الخميس 15 أيار (مايو) 2014

تكريس “النكبة”.. تأبيد المأساة!

الخميس 15 أيار (مايو) 2014 par علاء الدين ابو زينة

ثمة سؤال يحيرني ويهاجمني كلما كتبت عن فلسطين: أيّ فرق واحد إيجابي صنعه الفصل بين القناعة الفلسطينية المحقة بحق الفلسطينيين في كل فلسطين، وبين الرواية “العملية/ السياسية” التي تحوّل فيها الاعتراف بوجود الاحتلال -كأمر واقع- إلى بصم لشرعيته أمام العالم، والتفاوض على هذا الأساس؟!
لا تغيب عن البال مجموعة الظروف الأكبر من قدرة شعب صغير مستهدف على الاحتمال: التواطؤ الرسمي العالمي على شطب الفلسطينيين، والموافقة على استبدالهم بـ“شعب” هو المختلق بكل المعايير؛ التراخي العربي الرسمي عن التمسك بفلسطين كأرض عربية في قلب منطقة العرب؛ تركيبة المشروع الصهيوني الذي لم يكرر فكرة “الاحتلال” المعروفة، وإنما قلد مخطط “الإحلال” الذي نفذه المستعمرون البيض في أميركا، وأسس مشروعه على شطب شعب وإخراجه من الأرض والتاريخ؛ مختلف العناصر والمؤامرات التي فعلت كل شيء لتجريد الشعب الفلسطيني من وسائل دفاعه، وإسلامه أعزل للآخر الغريب. لكن الأسوأ من كل ذلك، هو إقناع -أو اقتناع- بعض الفلسطينيين بالموافقة على تغيير “الرواية”؛ ذلك أكبر من خطأ، وأقرب إلى الانتحار الذاتي الجبان.
يقال إن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان قاوموا لسنوات استخدام مصطلح “النكبة” الذي ابتكره قسطنطين زريق في العام 1948. كانت وجهة نظرهم أن المفهوم يضفي صفة الديمومة على وضع ينبغي أن يكون مؤقتاً. كانوا يفضلون تسميتهم بـ“العائدين”. كانوا يفضلون تسميات مثل “أحداث 48”، “اغتصاب” فلسطين؛ “الهجرة”، “النزوح”. لكن مصطلح “النكبة” درج وعمّ بتراجع الأمل. وبعد إعفاء عقلية المقاومة وتوظيف عقلية “السلام”، أصبح لاجئو 48 أبعد عن “العائدين” وأقرب إلى المنفيين الأبديين. أصبح يوم ذكرى “النكبة” في 15 أيار يجسد النكبة فعلياً بهذا المعنى، وأشبه بصرخة مخنوقة متشبثة من أجل التذكير بالعودة كحق وكغاية بعيدة المنال، وإنما لا تقبل التنازل.
فلسطينيو 48 يشعرون بأنهم مخذولون. أفضل الاقتراحات تتحدث عن “عودة رمزية” لبضعة آلاف من عدة ملايين. حتى أن الحديث عن احتمال عودتهم إلى “فلسطين” المطلوبة -الحارات الموزعة بين المستوطنات والحصار- يظل مستحياً من نفسه وغير واقعي. هم يعرفون أن المطالبة لهم جميعاً بحق العودة إلى فلسطين التاريخية يلغي، موضوعياً، أي تداول مع “السلام” المعروض، بتقدير حالة المتفاوضين. ليس هناك سبب واحد يجعل العدو القوي المدجج والمدعوم يعطي أي شيء لضعيف مخذول يجرد نفسه من آخر وسائل دفاعه ولا يتعلم من اللدغات. هذا هو موقف الموضوعيين ممن تعقبوا الفشل المستمر في “عملية السلام”، ورصدوا ما حققته من مكاسب لمشروع الاحتلال وخسائر في جانب الفلسطينيين.
الفلسطينيون لا يحتاجون إلى يوم في العام لتذكيرهم بالمأساة. ربما ليس هناك شعب على وجه الأرض يذكر جنسيته وما يتصل بها بالكثافة التي يختبرها الفلسطينيون. ليس هناك يوم واحد يمر على عائلة فلسطينية منفية خارج الوطن، أو معتقلة داخل الوطن، من دون أن يمر تداول الحديث العادي بشيء يشير إلى فلسطينيتها المهدورة ومأساتها البنيوية. وإذا لم يكن هناك حديث، فثمة الشعور، أو الرموز في المنزل، أو التعرض إلى موقف لا يتعرض له إلا الفلسطيني ويذكّره بما لا يمكن أن ينساه. لكنّ المطالبة العلنية بالعودة، كحق، ورغبة، وعدالة، أصبحت مقصورة (رسمياً) على يوم في العام، يفسح شيئاً للمسيرات وحمل المفاتيح المحفوظة ورفع الأعلام الوطنية -وكأن المطالبة العلنية بالحق في الوطن الحقيقي والأصلي أصبحت ممارسة تراثية تُزار في مناسبة، مثل الأوابد أو الأولياء المستسلمين للسبات والمتاحف!
الآن، ما تزال الذاكرة الفلسطينية غضة وعند البدايات، بعد 66 عاماً من التأشير النقطي على “بداية” للتراجيديا المستمرة من قبل ومن بعد 48. لم يستطع الفعل الفيزيائي القاتل ضد الفلسطينيين بقصد إلغائهم من الوجود، ولم تستطع الرواية المعادية الإقصائية، ولا الرواية “الذاتية” التي تبدلت حتى شككت في أصالتها، أن يغيروا معنى فلسطين الواحد والأبدي في الوعي الفلسطيني.
الفلسطينيون أناس سلميّون في الأساس، ومن العيب أن يقنعهم “ذوو القربى” بضرورة أن يصبحوا سلميين، كما يحدث الآن. من العيب أن تصبح المقاومة “عنفاً” في توصيف بعض الخطاب الفلسطيني الذي أثبت خيبته الشديدة. هذا الخطاب الانتحاري المتنكر للعواطف والقناعات الفلسطينية، هو المتكفل بتأبيد “النكبة”!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 24 / 2180867

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2180867 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40