السبت 19 نيسان (أبريل) 2014

كيري وقرار التقسيم و“الدولة اليهودية”

السبت 19 نيسان (أبريل) 2014 par عوني فرسخ

في سعي وزير الخارجية الأمريكي جون كيري لانتزاع اعتراف السلطة الفلسطينية ودول الجامعة العربية ب“إسرائيل” “دولة يهودية” استشهد مؤخراً بقرار التقسيم رقم 181 لسنة 1947 بقوله “إن القرار نص على الدولة اليهودية أربعاً وأربعين مرة” . وهو قول يشكر عليه، إذ يدلل على أن القرار الدولي لما يزل حجة قانونية تحتج بها الإدارة الأمريكية . ولكنه تجاهل في استشهاده أنه يقول كلمة حق يراد بها باطل، إذ تعاطى مع القرار الدولي بمنطق من يقرأ قوله تعالى “لا تقربوا الصلاة” ويسكت عن بقية الآية الكريمة . ذلك أن قرار التقسيم لم ينص فقط على إقامة دولة يهودية وإنما نص أيضا على أكثر من مسألة ذات صلة بالصراع العربي الصهيوني أقف معها مذكراً بالآتي:
1- صحيح أن قرار التقسيم نص على إقامة دولة يهودية على 47 .56% من أرض فلسطين . ولكنه لم ينص على أن تكون دولة المستوطنين اليهود فقط . إذ كانت تضم (407) آلاف مواطن عربي، يشكلون 97 .44% من سكانها، ويمتلكون 34 .24% من مساحتها . مقابل (498) ألف مستوطن صهيوني يحوزون 38 .9% من مساحتها فيما 04 .66% أملاك دولة وأقر لمواطنيها العرب حقوقهم المدنية والسياسية، وإنهم مخيرون بين البقاء في أرض آبائهم وأجدادهم، أو انتقال من شاء منهم للدولة العربية الفلسطينية التي نص على إقامتها .
2 - نص القرار على إقامة دولة عربية فلسطينية كاملة السيادة، ومعترف بمشروعيتها من مجلس الأمن والأمم المتحدة على 68 .42% من مساحة فلسطين، ما يقارب ضعف مساحة الضفة والقطاع المحتلين، التي تطالب السلطة بإقامة دولة على ما أبقته المستوطنات الصهيونية منها . وكان يسكن الدولة الفلسطينية المقرة دولياً (735) ألف مواطن عربي، ويمتلكون 69 .77% من مساحتها مقابل (10) آلاف مستوطن، يحوزون 84 .0% من مساحتها، فيما 74 .20% منها أملاك دولة .
3- كما نص على أن تكون منطقة القدس دولية، بحيث تمتد من أبوديس شرقاً إلى عين كارم غربا، ومن شعفاط شمالاً إلى بيت لحم جنوباً . وكان مواطنوها العرب (105) آلاف يشكلون 41 .51% من مواطنيها ويمتلكون 7 .84% من أراضيها، مقابل (100) ألف مستوطن، يحوزون 01 .7% من أراضيها، والباقي أملاك دولة .
صحيح أن “الهيئة العربية العليا” لفلسطين، ودول الجامعة العربية، والدول الإسلامية، والهند وكوبا واليونان عارضت قرار التقسيم لمجافاته الواقع الذي كان قائماً في فلسطين، وطالبت بدولة فيدرالية عربية ويهودية . لكن الذي حال دون تنفيذ القرار الدولي إنما كانت الأمم المتحدة التي لم تضع آلية لتنفيذه بداية . ثم شكلت “لجنة التوفيق” الدولية، برئاسة أمريكية، للإشراف على تنفيذه، ولكن اللجنة لم تمارس أي ضغط على القيادة الصهيونية لإلزامها بالقرار الدولي، ولم ترجع لأمين عام الأمم المتحدة ومجلس الأمن لفرض ذلك . وإنما شغلت بالبحث في توطين اللاجئين في البلاد العربية .
