الخميس 15 تموز (يوليو) 2010

سربرنيتشا وأخواتها العربيات

الخميس 15 تموز (يوليو) 2010 par معن البياري

رحم الله ياسر عرفات، تبرّع بمبلغ رمزيّ لبناء النصب التذكاري لضحايا مذبحة سربرنيتشا في البوسنة، تضامناً من الشعب الفلسطيني مع أهالي نحو 8000 ضحية، قضوا في المقتلة الأسوأ في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.

تأتي تلك الواقعة إلى البال بمناسبة إحياء ألوف البوسنيين الأحد الماضي الذكرى الـ 15 للمذبحة، وهي مناسبةٌ تستدعي إلى أذهاننا حرمان ألوف العرب، ضحايا مذابح غير قليلة، من نُصُب توثّق أسماءهم وتحميها من النسيان.

والأرشيف العربي مثقلٌ بفظائعَ عديدة، قبل وبعد دنشواي والطنطورة وقانا ودير ياسين وقبية والعامرية وصبرا وشاتيلا ودارفور وتل الزعتر وبحر البقر ومروحين وبيت حانون والفاخورة.. وغيرها.

ولا شطَطَ في القول إن اعتداءً جسيماً يتمّ على ضحايا تلك الجرائم، حين يتكرر اعتبارهم مجرد أرقام في ذلك الأرشيف. لا نُصبَ تذكاريةً لهم في مطارح قتلهم، بسكاكين وبلطات ورصاص أحياناً، وبصواريخَ غير عمياء أحياناً أخرى.

في إحياء الذكرى الجديدة لضحايا مذبحة سربرنيتشا، تمَّ استذكار أسمائهم مجدّداً، وكان بعض أهاليهم قد رفعوها على لافتات أمام محكمة العدل الدولية قبل عامين، تدليلاً على احترام إنسانيّ لكل فرد منهم. تماماً كما في جبل من أحذية عديدين قضوا في جرائم صربية في البوسنة، تم تدشينه في برلين قبل أيام، وأُعطي اسم «العار».

وكانت فكرةً خلاقةً تلك التي اجترحها مركز خليل السكاكيني في رام الله، عندما نظّم معرضاً آسراً لمتعلقات شخصيّة وحميميّة لأول مائة شهيد في الانتفاضة الفلسطينية، وبأسمائهم وصورهم، ممن راحوا بنيران «إسرائيلية» عند الحواجز وفي منازلهم.

وجال المركز به في مدن عربية، منها أبوظبي والشارقة. لم يواصل الفلسطينيون تلك الفكرة البديعة، وكان طيباً من حكومة «حماس» في غزة أنها أنجزت، قبل شهور، لوحةَ شرف لأسماء الشهداء الـ 1411 في الحرب على القطاع.

مؤلمٌ أن نغبط شهداء سربرنيتشا على حماية أسمائهم من النسيان في كلّ عام، وعلى أن يكون لرفات كل منهم قبر، فيما لا مقبرةَ لائقةً لنظرائهم ضحايا «صبرا وشاتيلا» (بينهم لبنانيون وسوريون ومصريون). وكانت مساهمةً ممتازةً من بيان نويهض الحوت، توثيقُها الجريمةَ وأسماء ضحاياها في كتاب عظيم الأهمية.

قرأنا الفاتحة على أرواحهم لما زرنا ساحةً صغيرة هناك، قيل لنا إن تحت ترابها جثثهم. وقرأنا الفاتحة على ضحايا ملجأ العامرية في بغداد، وهم 408 شهداء، لما زرناه قبل الاحتلال. شاهدنا صورَهم في الملجأ الذي توسّلوا فيه حمايتَهم من جنون القوة الأميركية، ونُتفاً من جلود بعضهم على حيطانه، وكانوا قد احترقوا في قصف أميركي بقنبلتين، تزنُ كلٌّ منهما ألفي رطل.

لا يُؤتى في العراق الراهن على ذكرى تلك المقتلة، ومع كل الاحترام لضحايا مذبحة حلبجة من أشقائنا الأكراد، ومع التسليم بالحقّ في محاكمة مرتكبيها ومحاسبتهم أياً كانوا، فإن إقامة نصب لهم، بحضور كولن باول بعد شهور على بدء الاحتلال، يبقى منقوصَ الدلالة الرمزية، طالما أنه يتوازى مع تجهيل مريع بشأن ضحايا عراقيين آخرين عديدين، منهم من راحوا في مذبحة ملجأ العامرية، ولم تتحدّد المسؤولياتُ في قتلهم، وفي البال أنّ باول كان رئيساً للأركان الأميركية إبانها.

تنبغي المحافظة على بقاء موتى ملجأ العامرية أولئك في الذاكرة العربية، والتلاميذ المصريين في مذبحة بحر البقر «الإسرائيلية»، وإخوانهم تلاميذ مدرسة الفاخورة الفلسطينيين.

وكما الذين قتلهم مناحيم بيغن وعصابته في دير ياسين مثلاً، كان طيباً من ناشطين ومتبرعين فلسطينيين وأميركيين ويهود، أنهم أنجزوا منحوتةً برونزيةً لشجرة زيتون تُذكّر بهم، ونصبوها في نيويورك، لإبقائهم في البال ما أمكن.

يحتاج فلسطينيون وعرب كثيرون غيرهم، ماتوا في غير مذبحة ومجزرة، أن يبقوا دائماً في الذاكرة، يسّر التأشير إليهم هنا، إحياءٌ مستجدٌّ لضحايا مذبحة سربرنيتشا.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2166097

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2166097 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010