الخميس 15 أيار (مايو) 2014

«إسرائيل» .. واللعبة المُعقّدة !

الخميس 15 أيار (مايو) 2014 par علي بدوان

عند قراءة وتحليل نتائج استطلاعات الرأي التي جرت خلال الفترات الأخيرة داخل «إسرائيل» على عينات عشوائية، قراءة سوسيولوجية فاحصة وعلمية، فإن ثمة دلالات صارخة حول مسار وحراكات الحياة السياسية والمجتمعية داخل كيان الدولة العبرية الصهيونية.

فنتائج إستطلاعات الرأي باتت تجُمع في نتائجها تقريباً بأن هناك أغلبية في «إسرائيل» تَعتقد بأن «الأمن وعملية السلام» ليسا أولوية أمام المجال الاقتصادي والاجتماعي، حيث رد «%53» من المُستطلعين اليهود في واحدٍ من تلك الاستطلاعات، بأن المجال الاقتصادي والاجتماعي أكثر تأثيراً.

ونسبة «36 %» قالوا إنه المجال الأمني. أما بالنسبة للمواقف الشخصية على المستوى الفكري الممتد بين اشتراكية الديمقراطية وبين الرأسمالية واقتصاد السوق، أشارت نتائج استطلاعات عينة ثانية أن نسبة «36 %» مع نهج الاشتراكية الديمقراطية، ونسبة «14 %» قالوا إنهم معه بدرجة كافية، أي أن مجموع المؤيدين لهذا النهج هم «50 %». في المقابل قال «%11» إنهم يؤيدون الرأسمالية بدرجة كافية، ونسبة «18 %» يؤيدونها، ونسبة «15 %» وضعوا أنفسهم في المنتصف بين النهجين.

لقد تواتر صدور التقارير المتتالية حول الوضع «الإسرائيلي» الداخلي من مُختلف مراكز الأبحاث «الإسرائيلية» بالذات، وهي تقارير بحثية على غاية من الأهمية، اعتبر فيها واضعوها أن وضع الطبقات الضعيفة «بعبارة ثانية ذوي الدخل المحدود» في «إسرائيل» آخذ في التفاقم، وأن الهوة الطبقية تتزايد في اتساعها داخل المجتمع «الإسرائيلي» من عامٍ لآخر بين مختلف مكونات المجتمع «الإسرائيلي» على أرض فلسطين المحتلة عام 1948.

ففي تقرير خاص صدر قبل فترة، يتبين أن العشريتين الأعلى «اقتصادياً» في الدولة العبرية الصهيونية تملكان ليس أقل من «44 %» من كعكة المداخيل للاقتصاد المنزلي في «إسرائيل». أما العشريتان السفليان بالمقابل فقد اضطرتا إلى الاكتفاء بـ «6 %» فقط، والهوة هنا ساحقة بين الرقمين، تُؤكد تُشيرُ ما أوردناه أعلاه.

وفي التقرير إياه، الذي ينشره كل عام مركز «أدف 1» وهو «مركز البحوث الاجتماعية في إسرائيل» ويشرف عليه الدكتور شلومو سبرسكي، نجد بوضوح كيف أن عملية النمو في السنوات الأخيرة أثّرت فقط على أجزاء من المجتمع «الإسرائيلي»، في الوقت الذي لم يتمتع بثماره معظم سكان وقاطني الدولة العبرية الصهيونية. فمثلاً يتضح من التقرير أن ليس فقط نصيب العشريتين العليتين بلغ نحو نصف إجمالي المداخيل، بل إنه يواصل الارتفاع بانتظام كلاً من نصيب العشرية العليا الذي نما بمعدل «3.4 %» فيما أن نصيب العشرية التاسعة ارتفع بمعدل «0.4 %». وبالمقابل فإن نصيب العشرية الثامنة لم يتغير، فيما أن مداخيل الاقتصادات المنزلية في كل العشريات المتدنية انخفضت. والانخفاض الأكثر حدة كان في مداخيل العشريتين الثانية والثالثة وهو يبلغ معدل «0.7 %»، وبالتالي في ازدياد نشوء واتساع شرائح طبقية مسحوقة في القاع الطبقي والاجتماعي.

إن تلك المعطيات تُشير في جانبها الهام، إلى الفارق الاقتصادي الشاسع القائم في «إسرائيل» بين اليهود الشرقيين «السفارديم» واليهود الغربيين «الإشكناز». ففي الوقت الذي يكسب الأجيرون من أصل اشكنازي «36 %» أكثر من المتوسط، يكتفي الأجيرون الشرقيون بأجر يساوي متوسط الأجر في الاقتصاد. أما الأجيرون من المواطنين العرب الفلسطينيين من أبناء الداخل المحتل عام 1948، أبناء الوطن الأصليين، فيكسبون أقل من ذلك، حيث تبلغ أجورهم «25 %» دون الحد الأدنى من الأجور العامة لمختلف الأعمال.

