السبت 3 أيار (مايو) 2014

البيت الأبيض والمصالحة الفلسطينية

السبت 3 أيار (مايو) 2014 par د. عبد العزيز المقالح

لطالما تساءل المختصون وغير المختصين عن الأسباب التي أدت وتؤدي إلى الانشقاقات المتلاحقة داخل الصف الفلسطيني، وقد ذهبت التكنهات بهؤلاء وهؤلاء بعيداً عن الحقيقة التي اتضحت أخيراً وتجلت بوضوح لا يحتمل اللبس والإبهام وذلك من خلال الموقف الذي أبدته الإدارة الأمريكية من المصالحة التي أوشكت أن تتم بين الفصيلين الرئيسين في حركة المقاومة الفلسطينية وهما فتح وحماس . لقد ثارت ثائرة هذه الإدارة وقامت ولم تقعد، وكأن هذا الذي يحدث يشكّل خطراً داهماً على الدولة العظمى ويضعها في مرمى النيران، ولا يعنيني، بل لا يعني أي عربي أن ينزعج الكيان الصهيوني لهذا التقارب الذي طال انتظاره بين أخوة المحنة والمصير المشترك، لأن هذا الكيان - منذ وُجد - يعيش على الخلافات العربية - العربية من ناحية، وعلى الخلافات الفلسطينية - الفلسطينية من ناحية ثانية . إنما اللافت والمثير للدهشة هو موقف الإدارة الأمريكية التي انفضح أمرها وتأكد للعالم أنها كانت وراء استمرار الخلافات بين فتح وحماس .
ولنترك مؤقتاً موضوع التقارب الفتحاوي الحمساوي، وننظر إلى واقع الوطن العربي، وما تعانيه أقطاره من احتراب وانقسامات كان البعض حتى الآن يرى أنها ناتجة عن لعنة سماوية حاقت بالعرب وجعلتهم يفقدون تضامنهم، وما تقتضيه الحكمة والضرورة من تجاوز خلافاتهم غير المبررة والتي لا تقوم على أسباب حقيقية تجعلهم في هذه الصورة المزرية من الشتات والانقسام .
لكننا وبعدما شهدنا من غضب الإدارة الأمريكية وإعلان رفضها للمصالحة بين الأشقاء الفلسطينيين أصبحنا ندرك أكثر أنها كانت وراء كل الخلافات الناشبة في الوطن العربي، وأن مصلحتها تقتضي بقاء العرب في حالة من التشتت والانقسام حتى لا يتفرغ الجميع لبناء حاضرهم والتفكير الجاد في مستقبلهم، وهي حقيقة كانت واضحة من قبل، لكنها زادت وضوحاً في الأيام الأخيرة وصار على جميع العرب أن يعتبروا بالموقف من أشقائهم في الأرض الفلسطينية المستباحة والتي يراد لأبنائها أن يبقوا في حالة تنازع وشقاق لكي يهدأ العدو وينام في أمان .
لقد أنهكت الخلافات كاهل الفلسطينيين وبددت الكثير من طاقاتهم في غير موضعها، ومكّنت للعدو من أن ينفرد بالضفة ويواصل تقطيعها وأن ينفرد بغزة ويواصل حصارها وذبح أبنائها، وفي دوامة مؤامرة المحافظة على الخلافات التي تقودها وتشرف على تنفيذها الدولة العظمى ذهب الكثير من الرجال وذهب الكثير من الوقت، وشاعت في أنحاء العالم فكرة خاطئة عن رغبة الفلسطينيين في تعميق العداء بين فصائلهم الوطنية في الوقت الذي يقدمون فيه مزيداً من الضحايا دفاعاً عن حقهم المشروع والتأكيد على رفض التوسع الاستيطاني والعنصري في المناطق التي كانت في أيديهم قبل حرب 1967م، ولا يشكك عاقل في أن المجتمع الدولي سيتبين من خلال رفض الإدارة الأمريكية للتصالح الفلسطيني- الفلسطيني، أن هذه الإدارة كانت وراء ما يعاني منه الأشقاء من خلافات حادة وانقسامات يتم تغذيتها من خارج الوسط الفلسطيني، واستخدام الضغوط المختلفة لبقاء الصورة الساخرة كما هي عليه في أذهان العرب والعالم .
ولا يمكن لحادثة الاحتجاج على التصالح أن تمر من دون إزجاء بعض الشكر لرئيس الولايات المتحدة باراك أوباما على دوره في فضح الجهود التي بذلتها إدارته والإدارات السابقة في العمل على تكريس العداء والخلافات ليس داخل المنظمات الفلسطينية فحسب، وإنما في جميع الأقطار العربية، وتمسك القوة العظمى تجاه العرب خاصة بالمقولة التي سادت في الحقب الاستعمارية “فرّق تسد” وربما لو كان غير أوباما في البيت الأبيض لما تجرأ على فضح هذا الدور الذي بقي في العهود السابقة شبه مكتوم وغير قابل للإفصاح عنه من أعلى المستويات لما سوف يترتب عليه من انتقادات دولية واحتجاج منظمات بذلت كثيراً من الجهود لتسوية الخلافات الفلسطينية - الفلسطينية، بما في ذلك منظمة الأمم المتحدة التي كانت ولا تزال ترى في اختلاف العائلة الفلسطينية كارثة على القضية وعلى العالم .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 20 / 2178532

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2178532 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40