الخميس 17 نيسان (أبريل) 2014

ما بعد “الربيع” العربي

الخميس 17 نيسان (أبريل) 2014 par صالح عوض

انتهت مرحلة الربيع العربي عند بوابات دمشق. وهنا أصابها التلوث الذي نال الكبد منها والعقل فانكسرت حدتها ولم تستطع المحافظة على نبيل شعاراتها ومقاصدها فانتكست لتصبح شيئا آخر.. وبإمكاننا القول بوضوح إن نتائج مرحلة الربيع العربي أصبحت فاجعة العرب المعاصرة في أكثر من مكان.. في ليبيا وتونس واليمن ومصر وسوريا.. في الانقسام الاجتماعي والسياسي والصراع الداخلي. وأخطر من ذلك كله اختلاط الأهداف النبيلة بالمقاصد السيئة الرديئة.

ما بعد الربيع العربي.. هي مرحلة لها سماتها ومناخها ومعطياتها. ولها أيضا رجالها وخطابها.. مرحلة التقييم لما حصل من فورة اقتربت أحيانا من سمات الثورة ولم تبلغها في أي حالة كانت.. مرحلة تقييم كم خسرنا وكم حققنا من إنجازات؟ لماذا لم يواصل الحراك الشعبي مداه نحو غاياته؟ أين اختلطت الأمور على الجماهير وقواها السياسية؟ أين قامت قوى الظلام بقطع الطريق على الانتفاضات الشعبية وحولتها عن مقاصدها؟ أين وصلت حالة النفوذ الاستعماري جراء مرحلة الربيع العربي؟ وما علاقة ذلك كله بالصراع العربي الإسرائيلي؟ وما علاقته بطبيعة العلاقات البينية في المنطقة وعلاقة الإقليم بالتوجهات الأمريكية المستحدثة؟

الأسئلة السابقة وسواها تستدعي إجابة واضحة.. وهي تحتاج من الوقت والجهد ما تلقي مسؤوليته على مراكز دراسات وتحليل استراتيجي استشرافي. وهنا لا نستطيع إلا الإشارة بالإجابة عن بعض هذه الاسئلة. ويكفي هنا التأكيد على ضرورة بذل الجهد العقلي لإنجاز تقييم علمي.

من بين أهم المعطيات التي برزت في مرحلة الحراك العربي حضور التيار الإسلامي الإخواني والسلفي كقوة رئيسة في جسم الحراك الشعبي رغم أنه قد حصل تأخر ما في انخراط التيار الإسلامي رسميا في الحراك إلا أنه لا يمكن إغفال ما للتيار الإسلامي من قوة في الشارع. الأمر الذي كان بمثابة الامتحان الأكثر صعوبة للتيار الإسلامي ومقولاته وشعاراته وخطابه السياسي.. فلقد عاش التيار الإسلامي السياسي منذ عشرات السنين عقلية المعارضة وفلسفتها ونفسية المظلوم والمحاصر وروح المتردد.. وفجأة وجد الإسلاميون شعوبهم ترفعهم على الأكف والأكتاف تضعهم على سدة الحكم وتمنحهم ثقة واسعة لم تمنح لسواهم قبلهم بشكل نزيه وشفاف.. هنا كان الامتحان الحقيقي للفكرة الإسلامية المعاصرة التي اكتشفت أنها لم تعد لمثل هذا اليوم شيئا وأنها تقف أمام التحديات بلا رصيد فكري أو سياسي ودونما فهم لطبيعة الحكم وفلسفته. ولتعويض هذا الخلل الكبير احتل الخطاب الدعائي مكان العقل والعلم.. وبدون روح مسؤولة تم علاج أوضاع سابقة ودونما قراءة واقعية للإقليم وارتباطاته وللبلد ودوره وإمكانات قيامه بدوره.. وما هي العلاقة بين صعوده للحكم وتواجد إسرائيل بالقرب منه، وما أثر كل منهما على الآخر.

