السبت 17 تموز (يوليو) 2010

الصرف «الإسرائيلي» على الحرب والاحتلال

السبت 17 تموز (يوليو) 2010 par برهوم جرايسي

تنشغل الصحافة «الإسرائيلية» في الأيام الأخيرة بجدل مزعوم بين وزارتي المالية والحرب في حكومة بنيامين نتنياهو، حول حجم ميزانية وزارة الحرب، إذ تطالب المالية بإجراء تقليص عليها في ميزانيتي العامين المقبلين 2011 و2012، إلا أن جدلاً كهذا بات سنوياً روتينياً وفارغاً، لأن النتيجة عكسية تماماً، فشكل الموازنة العامة «الإسرائيلية» يعكس العقلية السياسية المسيطرة، ولهذا فلا غرابة من أن حصة الحرب والاحتلال من الموازنة العامة أكثر من %30، وحوالي %50 من الميزانية المتبقية بعد تسديد الديون.

ففي كل عام، ولدى اقتراب موعد إقرار الموازنة العامة في الحكومة، قبل عرضها على «الكنيست» (البرلمان)، ينشب جدل حول هيكلية وشكل توزيع الميزانية، رغم أنها لا تختلف من حيث الجوهر والأسس التي ترتكز عليها منذ سنين طويلة، والمتغير الوحيد فيها أنها من عام لآخر تزداد حصة الحرب والاحتلال فيها أكثر.

وقررت وزارة المالية هذا العام، كما في السنوات الأخيرة، أن تدعو إلى تقليص ميزانية وزارة الحرب التي تشمل ميزانية جيش الاحتلال، وتدرك الوزارة سلفاً أن النتيجة ستكون عكسية، تماماً كما كان في العام الماضي، حين كان الصراخ المفتعل حول ميزانية الحرب أشد من هذا العام.

بيد أن وزارة المالية ومعها الحكومة برمتها، تختار خوض هذه اللعبة المكشوفة، كي تستدعي الرأي العام «الإسرائيلي» إلى رفض هذا التقليص، خاصة أنه يقرأ يومياً عما يسمى بـ «التهديدات الحربية التي تواجهها إسرائيل»، إذ يقر الكثير من المحللين وحتى السياسيين، بأن جزءاً جدياً من كثافة التقارير الأخيرة حول احتمالات الحرب وطبيعة «التحديات»، يعود إلى حملة ترهيب يخوضها جيش الاحتلال كي يحافظ على ميزانيته الضخمة، وحتى يزيدها أكثر.

ولهذا فإن الحكومة تظهر وكأنه لا مفر أمامها من تقليص جوانب أخرى في الميزانية، وهي الجوانب الاجتماعية الأساسية، بعد أن تكون قد ضمنت لنفسها صمتاً شعبياً، إذ إن المعادلة المتسترة من خلف هذا كله تقول لـ «الإسرائيلي» : «عليك أن تختار إما رفاهية اجتماعية وإما أن يتم القضاء عليك من العدو».

وتحت هذه المعادلة تنفذ حكومات «إسرائيل» على مدى السنين سياسة اقتصادية شرسة، أو كما سماها ساسة «إسرائيليون» «سياسة خنازيرية»، تخلق فجوات اجتماعية، هي الأعلى في العالم وفق تقارير عالمية ومحلية، ورغم ذلك فإنك لن ترى في «إسرائيل» «ثورة فقراء»، وتؤدي سياسة الترهيب هذه أيضاً إلى أن تكون شريحة الفقراء اليهود المخزون الأكبر لأصوات اليمين السياسي المتشدد.

وتبلغ ميزانية وزارة الحرب في هذا العام مثلاً حوالي 14 مليار دولار، وهي تشكل %17 من حجم الموازنة العامة، ولكن الصرف على الحرب والاحتلال لا يتوقف عند هذه الوزارة، فهناك وزارات وأجهزة «أمنية» أخرى، من بينها ميزانيات أجهزة المخابرات العامة والخارجية، وحجمها يبقى قيد السرية، وميزانية وزارة الأمن الداخلي، التي تصرف حصة كبيرة منها على ما يسمى «قوات حرس الحدود» الناشطة أساساً في المناطق المحتلة منذ العام 1967، ويضاف إلى هذا كله الميزانيات المتشعبة التي تصرف على الاستيطان بكل جوانبه.

ووفق أبحاث عدَّة، فإن حصة الحرب والاحتلال من الموازنة العامة تبلغ ما بين %30 وحتى %33 من الموازنة العامة، ولكن حين نعرف أن %33 من الموازنة يُصرف على الديون الخارجية والداخلية وفوائدها، فإن ما يُصرف عملياً على الحرب والاحتلال يشكل حوالي %50 من الميزانية المتبقية بعد تسديد الديون، وبالإمكان القول أيضاً إن قسماً جدياً من الديون سببها الحروب والاحتلال وعقلية العسكرة.

ولا ننسى أن هذه الميزانية لا تشمل 3 مليارات دولار إضافية تحصل عليها «إسرائيل» سنوياً من الولايات المتحدة وتُصرف كلها على الجانب العسكري، وكثيراً ما حدث أن قدمت واشنطن مساعدات «استثنائية سخية» خاصة في زمن الحروب، عدا الدعم السنوي هذا.

وفي الأيام الأخيرة ظهرت معطيات رسمية في «إسرائيل» تقول إن ما تصرفه «إسرائيل» على «الأمن» يعادل %8 من مجمل الناتج القومي الخام في «إسرائيل»، في حين أن المعدل العالمي لهذه النسبة هو 2.5%، فمثلاً هذه النسبة في الولايات المتحدة 2،8% وفي بريطانيا 2،3%، ولكن هذه النسبة «الإسرائيلية» هي بطبيعة الحال أعلى، لأنها تأخذ بالحسبان ميزانية وزارة الحرب فقط، وليس مجمل الصرف الحربي من خلال وزارات أخرى وأجهزة الأمن وصولاً إلى الاستيطان الذي يشكل إحدى الركائز الأساسية لعقلية الحرب.

إن حقيقة الدعوات «الإسرائيلية» في الآونة الأخيرة، للتوجه إلى مفاوضات مباشرة مع الجانب الفلسطيني، وحتى هناك من ساسة «إسرائيل» من يختار العزف على الأوتار المقطوعة للمفاوضات مع سوريا، نجدها في هيكلية الموازنة العامة التي يتم إعدادها ليس فقط للعام المقبل 2011 بل أيضاً للعام 2012، فهذه ميزانية حرب واحتلال، كما كان في العام الماضي وفي كل الأعوام السابقة.

فالجيش يطالب بزيادة ضخمة لميزانيته لشراء أسلحة وطائرات متطورة جداً، وأيضاً لتسريع مشاريع تطوير أسلحة في شركات الصناعات الحربية «الإسرائيلية»، إضافة إلى تجديد المخزون من الذخيرة والمعدات، وهي عملية مستمرة دون توقف، لتكون «إسرائيل» جاهزة لكل حرب تقرر شنها ضد أي من الأهداف في المنطقة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 69 / 2165884

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2165884 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010