الخميس 15 تموز (يوليو) 2010

المفاوضات بمناسبة «المونديال»

الخميس 15 تموز (يوليو) 2010 par منير شفيق

بمناسبة شهر «المونديال» وانتشار لغة كرة القدم والتعليقات على الفرق واللاعبين والحكام ومراقبي الخطوط الجانبية ماذا يمكن أن يُقال في المباراة الدائرة حول المفاوضات بين فريقي نتنياهو وعباس والحَكَم الأميركي ومراقبي الخطوط الجانبية من الرباعية؟

فريق عباس بلا حارس مرمى وبلا خطوط دفاع وهجوم، فيما الحَكَم الأميركي يقوم مقام نتنياهو بتسجيل الأهداف على المرمى المنتهكة شباكه. أما الرباعية فمؤيِّدة للحَكَم تنتظر إشارته لتسير بموجبها.

طبعاً إذا كان الأمر كذلك فالمباراة مهزلة. ومع ذلك ثمة إصرار عجيب على إدخالها في «المونديال». وهذا ما جرى بعد لقاء نتنياهو - أوباما، وإعلان الأخير عن تبنيه الانتقال إلى المفاوضات المباشرة قبل نهاية شهر سبتمبر. لأن نتنياهو لا يستطيع مواصلة الوقف الجزئي للاستيطان في الضفة الغربية رسمياً، ولو كان قراره بعيداً من التطبيق العملي.

والسؤال الذي لا يريد أن يجيب عنه الذين تبنوا استراتيجية التسوية والمفاوضات وبالرعاية الأميركية والتغطية الرباعية، ومن بعد بتغطية لجنة متابعة «مبادرة السلام العربية» في الجامعة العتيدة هو ما السبب في وصول التسوية والمواقف الأميركية والأوروبية والفلسطينية - العربية الرسمية إلى هذا المستوى من التآكل حتى بالنسبة إلى القرار 242؟ وقد بدأ هذا التآكل المريع عملياً مع مؤتمر مدريد ثم اتفاق أوسلو، ثم مؤتمر أنابوليس، وأخيراً وليس آخراً مع عهد إدارة أوباما ومشاريع جورج ميتشل المتآكلة بدورها. وذلك بمعنى المتنازلة إلى المستوى الراهن والمتجهة، بالتأكيد إلى المزيد من التنازل - التآكل.

التنازل الأول بالرغم مما غُلف به في حينه من تشدد بدأ مع برنامج النقاط العشر 1973/1974، ثم القرار العربي في غسل اليدين من خلال شعار «م.ت.ف الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني 1974»، ثم قرار إعلان الاستقلال في المجلس الوطني في الجزائر 1988 حيث تضمن الاعتراف الفلسطيني بالقرار 242، وأصبح مشروع «إقامة دولة فلسطينية» في «حدود» 4 يونيو 1967، على أولوية البرنامج الفلسطيني فالعربي فالدولي. ثم جاء الإقرار بمبدأ المفاوضات تحت الرعاية الأميركية في مؤتمر مدريد 1991/1992، ثم جاءت الضربة القاضية للمرحلة السابقة من خلال توقيع اتفاق أوسلو 1993 حيث فتح الباب للمفاوضات المباشرة الفلسطينية - «الإسرائيلية»، والتخلي التدريجي عن حق العودة، وعن المقاومة وعن عدد من الحقوق والمبادئ التي تضمنها ميثاق «م.ت.ف» لعام 1968 (لعبة تعديل بعض البنود) ثم المدى الذي وصلته مفاوضات كمب ديفيد، حيث أخذت تمس حتى المسجد الأقصى وغالبية القدس. وهنا أفشل الرئيس ياسر عرفات المفاوضات وبدأ يغير عملياً في استراتيجية اتفاق أوسلو، ولا سيما حين دعم الانتفاضة وحتى المقاومة المسلحة مما أدى إلى انقسام ضده بزعامة محمود عباس، ثم استشهاده اغتيالاً على يد شارون، وبتواطؤ إدارة بوش الابن، ولا يجب إعفاء بعض القادة العرب من التواطؤ كذلك. ثم بدأ مسلسل المزيد من التنازلات الخطيرة مع الانقسام الفلسطيني حين سُلمت الحكومة الفلسطينية لسلام فياض، وأُعيد تنظيم الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية من خلال كيث دايتون. أما على المستوى السياسي فقد أرسى مؤتمر أنابوليس مستوى أدنى للتفاوض المباشر حوله. ففي هذه المرحلة أصبح علامة الموقف الأميركي - الأوروبي - الروسي - الأمانة العامة لهيئة الأمم المتحدة من خلال الرباعية التي تبنت خريطة الطريق. وهذه ربطت حلّ القضية بالمفاوضات، مع وضع حتى قرار 242 وقرارات دولية أخرى على الرف، ولكن أسمتها مرجعية لكي تغطي شكلياً على الموقف الفلسطيني والعربي الذي قبل بهذا المستوى الفاضح من التنازلات.

