الأحد 20 نيسان (أبريل) 2014

حول حقائق الانقسام الفلسطيني

الأحد 20 نيسان (أبريل) 2014 par علي جرادات

أفضى “اتفاق أوسلو”، (فيما أفضى)، إلى إطلاق ديناميكية تفكيكية لبنى المرجعية الوطنية الفلسطينية التمثيلية الجامعة، منظمة التحرير الفلسطينية . وبالنتيجة انتقل مركز القرار الفلسطيني إلى “السلطة الفلسطينية” المقيدة بشروط “أوسلو” وإملاءاته والتزاماته السياسية والأمنية والاقتصادية . وزاد الطين بلة تصاعد التنافس بين قيادتي “فتح” و“حماس” وصولاً إلى احترابهما الدموي المشحون ببطارية خطاب الردح الفئوي والكراهية والتخوين والتكفير . هنا، وبالنتيجة أيضاً، دخل مركز القرار والمشروع الوطني الفلسطيني أتون انقسام سياسي-جغرافي بسلطتين تنفيذيتين ومؤسستيْن أمنيتيْن وأجندتين متباينتيْن لكل منهما تحالفات ومصادر تمويل خارجية خاصة . بهذا صار العامل الوطني ملعباً عوض أن يكون لاعباً، وتعقدت لوحة التناقضات الفلسطينية الداخلية وتشعبت وتشوشت إلى درجة انتهاك الضابط الأساسي لأي خلاف داخلي، أعني ضابط أن التناقض الأساسي هو بين الهوية الوطنية الفلسطينية والمشروع الصهيوني، وبين التطلعات التحررية الفلسطينية واستباحات الاحتلال وسياساته التوسعية العدوانية الدائمة والمتصاعدة سياسياً وميدانياً . هنا يثور السؤال المحوري: صحيح أن من غير الممكن الفصل بين الانقسامات الفلسطينية الراهنة بأشكالها و“اتفاق أوسلو”، لكن هل كان خلاف “حماس” و“فتح” حول هذا الاتفاق هو السبب الوحيد أو الأساسي لهذا الانقسام الأخطر في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية منذ انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة في أواسط ستينات القرن الماضي؟!
صار البحث في هذا السؤال مشروعاً للأسباب-الحقائق- الأساسية التالية:
* أولاً: صحيح أن الانقسام وقع في يونيو/حزيران ،2007 لكنه لم يكن سوى النتيجة الأخطر لفشل كل محاولات ضم حركة “حماس” للإطار الوطني الجامع، منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة “فتح” . ما يعني أن تنافس “حماس” و“فتح” سبق توقيع اتفاق أوسلو، ،1993 بل وبدأ منذ تأسيس “حماس”، ،1988 وفي ظل الانتفاضة الشعبية الكبرى، ،1987 التي وحّدت الشعب الفلسطيني بفصائله السياسية وطبقاته الاجتماعية وقطاعاته المجتمعية وأجياله المختلفة، وفي أماكن وجوده كافة، وبصورة غير مسبوقة، بينما اختارت قيادة حركة “حماس” منازعة قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، والبقاء خارج إطار “القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة”، حيث فشلت كل حوارات ومحاولات ضمها إلى الإطار الوطني الجامع . وكان لافتاً مطلب قيادتها بالحصول على 40% من عضوية “المجلس الوطني” شرطاً لذلك .
* ثانياً: كان من شأن إصرار “حماس” على البقاء إطاراً موازياً للإطار الوطني الجامع أن يكشف دوافعها الأيديولوجية والفئوية، لكن معارضة الحركة ل“اتفاق أوسلو” لاحقاً خلط الحابل بالنابل، وجعل من غير السهل التمييز بين السياسي والأيديولوجي الفئوي من أسباب خلاف قيادة “حماس” مع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية عموماً، ومع قيادة “فتح” خصوصاً . ذلك على الرغم من دلالات ما صاحب هذا الخلاف وما نجم عنه من احتراب دموي وانقسام غير مسبوقين في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية . هذا فضلاً عن دلالات أن معارضة “حماس” ل“اتفاق أوسلو” لم تمنع مشاركتها في انتخابات “المجلس التشريعي” ل“السلطة الفلسطينية” وتشكيل حكومتها العاشرة في العام ،2006 وعن دلالات إقدامها على حسم السلطة واقتسامها بوسائل عسكرية، علاوة على أنها لم تركز في حواراتها واتفاقاتها مع قيادة “فتح” لإنهاء الانقسام لا على الأساس السياسي للوحدة، ولا على سؤال تعاقد “اتفاق أوسلو” السياسي كقضية وطنية محورية، إنما على حصة كل منهما من كعكة السلطة الفلسطينية لا بوصفها غاية بحد ذاتها إنما بوصفها أداة لتحديد الوزن في القرار الوطني العام .
* ثالثاً: لعل الأهم من كل ما تقدم هو دلالات بلوغ الانقسام عامه السابع، حيث فشلت كل الوساطات والاتفاقات بين طرفيه، وما أكثرها، في إنهائه وطي صفحته السوداء، بينما لا يلوح في الأفق توافر إرادة سياسية جادة لإنهائه، فيما يعلم الجميع أنه بما أفضى إليه من إضعاف للعامل الوطني الفلسطيني يشكل ربحاً صافياً للاحتلال، بل هو ما يشجع حكومة نتنياهو على التمادي السياسي إلى درجة أن تطالب الشعب الفلسطيني بالتسليم بجوهر أهداف المشروع الصهيوني: الاعتراف ب“إسرائيل” “دولة للشعب اليهودي” كمطلب يعادل الاعتراف بالرواية الصهيونية للصراع، ويفتح الباب على الشطب الرسمي لحق اللاجئين في العودة، وعلى طرد مَن تبقى على أرضه من فلسطينيي ال ،48 وعلى الإقرار بشرعية ما تمت مصادرته واستيطانه وتهويده من أراضي الضفة وقلبها القدس .
إزاء الحقائق أعلاه أظن، وليس كل الظن إثماً، أن مؤشرات خلفية حدوث هذا الانقسام، عدا دمويته، وإطالة أمده، وفشل كل وساطات واتفاقات إنهائه، رغم وضوح جسامة مخاطره، هي مؤشرات أكثر من كافية للبرهنة على أن الخلط بين السياسي والفئوي والأيديولوجي من أسبابه هو خلط متعمد هدفه التغطية على أن خلاف “حماس”، أكبر حركات تيار “الإسلام الحزبي” في فلسطين، و“فتح”، أكبر تنظيمات التيار الوطني، كان منذ البدء، ولا يزال، على التفرد بتمثيل الشعب الفلسطيني، وكأننا أمام صورة طبق الأصل عن التنازع الحاصل بين أحزاب وتنظيمات التيارين في أكثر من قطر عربي . أما اختزال أسباب الانقسام الفلسطيني في السياسي منها، فأمر تفرضه الخصوصية الفلسطينية، ويتطلبه التهرب من صراحة البحث في كل أسباب الانقسام، ويحتاجه إخفاء غياب الإرادة السياسية الجادة لإنهائه، ويقتضيه الهروب من الاعتراف بحقيقة أن أعباء القضية الفلسطينية وتحديات الخروج من المأزق الوطني، لا يقوى على حملها والتصدي لها حزب واحد .
لكن، ولإزالة كل التباس، قط لم نقصد مما تقدم تبرئة “اتفاق أوسلو” ومسؤولية نهجه عما جلبه للشعب الفلسطيني ومشروعه الوطني ومؤسساته السياسية والمجتمعية الوطنية الجامعة وأدوات فعله النضالي من انقسامات كارثية، بل قصدنا المصارحة لكشف كل، وليس بعض، أسباب أخطر هذه الانقسامات، كشرط لا مناص منه للكف عن الدوران حول صحن هذا الانقسام، ولبدء التغميس فيه، أي التوصل إلى تشخيص دقيق لأسبابه كشرط لازم لمعالجته معالجة شافية . إذ هل يستطيع طبيب معالجة مرض معالجة شافية دون تشخيص دقيق لأسبابه؟! قطعاً كلا، لأن تشخيص سبب المرض نصف علاجه .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 48 / 2165272

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

8 من الزوار الآن

2165272 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 2


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010