الجمعة 16 أيار (مايو) 2014

موطني، هلْ أراك سالماً مُنَعَّماً?

الجمعة 16 أيار (مايو) 2014 par زهير أندراوس

في البداية أرى لزامًا على نفسي أنْ أوضّح نقطة شخصيّة مهمّة للغاية: لا أشعر بأيّ انتماء للدولة العبريّة، لا لرموزها، لا لعلمها ولا لنشيدها الوطني، حالة من الكآبة تنتابني كل سنة عندما تُحيي الدولة اليهودية يوم تأسيسها، وباعتقادي المتواضع فإنّ الأغلبية الساحقة من« الإسرائيليين» لا تريد منّي أن أشعر بالانتماء، وبالتالي فإنّ هذه الأرض الطيبّة، فلسطين، هي موطني، «وإسرائيل» ليست دولتي. ولكي لا نُحوّل الموضوع إلى مزايدة ومهاترة وشوشرة نقول أيضًا في هذا المقام: حصولنا على جواز السفر «الإسرائيليّ» هو تنازل تاريخيّ منّا، ونسأل مباشرةً: هل اقترح علينا جواز السفر الفلسطينيّ ورفضناه؟

للأسف نقولها بصراحةٍ متناهيةٍ: لم نرتق إلى مستوى الحدث، ما زالت المشاهد المقززة، وإنْ كانت استثنائية، منتشرة في قرانا ومدننا ومجمعاتنا: فلسطينيون، أي الضحايا، أو الأبناء، أو الأحفاد، يحتفلون بذكرى تأسيس الجلاد لدولته على أنقاض شعبهم، ماذا فعلنا من أجل اجتثاث هذه الظاهرة المقيتة؟.

أزمة قيادة: القيادة العربيّة في الداخل الفلسطينيّ هي أقّل ما يمكن أنْ ننعتها بالمأزومة، المهزومة والمهزوزة. منْ يقود منْ: الجماهير أم القيادة؟ الشرذمة أصبحت ماركة مسجلّة علينا وضدّنا، حتى اليوم بعد مرور 66 عاماً من نكبتنا لم نتمكّن من رصّ الصفوف وتوحيد الخطاب والكلمة، لم نُوحّد الهدف قبل وحدة الصف، وما زلنا نرقص كلٌ على ليلاه، وهذه الأزمة المستعصيّة تعود سلباً على الجماهير وتنعكس على الفلسطينيين، وتخدم المؤسسة الحاكمة، التي تواصل التعامل معنا كطوائف وملل وحمولة وعائلة، معتمدةً قلبًا وقالبًا، قولاً وفعلاً على سياسة مبدأ فرّق تسُد.

في صفوف فلسطينيي الداخل هناك أزمة ثقافة تتأزّم من يوم إلى آخر، حتى اليوم لا يوجد كتاب واحد وموحّد يشرح الرواية الفلسطينيّة الحقيقيّة وغير المشوهة، ما زلنا نبعد ألف سنة ضوئية عن إطلاق مشروع توثيق روايتنا، رواية نكبتنا وتداعياتها وإرهاصاتها، ولماذا نطالب بتوثيق هذا الحدث الجلل الذي وقع قبل ستة أعوام وثلاثة عقود، في الوقت الذي لم نقم، نحن أبناء الأقلية القومية العربيّة الفلسطينية في هذه الديار، بتوثيق هبّة القدس والأقصى، أو بكلمات أخرى، تشرين الأول (أكتوبر) الأسود من العام 2000، عندما قامت قوات الأمن في الدولة العبريّة بقتل 13 شاباً من خيرة أبنائنا، لا لسبب، اللهم لأنّهم انتفضوا لمناصرة إخوانهم في المناطق الفلسطينيّة المحتلّة، انتفضوا ضدّ سياسة هذه الدولة العنصرية، انتهى أكتوبر الأسود، ولكنّ الجرح ما زال نازفاً، فأين قيادتنا الحكيمة؟ لماذا لم يتّم تخليد الشهداء الذين سقطوا في الدفاع عن أرضهم وعرضهم وشجرهم وحجرهم؟ ألا تعتقدون أننّا بهذا التصرف نقتل الشهداء وذويهم وأنفسنا مرّة أخرى؟ هل أصبحنا، بحقٍ وحقيقةٍ، جزءاً لا يتجزأ من الأمّة العربيّة التي تتلذذ بقتل الزعماء حتى في قبورهم.

