوائر الاستعمارية الأوروبية (الفرنسية والبريطانية في ذلك الزمن) .
وفي نهايات القرن التاسع عشر، اكتمل تشكيل الحركة الصيهونية في مؤتمرها الأول بسويسرا في العام ،1897 استكمالاً للزواج بين المشروع الاستعماري والمشروع الصهيوني، الذي اتخذ من أرض فلسطين العربية نقطة ارتكاز له وانطلاق .
تم الفصل الثالث من النكبة بعد ذلك تحت نير الاستعمار البريطاني لفلسطين، ابتداء من العام ،1918 وانتهاء بالعام ،1948 في ثلاثة عقود كاملة من استكمال استيطان أرض فلسطين بجحافل المهاجرين اليهود، الذي بدأ تحت الحكم العثماني . وكانت ذروة ذلك الفصل الثالث في منتصف شهر مايو/ أيار ،1948 عندما انسحبت بريطانيا من أرض فلسطين، لتعلن ولادة دولة “إسرائيل” .
لكن فصول النكبة لم تتوقف عند الفصول الثلاثة الأولى، بل استوفت استكمالها في صيف العام ،1967 عندما تمت الضربة “الإسرائيلية” الجوية الساحقة، لضرب استمرار مشروع عبدالناصر، بالصحوة القومية العربية، التي تستكمل -في ظروف أخرى- صحوة القرن التاسع عشر .
وفي هذا الفصل الرابع، استكمل احتلال أرض فلسطين، وتشريد بقية شعبها العربي، إلا أقلية ما زالت تعيش تحت نير الكيان الصهيوني حتى الآن .
قد يتهيأ للبعض، أن تلك الفصول الأربعة الأولى من النكبة هي كل فصول النكبة . لكن مشاريع استكمال ضرب احتمالات حدوث صحوة عربية معاصرة لم تتوقف حتى نهايات القرن العشرين وبدايات القرن الحادي والعشرين . فها هي تستكمل، منذ تسعينات القرن الماضي، عمليات هدم كيان الدولة الحديثة، وضرب المجتمع المتماسك ب“فيروس” الطائفية والمذهبية، يجري تباعاً في العراق أولاً ثم في ليبيا، ثم في سوريا، وكادت هذه الفصول الجديدة من نكبة فلسطين أن تصيب مصر نفسها، استغلالاً لتحرك ثورة 25 يناير العظيمة للتخلص من نظامها الفاسد، لولا تجديد الثورة لنفسها في 30 يونيو، ووقوف جيش مصر العظيم، قوة داعمة للثورة الشعبية . كما كادت هذه الفصول أن تنجح في تونس، لولا صحوة التماسك الاجتماعي فيها، وعدم اكتمال فرص النجاح أمام منظمات التطرف الديني .
إنها نكبة بفصول متعددة، تستحق اسم نكبة فلسطين، لأن تلك الأرض العربية الطاهرة كانت نقطة انطلاق هذه الفصول، وما زالت تمثل نقطة تمركز للكيان الصهيوني المناط به أن يستكمل خطة هدم الدول العربية، والمجتمعات العربية، واحدة بعد الأخرى، إلى أن يعاود العرب المعاصرون صحوتهم الكاملة إزاء هذه النكبة، متعددة الفصول، وتتمكن مصر من الوقوف على قدميها، وتستعيد مجدداً قيادة مشروع النهضة العربية الحديثة .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2165259

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165259 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010