منذ مجيء أوباما أخذ يتراجع أمام نتنياهو خطوة بعد خطوة من دون أن يكلفه ذلك شيئاً من الجانب العربي - الفلسطيني. وقد وصل الآن إلى دعم مطالبة نتنياهو بالانتقال إلى المفاوضات المباشرة من دون وقف الاستيطان. وهنا لا بد من العودة للسؤال : ما السبب في وصول عملية التسوية والمواقف الأميركية - الأوروبية - الفلسطينية والعربية الرسمية إلى هذا المستوى من التآكل في تسليم مستقبل كامل القضية الفلسطينية للمفاوضات برعاية أميركية مباشرة أو غير مباشرة، وقد تماهت مع الموقف الصهيوني، فيما المفاوض وراعيه الموقف المصري وصلا إلى مستوى من الضعف والوهن إلى حدود ما كان لأحد أن يتصورها أو يتفهمها؟

الجواب ببساطة : إلى جانب الطمع الصهيوني غير المحدود في ابتلاع المزيد فالمزيد من الأرض الفلسطينية، وتهجير المزيد فالمزيد من الفلسطينيين ممن بقوا فيها، وإلى جانب التواطؤ العالمي مع السياسات «الإسرائيلية»، فإن ما أبداه المفاوض الفلسطيني والعربي من استعداد للتنازل عن سقفه المتدني السابق، مرة بعد أخرى، يتحمل مسؤولية إضافية بتغذية هذا الطمع وذلك التواطؤ، وإلى أطول مدة ممكنة، ما دام كل تعثر سيُحل بتنازل عربي - فلسطيني جديد.

بكلمة أخرى إن سياسة التراجع الفلسطيني - العربي المتواصل وبلا توقف، وبلا غضب ولو لمرة واحدة فقط هي التي زادت طمع نتنياهو ومن قبله أولمرت وليفني وشارون وباراك وبيريز بالمزيد فالمزيد من التنازلات الفلسطينية. ثم لماذا لا يتراجع أوباما حتى في القضايا الإجرائية أمام ضغوط اللوبي اليهودي الأميركي، ما دام المعنيون من القادة العرب والفلسطينيين لن يُحرجوه، أو يكلفوا أميركا خسارة واحدة. وبهذا يكون المتهافتون على التسوية فلسطينياً وعربياً هم الأكثر مسؤولية في التنازلات الأميركية والدولية عن مواقف سابقة تمس القضية الفلسطينية، وقد شجعت عملياً على الوضع الاستيطاني والتهويدي في القدس والضفة الغربية.

وبلغة المونديال هل يلام هدافو الخصم حين ينهون المباراة بـ 12 هدفاً مقابل صفر، لينتهوا بحرق قميص القضية الفلسطينية إذ أصبحت بلا حارس مرمى أو خطوط دفاع؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 26 / 2165357

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2165357 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010