الجمعة 25 نيسان (أبريل) 2014

في مجريات الامور في أرض فلسطين

الجمعة 25 نيسان (أبريل) 2014 par فاروق القدومي

أرى من الواجب أن أقدم لجماهير شعبنا الفلسطيني وإلى جماهير امتنا العربية والإسلامية صورة لمجريات الأحداث في أرض فلسطين، وما رافقها من تطورات سياسية لكي نتلمس حقيقة ما جرى ويجري وما آلت إليه الأمور، فلا بدّ أن نبدأ باتفاقات أوسلو وما تبعها من مفاوضات سياسية وتفاهمات شفوية لكي نتمكن من توضيح مجريات الأحداث التي أوصلتنا إلى الصدامات الدموية والطريق المسدود في المفاوضات.
كان اتفاق أوسلو نقطة البداية التي شكلت عدداً من المواقف السياسية التي لم تحظَ بموافقة جزء كبير من الشعب الفلسطيني، بالإضافة إلى عدم التزام إسرائيل بهذه الاتفاقات وممارساتها الإرهابية المستمرة مع المماطلة والتعنت لكسب الوقت، فقد قام المجتمع الإسرائيلي باغتيال اسحق رابين، بذلك دللت إسرائيل على عدم رغبتها في السلام، وأن الحالات النفسية والأوضاع السياسية والحزبية للمجتمع الإسرائيلي لم تنضج بعد لقبول فكرة ومتطلبات عملية السلام، وبدا ذلك واضحاً في ممارسات الحكومات الإسرائيلية المتتابعة.
رافق هذا الوضع فشل المفاوضات السياسية وعدم التوصل إلى أي نتائج ، لقد فشلت المفاوضات في السابق وبدأ الحصار على الشعب الفلسطيني مع تزايد العمليات الإرهابية لجيش الاحتلال الإسرائيلي كالاغتيال والقتل الجماعي وتدمير المنازل والبنى التحتية، وحرق المزارع وقلع الأشجار وإغلاق المعابر وتكثيف الحواجز العسكرية بين المدن والقرى بل وبين الأحياء وفرض المزيد من الضغوط السياسية لتقديم التنازلات ومطالب التهدئة ووقف المقاومة ثم وقف مساعدات الدول المانحة لتنتشر البطالة والمجاعة.
نتيجة المفاوضات الطويلة الفاشلة، نشأت حالة من التعايش بين أعضاء السلطة الفلسطينية وإسرائيل، وأدمن البعض على مطلب التعايش في إطار الاحتلال، وأصبحت المنفعة الفردية هي التي تحكم تصرفات المسؤولين في السلطة، فانتشر الفساد، وسادت ثقافة الاحتلال وانحرفت البوصلة الوطنية تماماً.
ثم نادت “فتح السلطة” بعدم عسكرة المقاومة، وقامت بعد استشهاد الأخ أبو عمار باستبدال أصحاب التجربة النضالية في أجهزة الأمن الوطني وإحالتهم على التقاعد، وجيء بشباب حديثي التجربة دربوا في معسكرات طاقم الجنرال دايتون، ولم يؤخذ بعين الاعتبار أننا ما زلنا نعيش تحت الاحتلال.
ولا بدّ من التذكير هنا بحداثة التجربة لدى قيادة حركة حماس ممّا دفعنا إلى اللقاء بقياداتهم في دمشق لشرح التطورات التي مرت بها المقاومة الفلسطينية والصعوبات التي مررنا بها منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية عام 1965، والمناورات الإسرائيلية التي واجهناها والتي عطّلت مسيرة السلام. وكنّا نؤكد لهم ضرورة أخذ الحذر والاستمرار بالمقاومة، لأنها تجمع بين المواطنين ولا تفرّق، فهي تضحية وعطاء.
بعد ذلك فوجئنا بقرار مشاركة الإخوة في حماس في انتخابات السلطة التي أفرزتها اتفاقات أوسلو مع أنهم أعلنوا رفضهم لهذه الاتفاقات والاعتراف بإسرائيل، فوضعوا قدماً في البور وقدماً في الحقل.
هنا كانت بداية التناقض، عندما فازوا في الانتخابات التشريعية فظنوا أنهم حققوا إنجازاً كبيراً، وأن تسلمهم لهذه السلطة المحلية سيمنحهم القبول وحرية الحركة باسم الشرعية والديمقراطية. علماً أن السلطة مضطرة للتعامل مع سلطات الاحتلال التي تسيطر على جميع مرافق الحياة في الضفة والقطاع، سلطة محلية جاءت من خلال اتفاق حكم ذاتي محدود، أي أن هذه الاتفاقات تعتبرنا أقلية إثنية لا نتمتع بالسيادة والاستقلال أو حق تقرير المصير، أي أنها تنكر كل حقوقنا الوطنية.
