الجمعة 16 أيار (مايو) 2014

حلول “إسرائيلية” بائسة للمعضلة الديمغرافية

الجمعة 16 أيار (مايو) 2014 par رغيد الصلح

استغل كاتب أمريكي مؤيد لحكومة نتنياهو مناسبة الحكم على رئيس الحكومة “الإسرائيلي” السابق ايهود أولمرت بالسجن ست سنوات بتهمة الارتشاء من أجل الطعن ب“الإسرائيليين” الناقدين لسياسة الاستيطان في الضفة الغربية . ولقد ذكر الكاتب قراءه بأن تهمة التفريط بالمال العام ليست شيئاً بالمقارنة مع التفريط بأمن “إسرائيل” وتاريخها ومستقبلها . وفي تقدير الكاتب أن أولمرت اقترف جرماً مزدوجاً عندما دعا “إسرائيل” إلى الانسحاب من الضفة والقطاع لئلا يكون مصيرها شبيهاً بمصير جنوب إفريقيا . الجرم الأول هو الدعوة إلى الخروج من المنطقة التي يعتبرها “الإسرائيليون” التوسعيون بمثابة “القلب من مملكة أوروشاليم التاريخية” . الجرم الثاني هو مقارنة أولمرت الاستيطان “الإسرائيلي” بسياسة الأبارتايد في جنوب إفريقيا .
تندرج هذه الواقعة في إطار المناقشات الواسعة التي تدور حول المشروع الصهيوني والتي تتطرق بصورة متزايدة إلى البعد الديمغرافي للصراع العربي/الفلسطيني - “الإسرائيلي” . في هذه المناقشات إن الديمغرافيا تضع المشروع الصهيوني أمام أزمة تاريخية لم يحسب حسابها زعماء الحركة الصهيونية عندما أسسوا لمشروعهم وعندما عقدوا المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897 .
فالمشروع هدف إلى تجميع يهود العالم في “كيان قومي” يقام في المشرق العربي خلال فترة اختلفت خلالها الحسابات الديمغرافية اختلافاً كبيراً عما آلت إليه بعد قرن من الزمن . ففي نهاية القرن التاسع عشر تفاوتت التقديرات حول عدد اليهود في العالم بين 20 .6 مليون كحد أدنى، وبين 11 مليوناً كحد أقصى، كما جاء في دائرة المعارف البريطانية . بالمقارنة، لم يكن عدد سكان الإمبراطورية العثمانية يتجاوز 28 مليون نسمة . من أصل هؤلاء كان 5 .5 مليون يعيشون في الجزيرة العربية، و5 .4 مليون يعيشون في سوريا ولبنان وفلسطين والأردن، و5 .2 مليون يعيشون في العراق . أي أن عدد السكان العرب في شرق المتوسط لم يتجاوز 5 .12 مليون . من المرجح أن هذه الأرقام والنسب الديمغرافية كانت تغذي حماس الصهاينة إلى تنفيذ مشروعهم وتضفي عليه “الواقعية” ولا ريب في أنهم كانوا يتطلعون إلى تكرار تجربة المهاجرين الأوروبيين إلى القارة الأمريكية حيث تمكن بضعة ملايين منهم من إقامة دولة كبرى فتية بعد أن أبادوا سكان القارة الأصليين . والحقيقة أن السياسات التي اتبعها المستعمرون الأوروبيون في البلاد العربية هي نفسها أفسحت المجال أمام هذا النوع من التفكير الدارويني، حيث يقضي القوي على الضعيف .
