الخميس 15 تموز (يوليو) 2010

مراجعات ما بعد «صدمة» أوباما

الخميس 15 تموز (يوليو) 2010 par د. محمد السعيد ادريس

الصدمة التي أحدثها اللقاء الذي جرى الأسبوع الماضي بين الرئيس الأمريكي باراك أوباما في واشنطن ورئيس الحكومة «الإسرائيلية» بنيامين نتنياهو وخاصة الوعود التي قدمها الرئيس الأمريكي بخصوص عملية السلام والقبول بإعطاء الأولوية في المواجهة لإيران وبرنامجها النووي ودعم القدرات النووية «الإسرائيلية»، لم تقتصر على العرب فقط ولكنها امتدت أيضاً إلى «الإسرائيليين» أنفسهم، ولكنها كانت «صدمة سعادة» عكس ما كانت عليه بالنسبة للعرب والإيرانيين .

وإذا كان الإيرانيون قد أخذوا ما ورد من تعهدات أمريكية محمل الجد، وبدأوا على الفور مراجعة الموقف الخاص باحتمالات تجديد التفاوض مع «مجموعة 5+1»، ووضعوا شروطاً ثلاثة لهذا التفاوض المحتمل أبرزها الربط بين البرنامج النووي الإيراني والتسلح النووي «الإسرائيلي»، وجعل نزع هذا السلاح أحد أسس التفاوض مع إيران، فإن «الإسرائيليين» هم أيضاً، وعلى رأسهم نتنياهو نفسه، بدأوا في مراجعة العلاقة مع الولايات المتحدة بهدف الوصول إلى فهم دقيق لمركز الضعف في هذه العلاقة ومعالجته، ومركز القوة فيها وتضخيمه وتقويته، لمعالجة ما ورد على لسان السفير «الإسرائيلي» في واشنطن من تقديرات دقيقة لحال العلاقات «الإسرائيلية» الأمريكية قبيل لقاء نتنياهو مع الرئيس الأمريكي، وحديثه عن «تصدع» و«شروخ» في هذه العلاقات .

«الإسرائيليون» أدركوا ذلك منذ فترة، وما جاء على لسان مائير داغان رئيس الاستخبارات «الإسرائيلية» (الموساد) أمام لجنة العلاقات الخارجية والأمن في الكنيست بأن ««إسرائيل» تتحول تدريجياً إلى عبء على الولايات المتحدة وليس ذخراً لها»، أكد ذلك، ولم تغيره نجاحات نتنياهو مع أوباما . فهذه النجاحات يمكن أن تكون طارئة أو استثنائية بحكم ظروف الانتخابات الأمريكية التي ستجرى في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل (التجديد النصفي للكونجرس)، والموقف الصعب للحزب الديمقراطي (حزب الرئيس) في هذه الانتخابات، وتدني شعبية الرئيس إلى أدنى معدلاتها، ومن ثم الحاجة الماسة لدعم اللوبي اليهودي للرئيس وحزبه في هذه الانتخابات .

التقديرات «الإسرائيلية» لهذا التحول ترى أن هناك عاملين أساسيين هما المسؤولان عن هذا التحول : العامل الأول، والذي أشرنا إليه، وهو تراجع الأهمية الاستثنائية للأدوار «الإسرائيلية» التي كانت تقوم بها الدولة الصهيونية لمصلحة الولايات المتحدة بعد انتهاء الحرب الباردة، ومع حدوث تغيرات جوهرية في نظم الحكم في دول الشرق الأوسط، وتدني قدرات القوى الإقليمية شرق الأوسطية القادرة على تهديد المصالح الأمريكية، وتحول معظم هذه الدول إلى حليف أو صديق أو متطلع للود الأمريكي، ما يفرض على واشنطن توجهات استراتيجية جديدة في الشرق الأوسط لا تستلزم إبقاء تلك العلاقة الاستثنائية أو الفريدة مع «إسرائيل».

أما العامل الثاني والذي يعتبر من أهم نتائج التحولات الشاملة التي حدثت داخل الولايات المتحدة وعلى مستوى النظام العالمي وعلى مستوى نظام الشرق الأوسط فهو أن المصلحة القومية الأمريكية باتت تحظى بالأولوية في تخطيط السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط .

بروز عامل المصلحة القومية كمحدد أساسي للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط هو الذي جعل الجنرال بترايوس القائد الحالي للقوات الأمريكية في أفغانستان يعتبر أن «إسرائيل» باتت تشكل «عبئاً» على المصالح الأمريكية والقوات الأمريكية، فهو يرى أن كثيراً أو بعض العداء الذي يواجه القوات الأمريكية في أفغانستان والعراق، والكراهية التي يحظى بها الأمريكيون في أماكن قواعدهم العسكرية بالشرق الأوسط يرجع معظمها إلى الدعم والانحياز الأمريكي لسياسات «إسرائيلية» ضد الشعب الفلسطيني أو لتهديدات «إسرائيلية» لدول عربية وإسلامية.

من هنا سوف يبدأ التخطيط الاستراتيجي «الإسرائيلي» للعلاقة مع الولايات المتحدة بهدف الإبقاء قدر الإمكان على هذه العلاقة في حدودها الفريدة والاستثنائية باعتبار أن ذلك مصلحة حيوية «إسرائيلية»، بالعمل في الاتجاهين، اتجاه استعادة المكانة والأهمية الفريدة والاستثنائية لأدوار «إسرائيل» التي تخدم بها المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، واتجاه استعادة العوامل المعنوية كعوامل أساسية أو كمحددات أساسية للعلاقات الأمريكية «الإسرائيلية».

هكذا يراجعون ويدرسون ويخططون ولا تبهرهم تحولات طارئة، ويحرصون على توظيف كل المتغيرات لصالحهم . أما نحن فقد اكتفينا بـ «الصدمة» من تحولات أوباما، أو التشفي والسخرية من كل الذين راهنوا من العرب على الرئيس الأمريكي الجديد.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 43 / 2165587

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

24 من الزوار الآن

2165587 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 24


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010