الأربعاء 23 نيسان (أبريل) 2014

فلسطينيو لبنان وأسئلة اللحظة..؟

الأربعاء 23 نيسان (أبريل) 2014 par علي بدوان

برزت في الفترات الأخيرة وبشكلٍ صارخ المخاوف الكُبرى من اندلاع هزات دموية عنيفة داخل وعلى محيط المخيمات والتجمعات الفلسطينية فوق الأرض اللبنانية، خصوصاً في منطقة صيدا حيث يقع مخيما «عين الحلوة» و«المية مية». مخيم عين الحلوة، هو المخيم الفلسطيني الأكبر في لبنان من ناحية عدد السكان، إذ يقطنه نحو «70» ألف لاجئ فلسطيني ومعهم بضعة آلاف من فلسطينيي سوريا الذين وصلوا إلى مخيم عين الحلوة قبل أكثر من عام مضى.

المخاوف ماثلة للعيان ومُباشرة، وما وقع الأسبوع قبل الماضي نذير شؤم، حيث وقعت اشتباكات دموية مؤسفة اندلعت شراراتها لحسابات لاعلاقة لها بالحسابات الوطنية الفلسطينية، وسقط فيها نحو تسعة شهداء وأعداد مضاعفة من الجرحى، كان منهم المُسعف والعامل في الحقل الاجتماعي الشهيد طارق الصفدي الذي قُتِلَ خلال تأديته واجبه الإنساني في مخيم «المية مية» حيث كان يقوم بتأمين مساعدات إنسانية للنازحين الفلسطينيين من سوريا، فأضيئت الشموع في مستشفى «النداء الإنساني» في مخيم عين الحلوة، تحية لروحه ولروح جميع الضحايا الأبرياء.

الاشتباكات وقعت بين جهتين، الأولى تسمي نفسها «أنصار الله» بقيادة الفلسطيني اللبناني جمال سليمان، والثانية تسمي نفسها بـ «كتائب العودة» بقيادة الفلسطيني السوري أحمد عدوان رشيد، وتلك الجهتان محسوبتان على الفلسطينيين بالرغم من عدم وجود أي علاقة لأيٍ منهما مع أيٍ من فصائل العمل الوطني الفلسطيني المعروفة والمُعترف بها في إطار منظمة التحرير الفلسطينية وفصائل قوى التحالف المعارضة، فهما حالتان مفروضتان بحكم الواقع ولايتعدى حضورهما حدود منطقة ضيقة بين مخيمي «عين الحلوة» و«المية مية».

الأحداث المؤسفة جرت، فيما كانت عموم القوى الفلسطينية ودون استثناء قد تقدمت وبمبادرة من حركتي حماس وفتح بخطوة جديدة من خلال إطلاق «المبادرة الفلسطينية الموحدة» في الثامن والعشرين من مارس 2014، والهادفة لتجنيب الفلسطينيين في لبنان من مزالق طفرات التدهور في الوضع الداخلي اللبناني على مستوياته السياسية والأمنية، حيث أكدت تلك المبادرة التي تبنتها سائر القوى الفلسطينية دون استثناء، أكدت «حرصها على السِلم الأهلي في لبنان وعلى تحييد المخيمات والتجمعات الفلسطينية، وأن الفلسطينيين في لبنان لن يكونوا إلا عامل استقرار في هذا البلد»، ورفض «استخدام المخيمات والتجمعات والحالة الفلسطينية في سوق الاستثمار المحلي من قبل أي طرف آخر، لضرب السلم الأهلي في لبنان والعبث بأمن لبنان وبأمن المخيمات وبأمن اللبنانيين والفلسطينيين». وبالتالي في تأكيد موقف الإجماع الوطني الفلسطيني الذي يقول بحيادية الفلسطينيين تجاه كل القضايا الداخلية اللبنانية واحترامهم حرمة القانون اللبناني.

وعليه، جاءت تلك الأحداث الدموية والتي جرى تطويقها، لتطرح العديد من الأسئلة عن الجهات التي أطلقت أو التي ساهمت بإطلاق شراراتها، وهي جهات غير مسؤولة ولايهمها المصير الذي سيقود الحالة العامة للفلسطينيين في لبنان إذا ما استمرت تلك الأمور على المنوال ذاته.