يجدر بالذكر أن هذه الأرقام لم تتغير بصورة كبيرة خلال العقود الأولى من القرن العشرين . إلا أنها بدأت تتغير وبسرعة متزايدة خلال النصف الثاني من القرن العشرين نتيجة عدد من العوامل منها ما يلي: 1- ارتفاع معدل الإنجاب عند العرب خاصة بسبب التقدم الذي حققته المجتمعات العربية في مجال الخدمات الطبية والعناية الصحية . 2- ترسيخ الهوية العربية لدول شمال وشرق إفريقيا خاصة بعد أن احتلت مصر مركز الصدارة في المجموعة العربية . 3-جريمة المحرقة الوحشية التي ارتكبها النظام الهتلري ضد اليهود والتي أدت إلى القضاء على ستة ملايين يهودي أوروبي . يجدر بالذكر أن العرب والفلسطينيين أنفسهم كانوا من الضحايا غير المباشرين لهذه الجريمة الكبرى، حيث إنها أدت إلى تدفق الهجرة اليهودية من أوروبا إلى فلسطين، وبتدبير نازي - صهيوني مشترك .
لقد أدت هذه التطورات وخاصة الأول والثاني إلى اختلال الميزان الديمغرافي بين العرب و“الإسرائيليين” لغير مصلحة الحركة الصهيونية و“إسرائيل” . حتى لو افترضنا أن سائر اليهود في العالم يؤيدون المشروع الصهيوني، وحتى لو عبروا عن ذلك بالقدوم بالهجرة إلى “إسرائيل” والاستقرار فيها، فإن “إسرائيل” ستبقى “غيتو” كبيراً وسط منطقة تضم حالياً ما يفوق 300 مليون عربي ترفض أكثريتهم الساحقة المشروع الصهيوني . وإذ يتوقع البعض أن يخبو الحماس العربي ضد المشروع الصهيوني، فإن السياسات التي تنفذها “إسرائيل” ضد الفلسطينيين تؤدي إلى عكس ذلك، أي إلى شحذ حماس العرب ضدها وضد المشروع الصهيوني . فكيف يواجه المنخرطون في المشروع الصهيوني المعضلة الديمغرافية؟ وكيف يضمن مؤيدو “إسرائيل” ورعاتها أمن “إسرائيل” وسط منطقة عربية يسودها شعور بالنقمة على ما تمثله الصهيونية من مظالم وما تنفذه يومياً من انتهاك لحقوق الفلسطينيين والعرب؟ تتحكم في ردود فعل “الإسرائيليين” وأصدقائهم على المعضلة الديمغرافية ثلاث نزعات رئيسية:
الأولى، ترسيخ التفوق “الإسرائيلي” العسكري على العرب عبر تمليك “إسرائيل” الأسلحة النووية وتوفير سائر ما تطلبه من الأسلحة المتقدمة . ولقد بلغ التجاوب الأمريكي مع طلبات “الإسرائيليين” حداً جعل إسحاق رابين يقول، عندما كان سفيراً ل“إسرائيل” في الولايات المتحدة، لأحد أصدقائه المقربين إنه بات يشعر بالضجر في واشنطن لأن الإدارة الأمريكية استجابت لكل ما طلبه إلى درجة بات يشعر فيها بأنه عاطل عن العمل!
الثانية، التقليل من أهمية المعضلة الديمغرافية وتزوير وقائعها بغرض صرف نظر “الإسرائيلي” العادي عن تحول المشروع الصهيوني الذي ادعى أصحابه أنه سوف يأتي إلى اليهود بالأمان، إلى مصدر للأخطار الكبرى عليهم .
الثالثة، خوض حرب صفرية ضد العرب . الهدف الاستراتيجي لهذه الحرب هو إغلاق سائر أبواب التنمية والتقدم والعلم في وجه العرب، وإضعاف الرابطة التي تحثهم وتمكنهم من اعتماد المقاربات الجماعية للدفاع عن أنفسهم وعن مصالحهم وحقوقهم .
تهدف هذه النزعات، في نهاية المطاف، إلى إفقاد العرب ميزة التفوق الكمي، فهل يأتي اليوم الذي يمتلكون فيه ميزة التفوق الكمي والنوعي أيضاً على من اختار طريق العداء لهم؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2178155

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2178155 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40