الدولة العبرية تقوم باستنفاد جميع الطرق والوسائل من أجل تفتيتنا وتحويلنا إلى أيتام على موائد اللئام، الكنيست الإسرائيليّ يقوم بسنّ القوانين لمصادرة الذاكرة، لاحتكار الحزن، يريدون منعنا حتى من إحياء ذكرى نكبتنا، إنّهم يريدون، ولكننّا نرفض، والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة في هذه العجّالة: ماذا فعلنا من أجل درء هذا الخطر المحدّق بنا؟ الأعذار مرفوضة، والحجج الواهية والممجوجة غير مقبولة، علينا البحث عن طرق خلاقّة وإبداعيّة من أجل رفع مستوى الوعي لدى الأجيال الصاعدة، التي تتعرّض لهجمةٍ شرسةٍ من الحكومة العنصريّة وأدواتها في الداخل، فعلى سبيل الذكر لا الحصر: ما رأيكم في أنْ تُقرر لجنة المتابعة العليا للجماهير الفلسطينيّة في الداخل إحياء ذكرى النكبة بالإعلان عن يومٍ واحدٍ بدون إضاءة، أو يوم بدون إضاءة مصابيح السيارات، واقتراح ثالث: رفع الأعلام الفلسطينيّة على المؤسسات العامّة، مثل المجالس المحليّة والبلديات في قرانا وبلداتنا ومجمعاتنا؟ فمن ناحية، هذه الاقتراحات لا تسمح للسلطات بالتحريض علينا والزعم بأننّا نخالف القانون، ومن ناحية أخرى، يكون هذا العمل بمثابة رسالة وطنيّة وسياسيّة وأخلاقيّة لأنفسنا ولإسرائيل وللدول العربيّة والغربية بأننّا ورغم المحاولات والمؤامرات، ما زلنا ننبض فلسطين، وكي نثبت لكل صهيونيّ أنّ مقولة غولدا مائير، الكبار سيموتون والصغار سينسون، هي كذبة أخرى من سلسلة الأكاذيب التي انطلت على العالم، وأبشعها أنّ فلسطين هي أرض بلا شعب لشعب بلا أرض.

الشرخ في القيادة لا يقتصر على الفلسطينيين في إسرائيل، بل أنّ المشهد الفلسطيني برمته بات ممزقاً، على الرغم من المصالحة الـ“تاريخيّة” بين حركتي حماس وفتح، على الحمساويين والفتحاويين وجميع ألوان الطيف السياسيّ في شعبنا، أنْ يعلموا بأنّ قضية فلسطين أكبر من الحركتين، قضية فلسطين أنبل من أن يتم تدنيسها بخلافات حول سلطة وهميّة، حول سلطة في طريقها إلى الزوال، لأنّ ما قام على خطأ مصيره أن يصبح بائداً عاجلاً أم أجلاً، وفي هذا المقام يستحضرنا السؤال التالي: متى سمعتم في التاريخ عن ثورة تتحالف مع المحتل؟ هل هذه السلطة تريد صنع التاريخ الحديث؟

وهناك موضوع الخدمة الوطنيّة أو الخدمة المدنيّة والخدمة في جيش الاحتلال، التي تقوم السلطات «الإسرائيليّة» بتوظيفها من أجل أسرلة أبناء شعبنا في البلاد، تُريد من وراء هذه الخطط المنهجية إضفاء الطابع على أنّ الخدمة المدنية هي المقدّمة الأولى للمساواة، إنّها تكذب وتُصدّق كذبتها، هذا المشروع باعتقادنا المتواضع جداً، هو توطئة لعسكرة المجتمع الفلسطيني في الداخل، عسكرة بمعنى تحضير التربة الخصبة لتجنيد أبنائنا في جيش الاحتلال، أما الحديث عن المساواة، فنقول أولاً إنّ دولة الاحتلال لا يمكنها أن تكون دولة مساواة، لأنّها قامت بالأصل لإنهاء الشعب الفلسطينيّ، الذي نفتخر بالانتماء إليه ، ثانياً، في المجتمعات الديمقراطية الليبرالية لا يوجد مبدأ اشتراط الواجبات بالحقوق، هل سمعتم عن دولة ديمقراطية، كما تُصنّف نفسها إسرائيل، تفرض الخدمة الإلزاميّة في الجيش على كل من وصل إلى سن الـ18؟ هذا الاشتراط موجود في الدولة العبرية فقط. أما عن الخدمة والمساواة فكفانا تضليلاً: هناك فئة من مجتمعنا، تمّ التآمر عليها من قبل عدد من الزعماء، وما زال أبناؤها يخدمون في الجيش، الذي يقوم بقمعهم، وتقوم حكومته بتطبيق سياسة التفرقة العنصرية ضدّهم.

وأخيرًا: في ذكرى نكبة شعبنا نقول: لا بدّ للمصباح أنْ ينير طريقنا، ولا بدّ للحرية أنْ تصل إلى مناطقنا، ولا بدّ للقيد أنْ ينكسر، سنبقى هنا في أرضنا، على الجمر قابضين، شاء من شاء، وأبى من أبى، المجد والخلود لشهدائنا الأبرار، الذين عطّر دمهم الزكي تراب الوطن الغالي، الحريّة لأسرى الحريّة الذين يقبعون في سجون الاحتلال، والاستقلال لشعبنا العربيّ الفلسطينيّ، والأهّم من كلّ ما ذُكر أنفًا القول والفصل: العودة أهّم من الدولة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 28 / 2166041

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2166041 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010