بعد الانتخابات التشريعية بفترة زمنية قصيرة، شكلت خلالها حركة حماس حكومة من أعضائها بعد رفض الفصائل الفلسطينية المشاركة فيها، وبرزت التباينات والخلافات بين رئاسة السلطة وحركة حماس حول برنامج العمل السياسي وتقاسم المناصب فيها، وازدادت الخلافات وتفاقمت العلاقات فيما بينهما. ولم تقم هذه الحكومة بتحقيق أي إنجاز خلال فترة حكمها القصيرة، وزاد الطين بلة أن قامت إسرائيل والولايات المتحدة والحكومات الأوروبية المانحة بفرض الحصار المالي عليها بحجة وجود أعضاء من حركة حماس على رأسها، واشترطت إسرائيل اعتراف حركة حماس بها، وباتفاقات أوسلو، ووقف الإرهاب “المقاومة”.
كانت هذه الشروط الثلاثة هي موضع خلاف بين “فتح السلطة” و“حكومة حماس”، وقد بذلنا جهوداً مستمرة لإقناع قيادة حماس بالتواري وراء “فتح السلطة” والتمترس في المجلس التشريعي فقط بعيداً عن الحكومة، وأن تمارس الرقابة على أعمال وقرارات أية حكومة تشكل من خلال سيطرتها على قرارات المجلس التشريعي، ولكن لم يؤخذ برأينا؛ واستمرت الحوارات والخلافات الثنائية بين أطراف السلطة وجرت محاولات للتوفيق بينهما إلى أن خرجوا بوثيقة الأسرى التي أضيفت عليها المحددات الثمانية، ولكن الفلتان الأمني والصدامات بينهما زادت الأوضاع سوءاً وتدهورت الحالة الاقتصادية والمعيشية لشعبنا الفلسطيني. فكانت مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في شهر فبراير 2007، فدعا الطرفين إلى مكة المكرمة وتمّ التوقيع على اتفاقية مكة، وقبل الطرفان التقاسم الوظيفي فيما بينهما، ولكن سرعان ما نشأت صدامات مسلحة بين أجهزة الأمن في قطاع غزة، وكانت البعثة الأمنية المصرية تبذل جهوداً مضنية لإحلال الوفاق بينهما ولكن كان هناك إصرار من كلا الطرفين للتحكم بالشؤون الأمنية في قطاع غزة، وفي النهاية وصلنا إلى ما وصلنا إليه من سيطرة حركة حماس على الأوضاع في قطاع غزة. وهكذا اُستخدمت الأجهزة الأمنية من الطرفين للاستيلاء على السلطة وليس الحرص على أمن المواطن وحمايته والاستمرار في الدفاع والمقاومة.
ولا بدّ لنا من أن ننوّه أن تشكيل جهاز أمني كان مطلباً إسرائيلياً منذ توقيع اتفاق أوسلو لضبط الوضع الأمني ومنع التحرش بأمن إسرائيل.
لقد تنامت أجهزة متعددة للأمن الوطني والوقائي وغيرها، وكذلك المخابرات والاستخبارات وكأننا في دولة مستقلة وتناسينا أننا نعيش في ظل احتلال عنصري، وتزايدت أعداد الموظفين في السلطة حتى وصل هذا العدد إلى 165.000 موظفاً، بدلاً من 26000 موظفاً في البداية. وهكذا زادت أعباءنا المالية، وأصبحنا بحاجة ماسة للمعونات الأجنبية، فمورست علينا الضغوط، فخضعنا إلى مزيد من التنازلات السياسية.
كانت فرص العمل متوفرة في البداية، والأحوال الاقتصادية مقبولة، ولكن العمالة الفلسطينية بدأت تتناقص بسبب إجراءات تعسفية مارستها حكومات إسرائيل المتعاقبة، ودمرت بشكل منهجي وسائل العيش، وفرضت حصاراً خانقاً على الشعب الفلسطيني، وقيّدت حركة وتنقل المواطنين.
هنا نستطيع القول أن بوصلتنا السياسية فقدت اتجاهها الصحيح، وباتت قضية فلسطين في منعرج خطير، وأصبح الشعب الفلسطيني حائراً أمام هذه التطورات القاسية التي أدت في النهاية إلى الابتعاد عن المقاومة ضدّ العدو الإسرائيلي واتخاذ السلطة قرارات تمنع بموجبها المقاومة وتلاحق رجالها وتصادر السلاح بعد تحريمه وبتخطيط مسبق مع الجنرال دايتون تحت مسمى “التنسيق الأمني”، والتوجه نحو الصدام الداخلي.
أصبحت الضفة والقطاع محاصرة براً وبحراً وجواً من إسرائيل، وتحيط بها دول شقيقة قيّدتها اتفاقات سلام مع إسرائيل، وأصبحت الدول العربية والإسلامية تميل إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل أيضاً بسبب الضغوط السياسية المستمرة التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية على الأنظمة العربية والإسلامية من خلال مخططاتها السياسية ومشاريعها التسووية ممّا أضعف وسائل دعم المقاومة ودعم صمود الشعب الفلسطيني.
