الأربعاء 30 نيسان (أبريل) 2014

تحصين المصالحة الفلسطينية بالانتفاضة الثالثة

الأربعاء 30 نيسان (أبريل) 2014 par فيصل جلول

لا يمكن التحكم بمصير الاتفاق على رأب الصدع بين حماس وفتح أواسط الأسبوع الماضي، فقد سبق للطرفين أن وقعا منذ العام 2006 تاريخ القطيعة بينهما اتفاقات مماثلة في مكة والدوحة وصنعاء والقاهرة من دون أن تجد طريقها إلى التنفيذ . بيد أن الاتفاق الأخير يتميز عما سبق بثلاثة عوامل إيجابية . الأول يتعلق بحسن النية الذي ترجم على الفور باستقالة رئيس الوزراء رامي الحمدالله والبدء بتشكيل حكومة تكنوقراط أو خبراء مستقلين خلال مهلة خمسة أسابيع، وتلا ذلك حديث صريح من غزة بأن حكومة إسماعيل هنية مقالة أصلاً، وأن المجال مفتوح لتسليم الوزارات في غزة للوزراء الجدد .
والعامل الثاني يتصل بتحديد مواعيد قريبة ليس فقط للحكومة، وإنما أيضاً للمجلس الوطني الفلسطيني للبحث في إعادة هيكلة منظمة التحرير، بحيث تستوعب حماس وربما المنظمات الأخرى التي ما زالت خارج الأطر الرسمية للمنظمة .
والعامل الثالث يتصل بظروف المفاوضات الثنائية بين السلطة الوطنية والحكومة الصهيونية، حيث تبين أن هذه المفاوضات قد جمدت ثلاث سنوات من دون أن يرف جفن أحد في عواصم القرار في العالم أو في الرباعية، وبدا أن التجميد والصمت يفيدان حكومة نتنياهو ويغطيان مشاريعها الاستيطانية القديمة والجديدة إلى أن بادر محمود عباس إلى الحصول على عضوية الدولة المراقب في الأمم المتحدة هذه الخطوة أدت إلى استئناف مفاوضات مزمنة لمدة تسعة شهور انتهت في 29 إبريل/ نيسان الماضي من دون أن يتقدم الطرفان قيد أنملة في قضايا الحل النهائي الأساسية، ونعني بذلك القدس واللاجئين وحدود العام 67 والمستوطنات .
والواضح أن اخيتار محمود عباس الوحدة الوطنية الفلسطينية رداً على المماطلة الصهيونية والتواطؤ الأمريكي كان خياراً صائباً تماماً، ومن مؤشرات صوابه أنه أطاح صواب نتنياهو الذي أخذ يهدد ويتوعد السلطة الوطنية الفلسطينية بالويل والثبور وفظائع الأمور .
بالمقابل بدت الظروف الصعبة التي تمر بها حماس أكثر من ملائمة لتوقيع اتفاق الوحدة مع فتح، فقد خسر خالد مشعل رهان الربيع الإخواني في العالم العربي وكان قد خسر موقعه في محور المقاومة والممانعة بعد مغادرته سوريا ورهانه على إسقاط النظام السوري، وخسر ايضاً مصر بعد إطاحة الرئيس الإخواني محمد مرسي، وصارت غزة محاصرة بقوة وبما يتجاوز فترة حكم حسني مبارك، وصار التحالف مع قطر عبئاً يصعب تحمله، خصوصاً بعد العزلة القطرية الأخيرة في مجلس التعاون الخليجي .
وإذا كان صحيحاً أن حماس قد تمكنت من إعادة وصل ما انقطع مع إيران ومع حزب الله، فإن هذه العودة لا تكفي لاستعادة زمام المبادرة، وبالتالي الانتقال البهلواني إلى الموقع السابق على الربيع العربي . من جهة ثانية كان انهيار الرهانات على الربيع العربي يصب الماء في طاحونة الجهاد الإسلامي المنافس الأبرز لحماس في غزة، ويقول المطلعون عن كثب على الأوضاع الداخلية في القطاع، إن شعبية الحركة تراجعت إلى حد كبير لمصلحة “الجهاد” .
