السبت 12 نيسان (أبريل) 2014

أطول مفاوضات في التاريخ

السبت 12 نيسان (أبريل) 2014 par د. عبد العزيز المقالح

بداية، تجدر الإشارة إلى أن المفاوضات المشار إليها في عنوان هذه الزاوية، ليست الأطول فحسب؛ بل ورافقتها حرب أو بالأحرى حروب هي الأطول كذلك . ومنذ وقع الأشقاء الفلسطينيون في فخ هذه المفاوضات، واختار البعض منهم طريق “أوسلو” وما أسفرت عنه من اتفاق مموه يشير إلى حل منقوص والعدو الصهيوني يشن حروباً عدة تتخللها مفاوضات وقتل واختطاف واعتقالات وقضم متواصل للأرض، وهو ما لم يكن يحدث قبل “أوسلو” وقبل الدولة الموهومة . والأغرب والأعجب أنه لا يزال هناك من الأشقاء الفلسطينيين من يذهبون إلى المفاوضات تحت مزاعم مختلفة وبإغراءات وهمية من الراعي الأكبر (الولايات المتحدة الأمريكية) التي تثبت ولاءها الدائم وإخلاصها الثابت للكيان الذي بات يجيد الكر والفر ولا يجد رادعاً يضع حداً لصلفه ومماطلاته .
لقد جنى الأشقاء الفلسطينيون على أنفسهم وعلى قضيتهم التي هي قضية العرب أجمعين بقبولهم اتفاق “أوسلو” وما حمله ذلك الاتفاق من إهدار لجوهر الحق الفلسطيني، ومن اعتماد على التفاوض المفتوح إلى ما شاء الله بدون مرجعية إطارية، وبعيداً عن قرارات الشرعية الدولية، وكأن بعض هؤلاء الأشقاء قد ملّ الاغتراب خارج أرضهم، واشتاق إلى الاستمتاع بمظهر السلطة الخالية من كل معنى . ولم يتنبه كثيرون من هذا البعض إلى أن اتفاق “أوسلو” كان فخاً إلا بعد فوات الأوان، وكان ذلك موقف المناضل الراحل ياسر عرفات الذي صار يرى الاتفاق فخاً بل خيانة، لاسيما بعد أن أدرك وهو المحاصر السجين في غرفة القيادة أنه خُدع، وأن الشعب الفلسطيني كان ضحية خدعة كبيرة واستدراج غير محسوب، لكن كل ذلك تم بعد فوات الأوان، وهكذا نحن العرب لا نصل إلى معرفة حقيقة الأمور إلاّ بعد أن تكون قد صارت واقعاً، أو بحسب العبارة المتداولة بعد أن يكون الفأس قد وقع في الرأس .
إن من مبادئ المفاوضات السياسية القديم منها والحديث، ألا يتم التفاوض بين السارق والمسروق، بين الغاصب والمغتصَب، والتفاوض يكون في القضايا الجزئية العالقة بين شعبين أو قوتين، وقد كان واضحاً بعد اتفاق “أوسلو” إن المراد بالتفاوض من قبل العدو الصهيوني هو كسب أطول وقت ممكن حتى يتسنى له التهام ما يستطيع التهامه من الأرض التي احتلها بعد حرب 1967 . ويمكن قراءة ذلك ومتابعته على أرض الواقع بوضوح، فقد تمكن العدو تحت منطق اتفاق “أوسلو” ومنطق المفاوضات المطولة أن يبني عشرات المستعمرات في القدس وحول القدس وفي الضفة، وهو ما لم يكن يحلم به ولا يرضى عنه العالم الذي كان ينظر إلى وجوده في هذه المناطق بوصفه محتلاً لا مفاوضاً أو طرفاً في النزاع على أرض محتلة مجدداً .
ولعل ما يؤسف له ويضاعف من بؤس اللحظة الراهنة هذا، الصمت العربي المطبق الذي زاد في الآونة الأخيرة، وتمادي الأنظمة في إلقاء العبء كله على ما يسمى بالدولة الفلسطينية التي وصلت في مفاوضاتها أخيراً إلى التوقف عند المطالبة بإطلاق الأسرى، وكأن جوهر الخلاف مع العدو لا يتجاوز هذا المطلب، في تجاهل تام لما يعانيه الأشقاء من تمزق وخلافات ساعدت العدو على تماديه في الإجرام وفي بناء المستوطنات، وفي تحدي الرأي العام العالمي الذي كان قد بدأ يعي المأساة ويدرك عمق الكارثة التي يسببها وجود الكيان الصهيوني ومخططاته التي لا تخص فلسطين، وحدها بل سائر دول المنطقة من دون استثناء، وإذا كانت القضية الفلسطينية كقضية مركزية تهم جميع العرب قد أسهمت في تحريك المياه الراكدة في الوطن العربي منذ أربعينات القرن الماضي فإنها ينبغي أن تظل كذلك عاملاً فاعلاً ومحركاً للواقع العربي الذي بدأ بالغليان، ولم يعد قابلاً للمساومة في قضاياه والقبول بالدخول في مفاوضات تخدم العدو وتساعده على مزيد من التوغل والتوسع .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 27 / 2166097

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2166097 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010