إن التلاعب المستمر بالمبادرات السياسية التي تطرح بين حين وآخر وتقلباتها، وتردد إسرائيل في قبولها والمماطلة في تنفيذها وعدم الالتزام بها في النهاية مع محاولات الضغط الأمريكي- الأوروبي على الأنظمة العربية، قد أضعف فاعلية التضامن العربي، فتباينت وجهات النظر السياسية، وغاب الموقف العربي الموّحد. أضف إلى ذلك أن باب الهجرة اليهودية كان مفتوحاً على مصراعيه من روسيا الاتحادية، واغتنمت إسرائيل ضعف الموقف العربي، فأقامت المزيد من المستوطنات ووسعتها وصادرت الأراضي الفلسطينية لبناء المزيد من بؤر الاستيطان، وبناء الجدار العنصري العازل.
في ظل هذه الظروف القاسية والأوضاع المعيشية المتردية والحصار الإسرائيلي- الأمريكي- الأوروبي، يعيش شعبنا الفلسطيني وخاصة في الضفة المحتلة، وفي قطاع غزة الصامد حيث 70% من سكانه اللاجئين يعتمدون على ما تقدمه وكالة الغوث من مساعدات لهم منذ بدء النكبة عام 1948. علماً أن قطاع غزة لا تزيد مساحته على 365كم2 يعيش فيه مليوني، فماذا ينتظر المجتمع الدولي من هؤلاء الفلسطينيين الذين يعيشيون في هذه الظروف العدمية؟! فقد قال الصحابي أبو ذر الغفاري: “إني أعجب من إنسان لا يجد قوت يومه، كيف لا يخرج على الناس شاهراً سيفه”.
إن فلسطين سجن كبير مقفل من كل الجهات؛ لكن الشعب الفلسطيني مع كل هذه القيود ما زال صامداً، يقاوم ويقدم الشهداء، لقد فرضت الولايات المتحدة ودول أوروبية وبعض الأنظمة العربية عليه الحصار المالي والاقتصادي والسياسي، مع إرهاب إسرائيل المنظم والمتواصل، وبالرغم من كل ذلك لم يستسلم، بل يقاوم بإصرار وعناد، وليس عجيباً بعد تكالب كل هذه القوى على شعب لا معين له أن يختصم مع نفسه أحياناً.
بعد هذه التجارب المريرة التي مرّت وتمر بها القضية الفلسطينية فإن جهود فصائل المقاومة والشخصيات الوطنية والمنظمات الجماهيرية والنقابات وأبناء فلسطين في الشتات مستمرة في تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني والمرجعية السياسية والتشريعية للسلطة الفلسطينية، وإعادة بناء دوائر منظمة التحرير الفلسطينية بكل مؤسساتها المركزية وميثاقها الوطني وبرنامج عملها السياسي، سيعزّز الوحدة الوطنية ويدفع كل الأطراف إلى الانضواء تحت رايتها والاستمرار في المسيرة النضالية.
انطلقت الثورة الفلسطينية في سبيل عودة اللاجئين إلى الديار والممتلكات واسترداد الأرض المغتصبة، ولم يكن الهدف الحصول على بعض من الأرض المحتلة عام 1967 كما هو الحال الآن، وهذا مخالف لقرارات المجلس الوطني عام 1988 في الجزائر، وتفجّرت انتفاضة شعبنا في الداخل وأرهقت قوات الاحتلال الإسرائيلي وكبّدتها الخسائر البشرية والمادية والإعلامية، ووقفت شعوب العالم لنصرة شعب فلسطين في مقاومته للاحتلال البغيض، ممّا أدى إلى عقد مؤتمر مدريد للسلام لإيجاد حلول توافقية لقضية فلسطين، فجاءت اتفاقية أوسلو المشؤومة حيث بدأت البوصلة الوطنية في الانحراف رغم تحذيراتنا المتكررة من مغبة الوقوع فيما لا يحمد عقباه.
كنا نخشى من المجهول ونخاف من تمزق نسيجنا الاجتماعي وظهور آفات اجتماعية ووطنية، وبروز فئة متعاونة مع العدو مستسلمة راضخة لإملاءاته وتوجهاته.
مقاومتنا ليست استسلام وتنفيذ تعليمات ومفاوضات بل مسيرة نضالية وثورة شعبية لن تهدأ حتى تحقق أهدافها الوطنية في التحرير والتحرر، وبناء الدولة على أرض فلسطين، يكون فيها الفلسطيني حراً سيداً آمناً، وفياً لأرواح الشهداء وأنات الجرحى والمعاقين الذين ضحّوا وصبروا وأعطوا أعز ما يمكلون، نحن شعب فلسطين على طريق النصر والتحرير سائرون.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 23 / 2165288

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف كتاب قيادة الانقاذ فتح  متابعة نشاط الموقع فاروق القدومي   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2165288 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010