السبت 3 أيار (مايو) 2014

توافق تكتيكي ومصالحة اضطرار

السبت 3 أيار (مايو) 2014 par عبداللطيف مهنا

من أبسط بديهيات أي مصالحة وطنية تلي أي انقسام وطني في مطلق ساحة وطنية، وخصوصًا ما هي عليه الحال في الساحة الوطنية الفلسطينيه، إنها لا بد وأن تتم وفق توافق الطرفين المتصالحين على برنامج حد ادنى سياسي وطني، تحصنه وتدعمه مشاركة فاعلة من قبل كافة القوى والهيئات ومختلف ألوان الطيف السياسي في الساحة، بحيث تجتمع وتتراص من حوله الصفوف وتتوَّحد على هداه البوصلة المهتزة، وبالتالي، ولارتكازها إليه، تصان مثل هذه المصالحة وتصمد في مواجهة ما ستواجهه من عوائق، أو ما تتطلبه من مستوجبات واستحقاقات.
هذا الشرط بالذات هو ما يفتقر لمثله اتفاق المصالحة الأخير في الساحة الفلسطينية، أو ما يُطلق عليه “اتفاق الشاطئ” بين رام الله وغزة، والذي تلا يومين من المباحثات أفضيا إلى توافق طرفيها على أمرين اثنين لا ثالث لهما، وهما تشكيل حكومة جديدة لسلطة الحكم الذاتي الإداري المحدود، وإجراء انتخابات في مناطقها بعد مضي ستة أشهر.
قبل هذا الاتفاق التصالحي، ومنذ وثيقة (آب) أغسطس العام 2002م وحتى تفاهمات القاهرة في العام 2013م، تمت تسعة توافقات تصالحية فلسطينية شبيهة تباينت مسمياتها وتعددت الآمال المعلقة عليها… كانت ما بين الوثيقة والتفاهم والاتفاق، لكنها جميعًا لاقت مصيرًا واحدًا فلم تنفَّذ أي واحدة منها، ومردّه ذات السبب الذي تفتقر إليه هذه المصالحة الأخيرة أو العاشرة…
وعليه ولانتفاء هذا الشرط بالذات، أي وجوب التوافق على برنامج الحد الأدنى السياسي الوطني المفترض، فإن هذه المصالحة منطقيًّا، إذا ما قيض لها تحقيقًا، لا بد وأن تتم موضوعيًّا وفق برنامج أحد طرفيها أو على أساسه، بمعنى التحاق الطرف الآخر به، أو عمليًّا إقراره ببرنامجه والالتزام به… ناهيك عن كونها تتم أصلًا تحت سقف أوسلو وداخل قفصها إياه وتجري في ملعبها ولن تبرحه.
كما أن حكومتها العتيدة سوف تشكل، إن قيَّض لها تشكيل، في ظل استمرارية جاري التنسيق الأمني مع العدو، وبالتوازي والتناغم مع متطلبات ورتم سياسات خيار التفاوض حياة…
ما تقدم من شأنه أن يخبرنا سلفًا بأن حظوظ ومصير مثل هكذا مصالحة لن يختلف كثيرًا عن سابقاتها، أو هو لن يشذ عن مآلاتها. الأمر الذي هو حقًّا مدعاة للتساؤل، إذًا وعلام كانت؟!
إنها ليست سوى مصالحة اضطرار، وضرب من خيار تكتيكي من ضمن خيارات لا علاقة لها بما هو الاستراتيجي، استوجبتها مواجهة انسداد أفق أمام طرفين لهما خطان ونهجان، إن لم يكونا تمامًا نقيضين كما هو المعلن فهما لا يلتقيان، إلا وفق ما تتطلبه منهما، في غياب البرنامج الوطني، دواعي المناورة ومستلزمات ادارة انقسام مزمن…
تفاقم كوارث وتداعيات الحصار العربي الصهيوني الخانق على قطاع غزة واشتداد المعاناة الشعبية لانسداد الرئة المصرية، والإحساس بأثقال العزلة الإقليمية الناجمة عن راهن تناقص دعم الداعمين وندرة الحلفاء، هما وراء دوافع حماس التصالحية الراهنة. أما بالنسبة للأوسلويين فقد انتهت المدة الزمنية المفترضة للمفاوضات، أو التسعة أشهر المحددة لها، دون التوافق المنشود على تمديدها… هذه الأشهر التسعة العجاف التي جرى في ظلها وبفضل تغطية من باطلها بناء 14000 وحدة استعمارية تهويدية، أي بمعدل 50 وحدة في كل يوم منها، الأمر الذي يظهر حتى لدافني رؤوسهم في الرمال التسووية التصفوية أن الصهاينة ليسوا ولن يكونوا يومًا في وارد التخلي عن استراتيجية التهويد لكامل فلسطين، التي بدأت منذ أن كان الصراع وحتى يحسم لصالح أحد طرفيه، أي ليسوا في وارد التفضل على المسالمين الأوسلويين بأي حل مرتجى سوى حلهم الصهيوني الذي لا يعني سوى الاستسلام.
كما أن الوسيط، أو الراعي، الأميركي قد أثبت بجدارة معروفة عنه خلال ملهاة تلك الأشهر، كما هو حاله من قبلها أو من بعدها، أنه إنما يجهد نفسه ويضيع وقته الثمين فقط لهدف واحد أحد وهو مصلحة حليفه الصهيوني، والتي لن يحيد عنها ولو حاد الصهاينة أنفسهم، ولن يتوقف عن العمل أو الدفع والضغط بغية تحقيقها.
ولهذا كان أن سارعت واشنطن إلى الاعتراض حتى على مجرد حديث المصالحة الفلسطينية وتعجلت في رسم الخطوط الحمر أمامها، وها هي آن باترسون مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى تقول، أو تنذر، في جلسة استماع لمجلس النواب الأميركي: “دعوني أكون واضحةً للغاية حول سياستنا تجاه حماس… لن تذهب أية أموال من الحكومة الأميركية إلى أية حكومة تضم حماس، إلا إذا قبلت حماس بشروط الرباعية، وهي نبذ العنف والاعتراف بالاتفاقات السابقة، والأهم الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود”.
… وربما لأن آن باترسون كانت في غاية الوضوح، وفي إشارة مباشرة منه لشروط الرباعية تحديدًا، يعود رئيس السلطة فيؤكد مرة أخرى على ما ظل يحرص على توكيده، وهو أن “الحكومة المقبلة ستأتمر بسياستي، وأنا أنبذ العنف والإرهاب، ومعترف بالشرعية الدولية، وملتزم بالالتزامات الدولية، والحكومة ستنفذها”… ولهذا أيضًا، كان من رام الله أن استلت المجلس المركزي لمنظمة التحرير من جراب غفوته المزمنة، وإذ أيقظته بسرعة فائقة اجتمع ليصدر بيانًا يشير فيه إلى استمرارية المفاوضات تحت الرعاية الأميركية…



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 25 / 2165497

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع عبداللطيف مهنا   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2165497 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010