السبت 12 نيسان (أبريل) 2014

من 13 نيسان اللبناني إلى 13 نيسان العربي والإقليمي

السبت 12 نيسان (أبريل) 2014 par معن بشور

أثر انتهاء الفصل الأول من الحرب اللبنانية التي اندلعت في مثل هذه الأيام من عام 1975، وتمّ إيقافها مع دخول قوات الردع العربية في خريف 1976 (وهو ما يسمى بحرب السنتين)، صدرت مجلة “الحوادث” بطبعتها الإنكليزية من لندن (The Events) وعلى غلافها عنوان “ماذا بعد لبنان: سوريا أو العراق”.
وبعد سنوات قليلة اندلعت الحرب العراقية – الإيرانية 1980 بكل ما خلّفته من خسائر دموية ومادية هائلة، وتداعيات سياسية وإستراتيجية، ما زالت مستمرّة حتى الآن، كما اندلعت أيضاً وقبلها بقليل أحداث دامية في سوريا بدأت في حلب عام 1979 باعتداء إرهابي على مدرسة عسكرية وامتدّت إلى مدن ومناطق أخرى، وخلّفت أضراراً إنسانية واجتماعية، ما زالت تداعياتها مستمرّة لاسيّما في الأحداث الأليمة التي تشهدها سوريا منذ أكثر من ثلاث سنوات، كما إنه وبعد عقد ونيف من اندلاع الحرب اللبنانية اندلعت حرب السنوات العشر أيضاً في بلد عربي مسلم كبير كالجزائر في تأكيد واضح على أن مغرب الأمّة هو أيضاً مستهدف كما مشرقها.
وعلى مدى العقود الممتدّة منذ عام 1975، والتحليلات والسيناريوهات تملأ الفضاء السياسي العربي وتتحدث عن مخططات لتقسيم العديد من الدول العربية بما فيها سوريا والعراق ومصر والسودان والمملكة العربية السعودية واليمن وليبيا وغيرها، بل بدأت هذه السيناريوهات تترجم نفسها عبر تقسيم دستوري هنا، وتقسيم واقعي هناك، وتقسيم معلن في هذا البلد، وتقسيم كامن في ذاك البلد…
وبهذا المعنى، يمكن القول أن 13 نيسان 1975، لم يكن فقط يوم اندلاع الحرب في لبنان، التي توالت جولات وفصولاً داخلية وخارجية، عسكرية وأمنية وسياسية، بل كان كذلك البداية الرمزية لمجمل الحروب والفتن التي تسود أقطار أمّتنا كلها، والتي تسعى لكي تدمّر الهوية الجامعة للأمّة ، كما إلى إشعال نار الصراع بين مختلف المكوّنات العرقية والطائفية والمذهبية ذات الهويات الفرعية التي تقيم فوق أرضنا وتتساكن في منطقتنا.
وبمقدار ما كان 13 نيسان 1975، يوماً لبنانياً لإطلاق شرارة الحرب في المنطقة، يمكن القول أن 11 أيلول 2001، كان يوماً عالمياً لإشهار الحروب على أمّتنا بلداً بلداً، تحت ما يسمى بالحرب على الإرهاب التي تحوّلت في الواقع إلى حرب إرهابية كاملة ضدّ شعوب المنطقة ونسيجها الاجتماعي، ولعل ما شهده العراق في مثل هذه الأيام أيضاً قبل 11 عاماً، من احتلال سبقه حصار فعدوان وتلاه تسعير لكل أنواع الفتنة داخل المجتمع الواحد، وكذلك ما تشهده سوريا قبل ثلاث سنوات ونّيف من استغلال خبيث لمطالب مشروعة لخدمة أجندات مشبوهة تسعى إلى تدمير بلد محوري في حياة الأمّة، وما شهدته ليبيا المتوزعة اليوم إلى مشروع “ولايات مستقلّة”، وما نراه في اليمن من شعارات تمجّد الانفصال باسم الاستقلال، وفي السودان من حروب تحوّل البلد الواسع مساحة، والغني في موارده، إلى أشلاء متناثرة متحاربة، وما تواجهه مصر من تهديدات تطال مجتمعها وقواها المسلحة ودورها وموقعها، وما تعيشه تونس من أزمات مفتعلة للثأر من ثورتها التي أشعلت حال الحراك الثوري في المنطقة، ناهيك عما نراه في “الصومال” وقد باتت “الصوملة” شبحاً يهدد كل دول المنطقة، وعما نشهده في البحرين من عناد سلطوي غير مبرر في رفض مطالب ديمقراطية بسيطة تتمسك المعارضة بها دون أن تسمح لأحد باستدراجها إلى أفخاخ الصراع الدموي.
