السبت 17 تموز (يوليو) 2010

غودو لن يأتي أبداً..

السبت 17 تموز (يوليو) 2010 par طلال عوكل

لقاء القمة الذي جمع رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتانياهو، بالرئيس الأميركي باراك أوباما في السادس من الشهر الجاري، أماط اللثام عن حقيقة السياسة الأميركية إزاء عملية السلام، وإزاء طبيعة علاقاتها مع دول المنطقة حيث تحظى «إسرائيل» بالأولوية المطلقة.

اللقاء وهو الخامس بين الزعيمين منذ دخولهما إلى مواقع المسؤولين الأوائل في بلديهما جاء متأخراً أكثر من شهر عن موعده، إذ كان يفترض أن يقع أوائل الشهر الماضي، لولا أن جريمة القرصنة «الإسرائيلية» على أسطول الحرية في الحادي والثلاثين من مايو، قدمت لنتانياهو الذريعة لكي يعود من كندا قبل وصوله إلى واشنطن.

لم يكن الترحيب الأميركي بنتانياهو عادياً، كما لم يكن عادياً لقاء القمة، فلقد سجل رئيس الوزراء «الإسرائيلي» من خلاله، مكسباً كبيراً حين أقنع الرئيس الأميركي بأن ثمة تقدماً وقع في المفاوضات غير المباشرة، يستدعي الانتقال فوراً إلى مفاوضات مباشرة.

نتائج القمة أظهرت نقلة أخرى مفصلية في المواقف الأميركية إزاء التسوية، وفي اتجاه تبني المواقف «الإسرائيلية»، فبعد التراجع المحزن للإدارة الأميركية عن موقفها من ضرورة تجميد كافة أشكال الاستيطان بما في ذلك لأغراض النمو الطبيعي، ها هي تساير «إسرائيل» التي لم تكن يوماً ترغب في تغيير آلية المفاوضات الثنائية والمباشرة مع الفلسطينيين.

إن الانتقال إلى المفاوضات الثنائية المباشرة، يعني بالنسبة لـ «إسرائيل» استبعاد أو تقليل مستوى الحضور والمشاركة والرقابة الأميركية، وتعني أنها ستوظف ميزان القوى لصالحها، لكنها تعني أيضاً عودة المفاوضات إلى مربعها الأول، حيث أهدرت «إسرائيل» أكثر من خمسة عشر عاماً على مفاوضات عبثية، استغلتها في خلق وتكريس المزيد من الوقائع المدمرة على الأرض.

تدرك الولايات المتحدة أن القيادة الفلسطينية أصبحت أسيرة السلطة الوطنية التي تحمل أعباء ضخمة، مما يحول دون فرطها، وأنها أسيرة الانقسام الفلسطيني، والخيار السياسي الذي تتمسك به، وبأنها لا تتحمل المزيد من الضغوط، وبالتالي فإن مواجهة الاستعصاء التفاوضي، تستدعي دائماً مطالبة الفلسطينيين بالمرونة والمزيد من التنازلات.

خلال أكثر من عام ونصف منذ بداية التحرك الذي تقوم به إدارة أوباما، نفذت السلطة الوطنية الفلسطينية كل ما رتبته عليها خارطة الطريق من التزامات، حتى لم يعد للرئيس الأميركي ما يطالب الفلسطينيين به سوى وقف التحريض، ولكن «إسرائيل» لم تقدم «تنازلاً» واحداً، بل انقلبت على الالتزامات المترتبة عليها في خارطة الطريق وراحت تصعد من سياساتها الاستيطانية والتهويدية على نحو أشد خطورة.

تدرك الولايات المتحدة هذه الحقائق، لكنها تواصل تجاهل شكاوى وطلبات السلطة الوطنية الفلسطينية، وتمعن أكثر وعلانية في مساعدة «إسرائيل» على الخروج من أزماتها المتتالية، من أزمة حربها الإجرامية ضد قطاع غزة، إلى أزمة جريمة اغتيال محمود المبحوح، إلى أزمة أسطول الحرية، وأزمة علاقات «إسرائيل» مع تركيا، وعزلتها الدولية، إلى أزمتها التفاوضية.