ظهرت الحزبية السياسية والتنظيمية بوضوح بل والسياسة والسلوك الذي من شأنه أن يعود على الحزب وخطة الحزب بالأثر دونما تمعن بطاقات الشعب وقواه الحية.. لم يرتق الإسلاميون إلى فهم أن المجتمع كله إسلامي رغم وجود علمانيين فيه. فمجتمعاتنا لا انتماء حضاري لها إلا في إطارها العربي الإسلامي مع حفظ الحقوق كاملة على أساس من مبدإ المواطنة مع غير المسلمين في المجتمع.. كان من الصعب على الأواصر التنظيمية التي تكلست عبر عشرات السنين أن تستبدل بعلاقات المواطنة والاهتمام بقضية الوطن وليس قضية الحزب.. لقد غاب عن الإسلاميين ترتيب الأولويات التي يعنى بها المجتمع كله وليس الحزب. كما غاب عنهم ترتيب الأعداء فلقد استبدلوا الفهم كقاعدة لاتخاذ الموقف بالأمنيات والرغبات فجاءت انتكاساتهم من حيث لا يشعرون.. عادوا أطرافا كان يمكن أن يكونوا معها حلفاء وصادقوا أطرافا كانت هي الأعداء.. كما أن عدم إدراكهم لمراكز قوى المجتمع الثابتة دفعهم إلى الاعتقاد أن مجرد محصلة صناديق الانتخابات تمنحهم شرعية لم يدرك الإسلاميون شرعية الواقع بما فيه من قوى متحكمة في المجتمع وكيفية التعاطي معها.

إن تيارا بهذه الضبابية وهذه الفوضى لا يمكن أن يستمر في حكم شعب خرج لتحقيق كرامته ولقمة عيشه.. إن تيارا بهذه العبثية سيقود البلاد إلى حالة كارثية إن تمكن من تسيير الأمور.. وينبغي أن لا ينبري أحد للرد على هذا القول على اعتبار أن التيار الإسلامي مظلوم وهو يريد الإسلام وتطبيقه.. هذا كلام مردود بالعلم والشرع.. فالعلم لا يحابي الجهلة.. هناك أسئلة من يجيب عنها بصحة وحسم ووضوح ينجح.. أما الشرع فإنه لا يحابي أحدا عند الخطإ.. إنها المقدمات التي تقود إلى نتائج وإنها السنن التي ترسم معالم المرحلة القادمة.. وهنا ينبغي عدم حصر مستقبل قيم الإسلام ومنهجه بحزب أو شخصية ما. فالإسلام دين الأمة وهي جميعا حارسته والمدافعة عنه وعن تراثه..

التيار الإسلامي لم يحقق الانتقال المطلوب للحكم فهو تربع على كرسي الحكم ولكن بروح المعارضة والمظلومية والفئة.. كانت هذه هي نقطة الخلل التي حرمته الاتفاق على مشترك والتدرج نحو تطبيق ما يتم الاتفاق حوله.. ثم كان من المفترض أن يستدعي نقاشا وطنيا موسعا.. صحيح أن هناك قوى مضادة كثيرة لا هم لها إلا التخريب والإرباك، ولكن كان لا بد من محاصرتها بمزيد من الأداء المتجاوز المبادر..

لقد انتهى الأمر بالإسلاميين إما إلى السجون كما هو حاصل في مصر أو التخلي عن الشريعة كما هو حاصل في تونس أو الانخراط في حرب مجنونة في سوريا تهدد وحدة البلد شعبا وأرضا... أجل إن المشروع الإسلامي يمر بانتكاسة خطيرة سببها المباشر أنه لم يعد نفسه لمثل هذا اليوم وتحدياته.. وهاهو يصطدم مزودا بمقولاته وأفكاره الخاصة بواقع متعب يطرح أسئلة متوالية بتحديات متشعبة..

هل يمكن استدراك ما تبقى من الكأس؟ أجل.. لا بد من عقل رسالي لا يفكر بالانتحار والعناد غير المفيد.. بل بالرحمة للناس. فهنا تحسب الأمور بالمنفعة والمصلحة وتجنيب البلد مزيدا من الخسائر وهذا يستدعي فتح باب الحوار والتباحث والحلول الوسط..

إلا أنه من الإنصاف أن نستثني النموذج السوداني بعد أن أعيت تجربة التناحر الحزبي البلد وأرهقته هاهم السودانيون جميعا يلتقون على مائدة حوار وكل شيء قابل للنقاش للخلوص إلى دستور يصنعه الجميع وبرنامج يسهم فيه الجميع لإنقاذ السودان.. الأمر الذي يجعله النموذج المبادرة والقدوة للخروج من مأزق الفكر الإسلامي والقومي والوطني.. تولانا الله برحمته.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 52 / 2165923

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع صالح عوض   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165923 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010