وأذكر في هذا المجال، أن الرئيس السوري بشار الأسد قال لنا خلال استقباله لوفد اللجان والروابط الشعبية بعد أسابيع قليلة على زلزال 11 أيلول/سبتمبر 2001، أن هناك مخططاً يستهدف المنطقة بأسرها، يبدأ بحرب على أفغانستان فالعراق ثم سوريا وإيران، لاسيّما في ضوء ما ستسفر عنه الحربان الأفغانية والعراقية من نتائج…
لم تكذب التطورات اللاحقة تلك الرؤية، فكان احتلال كابول وبغداد، ثم تظاهرات إيران بعد الانتخابات الرئاسية عام 2009، فأحداث سوريا الدامية المستمرة عام 2011، مما يؤكّد حقيقتين هامتين:
أولهما: أن القوى الفاعلة أو الحاكمة في بلادنا لم تستفد بما فيه الكفاية من دروس الحرب اللبنانية التي امتدّت 15 عاماً، وما تزال مستمرّة بشكل أو بآخر، لاسيّما في ظلّ التحريض المتواصل ضد المقاومة اللبنانية التي هزمت العدو مراراً، كما في ظلّ التجاهل المتعمّد لمطالب اجتماعية وحياتية لا تبدأ بتصحيح الأجور والرواتب ولا تنتهي بقانون إيجار جديد يشرد الالاف من اللبنانيين في الشوارع لصالح احتكارات عقارية تنمو كالفطر من حول اللبنانيين.
وثانيهما: أن سلامة الرؤية بوجود مخطط صهيو – استعماري وراء كل ما رأيناه ونراه، لا يعفينا من الإقرار أن القوة الحقيقية لهذا المخطط لا تكمن في قدراته العسكرية، ومشاريعه التآمرية، بل في تلك الأخطاء والخطايا الكامنة في علاقاتنا ببعضنا البعض، حكاماً ومحكومين، جماعات وأفراداً، قوانين وممارسات، فلقد كانت هذه الأخطاء والخطايا هي المعابر التي تسلل منها كل من أراد الشرّ بمجتمعاتنا وأوطاننا.
وكي لا نغرق في التشاؤم، علينا أن ندرك أن ما شهدناه من انهيارات في بلادنا ومجتمعاتنا على مدى العقود الثلاثة الماضية كان في الوقت ذاته مواكباً لتآكل تدريجي يصيب توازن القوى على المستوى الدولي والإقليمي فتنهار السدود التي كانت تحصّن منطقتنا، وبالتالي فما نشهده اليوم من صياغة جديدة لموازين القوى إقليمياً ودولياً يوفر الفرصة لخروج متدرج للأمة من المحنة المستمرة المفروضة عليها خصوصاً إذا تسلحنا بالرؤية الموضوعية الناضجة، وبالفكرة الوحدوية الجامعة، وبالروح التقدمية المواكبة لروح العدالة والعصر، وبالأدوات القادرة على الفعل وحشد الطاقات والتلاقي على مشروع للنهوض بالأمّة ولإسقاط منطق الاجتثاث الذي بدأ ذات مساء “نيساني” في بيروت عام 1975 وتجدد ذات صباح “نيساني” في بغداد 2003، ليصبح منطقاً سائداً في الكثير من العواصم والعلاقات.
فالاجتثاث ليس مجرد إجراء قانوني يتخذه محتل أو حاكم فقط، بل هو ثقافة ونهج وممارسة وقع ويقع فيه كثيرون، حكاماً وغير حكام، حين يندفعون تحت وطأة ظرف معيّن إلى إقصاء الآخر واجتثاثه وتغليب التباين الفكري والسياسي معه على التناقض الرئيسي مع العدو الذي ما اختلفنا يوماً في تحديده، إلاّ ووجدنا أنفسنا في تناحر فيما بيننا…
عبرة 13 نيسان الكبرى هو الخروج من ثقافة الاجتثاث والاقصاء والدخول في رحاب المصالحة والمشاركة القائمة على المراجعة والمصارحة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 53 / 2165366

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع معن بشور   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2165366 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010