في خطابه أمام المجلس المركزي المنعقد في مدينة رام الله، وفي سياق حديثه عن مسألة “يهودية الدولة” التي تطالب “إسرائيل” العرب والفلسطينيين بالاعتراف بها، تطرّق محمود عباس إلى حوار أجراه معه صحفيون “إسرائيليون”، حيث قال لهم “نحن نعرف تاريخكم أكثر منكم”، مركّزاً على المفارقة الكامنة في كون نصف عدد المهاجرين من روسيا والجمهوريات السوفييتية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، هم من المسلمين والمسيحيين، ومع ذلك تصرّ “إسرائيل” على مسألة الاعتراف ب“اليهودية”، ومذكّراً بأنها لم تطلب ذلك من مصر في اتفاقية “كامب ديفيد” ولا من الأردن في اتفاقية “وادي عربة” .
جدير بمن يعرف التاريخ أيضاً أن يتذكّر أن الثمانين كيلومتراً التي قطعها عزام الأحمد من الضفة إلى غزة هي أراض فلسطينية محتلة عام ،1948 وليست “أرض إسرائيل” . ليس هناك أي فلسطيني أو عربي مضطر لأن يسمي الأشياء بغير مسمّياتها أو يزيّف الحقائق التاريخية ويشوّه الذاكرة ويطعّم ثقافة الأجيال الناشئة بمعلومات خاطئة ومقلوبة . حتى لو سلّمنا بالاعتبارات التفاوضية والتسووية، فإنها لا تبرر التنكّر للتاريخ البعيد فكيف به إذا كان قريباً؟
المنطق التسووي الذي يريد أن يتواءم مع الأجواء الدولية والواقع القائم، يجب عليه أن يتعامل بمرونة مع السياسة والواقع واللحظة الراهنة، لكن ليس على حساب التاريخ، لأنه حقيقة موضوعية وليس مسألة تكتيكية . التاريخ قائم بذاته، وهو مجرى يحفر نفسه بمقاسات لا تخضع للتغيير والتزوير، ولا تدخل في حسابات أي ملف تفاوضي . المفاوض قد يضطر لتقديم تنازل مرحلي في هذه المسألة أو تلك، لكنه لا يستطيع ولا هو مخوّل بأن يشطب ما هو حق تاريخي، أو يسبغ عليه تسميات ويكيّفها مع منطق المفاوضات .
القرار الصادر عن الأمم المتحدة عام 1947 والمسمى “قرار التقسيم” يتحدّث عن تقسيم فلسطين إلى دولتين، إذن هو يقرّ بما هو معروف بداهة، أي بأن هذه البقعة من الأرض العربية اسمها فلسطين وليست “إسرائيل”، أما الاعتراف بهذا الاسم لكيان تحالفت ظروف ومؤامرات دولية لإنشائه، فهي مسألة سياسية بحتة وراهنة، وليس من حق أحد أن يخرجها من إطار الحل المرحلي، بحيث لا يشطب التاريخ ولا يمنع الأجيال المقبلة من تصحيح مساره .
لا يستطيع مفاوض فلسطيني أن يدعي أنه رجل سياسة إذا لم يكن على دراية كافية بأسلوب “الإسرائيليين” القائم على إعداد وسائل تحقيق الهدف الاستراتيجي نفسه، وهو استكمال مشروع إقامة دولة “من النيل إلى الفرات”، وأن كل ما يدورون حوله في المفاوضات منذ “كامب ديفيد” مع مصر، لا يخرج عن هذا التكتيك المرتبط بالاستراتيجية .
منذ صدرت المطالبة ب“الدولة اليهودية” أول مرة على لسان تسيبي ليفني في تصريحات أدلت بها في العاصمة القطرية، كان واضحاً أن “الإسرائيليين” الذين اعتقدوا، خطأ “أن أمريكا قد تضغط لإنتاج حل لا يروق لهم، سيخلقون مطالب جديدة تحوّل ما يرونه حلاً مفروضاً عليهم، إلى حل مفروض منهم . هم يعرفون أنهم نجحوا في فرض الاعتراف بهم ك”دولة“، والآن بعد أن تحقق هذا يرفعون السقف للاعتراف بهم ك”دولة يهودية“. وليكن الفلسطينيون والعرب على قناعة تامة بأنهم لو اعترفوا بيهودية”إسرائيل“، فإن”الإسرائيليين“سيرفعوا السقف ويطلبون بالاعتراف بأنهم”شعب الله المختار" .
الأحد 27 نيسان (أبريل) 2014
فلسطين تاريخياً وسياسياً
الأحد 27 نيسان (أبريل) 2014
par
أمجد عرار
مقالات هذا المؤلف
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
50 /
2165546
ar أقسام الأرشيف أرشيف المقالات ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
18 من الزوار الآن
2165546 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 18