لا يكفي لطمأنة الفلسطينيين أن يعاود الرئيس الأميركي، بعد لقائه مع نتانياهو، التأكيد على أن بلاده ملتزمة بالعمل من أجل إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة، فهذه قد عصفت بها رياح التطرف «الإسرائيلي»، ودمرتها آلية التدمير والتعميد الاستيطانية.

في الجولة الخامسة للسيناتور ميتشل، تقدم منه الرئيس محمود عباس بثلاثة شروط يمكن لـ «إسرائيل» أن تختار واحداً منها، كسبيل للانتقال إلى المفاوضات المباشرة، الشرط الأول، أن توافق حكومة نتانياهو على متابعة المفاوضات من النقطة التي توقفت عندها مع حكومة إيهود أولمرت ـ ليفني. الشرط الثاني، أن توافق «إسرائيل» على أن التسوية ستؤدي إلى قيام دولة فلسطينية على مساحة تساوي كل مساحة الأراضي التي احتلتها عام 1967، والشرط الثالث أن تلتزم «إسرائيل» بوقف الاستيطان بما في ذلك في القدس.

لم يحمل السيناتور ميتشل رداً واضحاً، والأرجح أنه لا يملك رداً من الجانب «الإسرائيلي» الذي طرح في مواجهة هذه الشروط استعداده لاتخاذ رزمة من الإجراءات التي تسهل حركة الفلسطينيين في الضفة الغربية، مثل إزالة حواجز عسكرية، ونقل الصلاحيات الأمنية للسلطة إلى المنطقة المصنفة (ب)، بالإضافة إلى صلاحيات محدودة على المنطقة (ج) التي تصنف على أنها تقع ضمن المسؤولية الأمنية والمدنية «الإسرائيلية» بسبب تصنيفات اتفاقية أوسلو.

ربما هذا هو ما يعتبره الأميركيون تقدماً في المفاوضات الثنائية مما يستدعي مطالبتهم الفلسطينية الذهاب إلى مفاوضات مباشرة، غير أن الفلسطينيين أعلنوا أكثر من مرة وبصريح العبارة، أن أي تقدم في المفاوضات يحصل، وأنهم ليسوا أعلى علم بما تدعيه الإدارة الأميركية.

في الواقع، فإن الرزمة التي يعرضها نتانياهو، إنما هي جزء يسير من الاستحقاقات التي تضمنتها خارطة الطريق، وكان على «الإسرائيليين» أن يلتزموا بتنفيذها، فضلاً عن أن كل ما ورد في هذه الرزمة، عبارة عن إجراءات يمكن التراجع عنها في لحظة واحدة. «إسرائيل» إذاً تعمل من أجل شراء الوقت وتبديده، وتعمل على تغريم الفلسطينيين أثمان بضائع سبق لهم أن دفعوا أثمانها، والمشكلة الحقيقية هي أن إدارة أوباما تصادق على ذلك.

لا تستطيع الإدارة الأميركية أن تبرر كل هذا التساوق مع المواقف والسياسات «الإسرائيلية»، فمثلما لا تريد إغضاب الصوت اليهودي في الولايات المتحدة خلال الانتخابات النصفية للكونغرس في نوفمبر المقبل، فإن الحكومة «الإسرائيلية» تخشى من أن تعاقبها إدارة أوباما بعد الانتخابات إن هي حرضت خلالها على الديمقراطية.

والخلاصة أن ما نشهده على ساحة الفعل السياسي يؤكد بأنه لا مجال للمراهنة على تعارض المصالح الأميركية مع «إسرائيل»، وأن الثانية وإلى حد بعيد هي التي تقرر سياسة الأولى إزاء قضية الصراع الفلسطيني والعربي ـ «الإسرائيلي».

ثمة مئة سبب وسبب يدعو الفلسطينيين والعرب لإعادة النظر في خياراتهم، وفي كيفية توظيف ما يملكون من أوراق القوة، وهي ليست قليلة، لكن السؤال هو : هل ثمة وقت لذلك، أم أن قطار الحكمة قد غادر منذ زمن؟

فإذا كان الفلسطينيون غير قادرين حتى الآن، ولا يملكون إرادة إنهاء الانقسام واستعادة وحدتهم، فهل يمكن أن يجدوا عند العرب المنقسمين والضعفاء، ما يعوض هذا القصور الفادح والخطير؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 36 / 2182200

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2182200 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40