والقرار الدولي لم يسقط بالتقادم، والدليل استشهاد الوزير كيري به مؤخراً . ولا أحسبن الوزير يجهل ما كان قد قاله الرئيس الراحل جمال عبدالناصر لوزير الخارجية الأمريكي جون فوستر دالاس، عندما استقبله في القاهرة في مايو/ أيار 1953 من أن حل الصراع العربي الصهيوني لا يتطلب مفاوضات، لأنه موجود في القرارات الدولية، وعلى الدول الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، أن تلزم “إسرائيل” بالتنفيذ إن كانت تسعى حقاً للأمن والاستقرار في المشرق العربي .
ولا أظن أن وزير الخارجية الأمريكي وهو يجاهد لانتزاع الاعتراف العربي ب“إسرائيل” “دولة يهودية” يجهل أنه يجدف ضد تيار التاريخ الذي ألقى بالدعوة العنصرية إلى مزبلته، ولا أحسبه قد نسي مساهمة المجتمع الأمريكي في طي صفحة نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، والمصالحة التاريخية التي أجراها المؤتمر الوطني الإفريقي بقيادة نلسون منديلا مع المستوطنين البيض لإقامة النظام الديمقراطي الليبرالي في جنوبي إفريقيا .
واليوم وقد فقدت “إسرائيل” بشكل واضح قدرة فرض الانتصارات العسكرية المبهرة، فيما القوى العربية الملتزمة بخيار الممانعة حافظت على قدرتها التاريخية في منع الاستسلام . بل وغدت قادرة على أن تعيد الكيان الصهيوني إلى حجمه الطبيعي، الذي أجاد في توصيفه يوري أفنيري بقوله: لقد عدنا إلى الغيتو، عدنا يهوداً خائفين، حتى ونحن نرتدي الزي العسكري، حتى ونحن نمتلك أحدث الطائرات والدبابات، حتى ونحن نمتلك السلاح النووي" .
و“إسرائيل” اليوم، حين النظر إليها بمعزل عن التضخيم الإعلامي باتت مجرد “محمية أمريكية” يستشهد الوزير كيري بجزئية من قرار التقسيم المنشئ لها، كي يؤمن لها بقاءها في المشرق العربي، المعروف تاريخياً بقدرته الفذة على دحر الغزاة . واليوم والقطبية الأمريكية تعيش بداية نهاية قدرتها على تطويع إرادة الشعوب العربية، والمثال الحي ما شهدته مصر من تراجع أمريكي عن رهانها الفاشل على جماعة الإخوان المسلمين، واضطرارها لإعلان قبول قرار شعب مصر وجيشها الوطني .
هذا هو الواقع الدولي والإقليمي والعربي المستجد، والذي ينطوي على مؤشرات واعدة، يضع قوى الممانعة والمقاومة العربية عامة، والفلسطينية منها خاصة، أمام فرصة تاريخية لتصحيح الأخطاء التي ارتكبت بحق الشعب العربي الفلسطيني، في تقرير المصير، واستعادة كامل حقوقه الوطنية المشروعة، وذلك بالانتفاض مجدداً ضد ما رسّبه اتفاق أوسلو كارثي النتائج من قعود عن العمل طويل النفس لكنس كل تراكمات سنوات الترهل والتردي، والتقدم الجاد نحو إقامة الجبهة الوطنية الملتزمة بالثوابت الوطنية، والقادرة على لجم اندفاعة غلاة الصهاينة في عمليتي الاستيطان والتهويد والممارسات العدوانية العنصرية، ما يدفع لتفاقم حدة أزمات التجمع الاستيطاني الصهيوني . وقد غدا كثير من المحللين السياسيين والمفكرين الأوروبيين والأمريكيين، ومن أبرزهم هنري كيسنجر، يتحدثون عن قرب نهاية المشروع الصهيوني .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 26 / 2165848

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165848 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010