وعليه، إن اللعبة الطائفية بين الأطراف اليهودية نفسها ونقصد بين اليهود الشرقيين والغربيين «بين السفارديم والإشكناز.. » واللعبة بين قوى القرار في «إسرائيل» وماتبقى من فلسطينيين داخل حدود العام 1948، هي لعبة الهيمنة الطبقية التمييزية قبل غيرها، فضلاً عن تأثير امتدادها للوسط العربي بشكل أكبر، فهو الوسط الواقع تحت نير التمييز المزدوج: الطبقي الاقتصادي في مجالات العمل وغيره، والعنصري القومي، عدا عن التمييز الديني.

إن اتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء في «إسرائيل» أوجد مُتسع كبير من الفوارق الاجتماعية بين الناس فيها، إضافة لوجود هوة متزايدة يوماً بعد يوماً بين المجموعات الإثنية المُشكلة للدولة العبرية، وتحديداً بين اليهود من مختلف القوميات التي انحدروا منها أساساً. فاليهود الروس على سبيل المثال يرون نفسهم في ضائقة مستمرة اقتصادية واجتماعية بينما يرتع اليهود من الأصول المتأتية من غرب أوروبا والولايات المتحدة في نعيم من الامتيازات التي خَلقتها شروط المعيشة داخل «إسرائيل». فقد وصل يهود الغرب والولايات المتحدة في موجات الهجرات الاستيطانية الكولونيالية إلى فلسطين المحتلة في لحظات مغايرة للزمن الذي وصل فيه يهود روسيا والاتحاد السوفياتي السابق بعد تفكك الإمبراطورية السوفياتية، مُعتقدين بأن الرفاه الاجتماعي بانتظارهم في «إسرائيل» ليروا أنفسهم وقد باتوا في قاع المجتمع إلى جانب «يهود الفلاشا» الذي أتوا من وسط القارة الإفريقية من أثيوبيا وغيرها.

إن اللعبة التمييزية داخل الدولة الصهيونية التي طالت اليهود ذاتهم بين شرقيين وغربيين، خَلَقت مفهوم «أبناء الطوائف الشرقية»، وهي التي فَرضت على الشرقيين من اليهود قواعد اللعبة «الطائفية» تحت سطوة مايمكن أن نُسميه بـ «القمع الاقتصادي» الذي هو من إنتاج الرأسمالية الصهيونية الأشكنازية الغربية الراغبة في إدامة التمييز الطبقي والاجتماعي بين اليهود ذاتهم. فهناك اختلاف جماعات الهوية التي تعيش في المجتمع الصهيوني: إثيوبيين، روس ويهود دول الاتحاد السوفياتي السابق عموماً، يهود إيران وكردستان… الخ، وتتراكم في مسارها العلاقات المُعقّدة بين الهوية والدين والطبقة.

إن نتائج دراسات «مركز البحوث الاجتماعية في إسرائيل» السوسيولوجية تُكثف وتكشف سيرة محطة مفصلية من عمر الدولة العبرية الصهيونية، وتوضح حالة من التحول الملموس الذي بدأ يطفو على سطح الأحداث والتفاعلات الداخلية منذ زمن ليس بالقصير داخل «إسرائيل» مع تزايد الافتراق الطبقي وتعاظم قوة التمييز الطائفي، وتَقَدُم الهم الطبقي المعيشي، وكل ذلك يساهم في تراجع العوامل التي دفعت نحو انبثاق الدولة العبرية كما حَلِمَ بها مؤسس الحركة الصهيونية وصاحب كتاب «الدولة اليهودية» تيودور هرتزل منذ عام 1897.

عليه، نحن أمام واقع «إسرائيلي» مُتحرك سيكون فيه لحراكات الاحتجاج الاجتماعي نقلة نوعية في مسار التحولات المُتوقعة داخل دولة وكيان بُني بشكلٍ قَسري، وبتكوينات أثنية وقومية مُتباعدة، لم تَستطع أن تنهي الفوارق بينها تلك الأيديولوجية الصهيونية التي حاولت صناعة قالب واحد لتك المجموعات السكانية التي جاءت من تلك الإثنيات والقوميات المختلفة ومن أصقاع المعمورة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 40 / 2176559

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع علي بدوان   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2176559 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40