في هذه الأجواء القاتمة ألقى عباس بطوق النجاة لحماس من دون أن يلزمها بدفع ثمن باهظ، بل ربما ساعدها على تبرير هذا المخرج في خطابه السبت الماضي، حيث قال إن حكومة المستقلين تتبع سياسته التي تنص على “الاعتراف ب”إسرائيل“ورفض العنف والإرهاب، واحترام الالتزامات الدولية”، وقد سارعت حماس إلى الترحيب بكلامه، ما يعني أنها ستوافق على تشكيل حكومة تعترف ب“إسرائيل”، وستمنحها الثقة بالبرلمان الفلسطيني من دون أن تعترف هي مباشرة بالكيان، معتبرة أن العديد من الأحزاب الصهيونية لا يعترف بالدولة الفلسطينية ولا بالحقوق الفلسطينية، وأن ما يصح على “إسرائيل” في مسائل الاعتراف يصح أيضاً على الفلسطينيين .
أغلب الظن أن الكيان لن يرضى بهذا التفسير وربما لن ترضى به أيضاً بعض الدول المؤيدة ل“إسرائيل” التي تصنف حركة حماس في لائحة المنظمات الإرهابية كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وبالتالي يصعب عليها أن ترضى بالتعاطي مع حكومة تكون حماس شريكة فيها، إلا إذا تبين أن هذه الحكومة تخلو حقاً من حمساويين، وأنها مستقلة تماماً عن كل المنظمات، وهو ما توحي به تصريحات المسؤولين في سلطة رام الله .
الراهن أن حكومة الوحدة الوطنية تشكل مخرجاً ملائماً لأغلبية الأطراف الفلسطينية والعربية المعنية بالقضية الفلسطينية، وقد لا تثير قطيعة مع واشنطن والاتحاد الأوروبي، بل لربما شاور عباس الأوروبيين والأمريكيين في شأنها قبل تشكيلها، ولعل تصريح كيري الأخير حول مشروع الدولتين والتحذير من تحول الكيان إلى “دولة عنصرية”، دون الإشارة إلى حكومة الوحدة الوطنية المزمع تأليفها هذا التصريح مؤشر ضمني على مزاج الأمريكيين الممتعض من نتنياهو وتحميله مسؤولية فشل المفاوضات مع الفلسطينيين .
تبقى الإشارة إلى أن تشكيل الحكومة الفلسطينية المستقلة لن يضع حداً لمواضيع الخلاف بين فتح وحماس، فهو لا يتطرق إلى الأجهزة الأمنية والعسكرية الحمساوية، ولا إلى دور حماس المركزي في إدارة قطاع غزة، ولا إلى عودة الشرطة والحرس الرئاسي إلى القطاع، أي لا يحقق مطلب العودة إلى ما قبل “الانقلاب على الشرعية” عام ،2006 كما كان عباس يسمي طرد السلطة الفلسطينية من غزة في العام المذكور .
خلاصة القول إن الاتفاق الفلسطيني ينطوي على رد مشرف على الاستعصاء الذي ساد المفاوضات الفلسطينية - “الإسرائيلية”، وحتى لا يبقى هذا الرد معزولاً ومعرضاً للضغوط الخارجية والمحلية من أجل التراجع عنه أو تطويقه، ربما يجدر بعباس أن يحميه بانتفاضة ثالثة تحظى باجماع فلسطيني وعربي وربما دولي وتنسجم مع نبذ العنف والإرهاب، وتتناسب تماماً مع حق الشعب الفلسطيني في اعتماد كل الوسائل المتاحة لانتزاع حقوقه . . إذاً إلى الانتفاضة الثالثة بعد الوحدة وعشية الدولة .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 22 / 2178246

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2178246 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40