ولانحيد عن الحقيقة حين نقول بأن هناك مُحاولات حثيثة تبذل من وقتٍ ليس بالقصير من قبل بعض الأطراف، وقد تم توثيقها، وتهدِفُ بالأصل لجر الفلسطينيين وتحديدًا أبناء مخيمي «عين الحلوة» و«المية مية» في منطقة صيدا للدخول في مستنقع حالة الفلتان الأمني والعسكري في مدينة صيدا وجوارها والالتحام بظواهر مُتطرفة غير فلسطينية باتت ترى في مخيم عين الحلوة ملجأ لها. وهي جهات أمنية لايهمها الاستقرار، بل تشجع الانفلات وتريد مخيم «عين الحلوة» بؤرة أمنية تنفيذاً لأجندات محلية وخارجية في نفس الوقت، وهي أجندات تتاجر بالفلسطينيين ولاتريد الخير لهم، بل وتريد استخدامهم في مستنقع الأزمات السياسية التي تضرب لبنان منذ فترات طويلة.

في هذا السياق، علينا أن نقول أيضاً وبكل صراحة ووضوح بأن حالة التهميش والحرمان التي يعاني منها فلسطينيو لبنان، حيث الوضع الإنساني الصعب الذي ما زال يكابده هذا الجزء العزيز من أبناء فلسطين بفعل الإجراءات والتشريعات اللبنانية المجحفة والمتقادمة أصلاً منذ العام 1948 تساعد على جعل تلك المخيمات والتجمعات بؤراً للتوتر، ومدخلاً لولوج المجموعات المتطرفة الآتية من جهات مُختلفة وغالبيتها غير فلسطينية، كما وقع في قصة تنظيم «فتح الإسلام» عام 2007 في مخيم نهر البارد شمال لبنان، حين تبيّنَ بأن مُعظم جسم هذ التنظيم لم يكن فلسطينياً على الإطلاق وأن تلطى براية فلسطينية. إن حال فلسطينيي لبنان يرثى لها، فلا صوت في لبنان يعلو فوق أصوات المزايدات التي تُطلق حين انبعاث أي صوت لبناني على مستوى الحكومة أو أي من الأحزاب اللبنانية يطالب بإنصاف هذا التجمع الفلسطيني وإعادة النظر بسلسلة الإجراءات والقوانين المُجحفة بحق فلسطينيي لبنان، خصوصًا بالنسبة للعمل والسكن والتملك. فأصوات المزايدات تنطلق في معزوفة استخدامية عنوانها «بعبع التوطين» والحفاظ على حق العودة للفلسطينيين، وتحت مفردات تلك المعزوفة وقعت حالات الهجرة الواسعة لفلسطينيي لبنان نحو أصقاع المعمورة الأربعة، فهناك نحو «400» ألف فلسطيني لبناني لم يعد لهم من مكان ولا حتى قيود رسمية في لبنان بعد هجرتهم الطويلة التي تسلسلت بعد العام 1982، ولم يعد في لبنان حاليًّا أكثر من «220» ألف فلسطيني، كان من المفترض أن تكون أعدادهم قد قاربت نحو «700» ألف مواطن طبقًا لحسابات النمو السكاني، حيث دخل إلى لبنان عام النكبة نحو «120» ألف فلسطيني جرى بين عامي «1949 - 1950» تجنيس نحو «30» ألفا منهم، كانت غالبيتهم من مسيحيي فلسطين وتحديدًا من قرى الجليل الأعلى والغربي شمال فلسطين «البصة، الكابري، البعنة، أقرت، كفر برعم، عيلبون، ترشيحا،...» ومدن طبريا وعكا وصفد وحيفا ويافا.

إن أصحاب معزوفة «بعبع التوطين» يريدون أن تبقى حال فلسطينيي لبنان على ما هي عليه: تجمعات ومخيمات بائسة يفترِشُها الحرمان، مع النظر إليها باعتبارها جزراً أمنية عصية على الدولة، بالرغم من دعوة منظمة التحرير الفلسطينية وعموم القوى الفلسطينية المتكررة للجهات اللبنانية لفرض وبسط السيطرة الأمنية على كامل التجمعات والمخيمات الفلسطينية أسوة بكل المناطق اللبنانية. وعليه، إن أسئلة اللحظة تطرح على الجميع ضرورة الحكمة والعقل، وروح المسؤولية التي تفترض بجميع القوى الفلسطينية، وخصوصاً منها القوى المسؤولة ذات الحضور والنفوذ بين الناس أن تُبادر لاستكمال مابدأت به من أجل الحفاظ على أمن وأمان المُجتمع الفلسطيني في لبنان، ودرء المخاطر التي قد تستهدفه. فيكفي الفلسطينيين ماوقع بهم من مصائب في أكثر من مكان.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 21 / 2165235

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع علي بدوان   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2165235 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010