الخميس 10 نيسان (أبريل) 2014

مستجدات المشهد الفلسطيني : الواقع والتحديات

الخميس 10 نيسان (أبريل) 2014 par عوني فرسخ

بعد ما يقارب الواحد وعشرين عاماً على توقيع محمود عباس مع إسحاق رابين اتفاق أوسلو، بحضور الرئيس كلينتون يوم 13-9-،1993 فاجأ أبو مازن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، وحكومة نتنياهو، والقوى العربية التي اعتادت المراهنة على “عملية السلام” الأمريكية، بإعلانه التوقيع باسم منظمة التحرير الفلسطينية، على وثائق الانضمام الى 15 معاهدة وميثاق دولي . ما يعني اعتبار فلسطين دولة تحت الاحتلال، وبالتالي إمكانية ملاحقة القادة “الإسرائيليين” أمام المحكمة الجنائية الدولية . وذلك في رد على إعلان حكومة نتنياهو طرح عطاءات إقامة 708 وحدات استيطانية في مستعمرة جيلو الملحقة بالقدس الغربية، وامتناعها عن إطلاق الدفعة الرابعة من أسرى ما قبل عقد اتفاق أوسلو كارثي النتائج .
ولقي إعلان عباس ترحيب كل من: د . مصطفى البرغوثي، رئيس المبادرة الوطنية الفلسطينية، وممثلي الجبهة الشعبية، وحماس، والجهاد الإسلامي، وقطاع واسع من القوى والشخصيات السياسية والاجتماعية والفكرية الفلسطينية . على الرغم من تأكيده الالتزام بخيار المفاوضات، بقوله بأنه لا يريد الدخول في مواجهة مع واشنطن . فضلا عن انطلاق التظاهرات الشبابية المؤيدة للأسرى، وصدامها بصدورها العارية مع القوات “الإسرائيلية” أمام معتقل عوفر العسكري قرب رام الله، وفي بيت لحم، ومخيم الجلزون للاجئين .
وكانت فلسطين قد شهدت يوم 30 مارس/آذار الماضي تظاهرات إحياء الذكرى الثامنة والثلاثين “ليوم الأرض” . يوم أكدت جماهير الأرض المحتلة سنة 1948 تمسكها بأرضها، وإصرارها على مقاومة العنصرية الصهيونية في أوج غطرستها، وبرهنت على صدق التزامها الوطني وانتمائها القومي، وإفشالها محاولات طمس هويتها، واستلاب إرادتها الوطنية .
والسؤال والحال كذلك: هل إن أقصى ما قد تؤدي إليه مستجدات المشهد الفلسطيني تمكين محمود عباس ولجنة فتح المركزية من تحسين قدراتهم التفاوضية مع حكومة نتنياهو، وتعزيز رهانهم على الدور الأمريكي؟ أم إن المستجدات، خاصة على الصعيد الشبابي، توفر للحراك الوطني الفلسطيني فرصة تحقيق نقلة نوعية في نضاله الطويل على طريق تمكين الشعب العربي الفلسطيني من نيل حقوقه الوطنية المشروعة التي حرم منها بقرار دولي؟
سؤال الإجابة عنه تستدعي التذكير بداية بأن الواقع اليوم مختلف كيفياً عما كان عليه عشية توقيع محمود عباس ورابين اتفاق أوسلو . إذ لم تعد “اسرائيل” رصيدًا أمريكياً بقدر ما غدت عبئاً تاريخياً على الإدارة والأجهزة الأمريكية، بعد فقدانها قوة ردعها وقدرتها على ترحيل تفاقم حدة أزماتها بالعدوان على محيطها العربي . فيما فقدت الولايات المتحدة تفردها بالدور القطبي، ولم يعد الجوار الإقليمي منحازًا ل “إسرائيل” . فضلاً عن التزايد الطردي في تصاعد رفض الأكادميين والمثقفين الأوروبيين والأمريكان للممارسات العنصرية والاستيطانية في الضفة الغربية وحصار قطاع غزة . في حين أن الواقع العربي العام، والفلسطيني منه الخاص، برغم ظواهره شديدة السلبية، ليس بمثل الضعف الذي كان عليه آنذاك . فضلاً عن كسر الجماهير العربية، خاصة الشبابية، حواجز الخوف، وإنها غدت مشاركة في صناعة الأحداث على نحو متزايد .
ولقد وضعت مستجدات المشهد العربي الأخيرة القوى والشخصيات السياسية والفكرية الفلسطينية أمام جملة تحديات أبرزها:
1- مراجعة محمود عباس وأركان سلطته لاعتمادهم المفاوضات خياراً استراتيجياً وحيداً، ورهانهم على دور أمريكي “متوازن”، واستعدادهم لتقديم التنازلات، بعد أن تأكد عجزهم عن تحرير شبر واحد من الضفة والقطاع المحتلين، وثبوت فشل “عملية السلام”، وعدم جدوى المراهنة على موقف أمريكي غير منحاز ل “إسرائيل” . وبدل ذلك التوجه الجاد الصادق نحو تكامل قوى الممانعة الفلسطينية لتعديل ميزان القدرات المختل لمصلحة العدو، لتوفير إمكانات التفاوض الموضوعي، وعدم التفريط المجاني بالثوابت الوطنية . ووقف التنسيق الأمني مع الأجهزة “الإسرائيلية”، مع عدم استبعاد الكفاح المسلح، المشروع دولياً، كأداة ردع للعدوانية الصهيونية .
2- التنفيذ الفوري لاتفاق مصالحة فتح وحماس، وإطلاق سراح المعتقلين والمحكومين سياسياً لدى الطرفين، والاتفاق على صياغة استراتيجية إدارة الصراع مع الصهاينة والقوى الدولية والإقليمية الداعمة لعدوانهم، وإعادة تشكيل مؤسسات وأجهزة المنظمة على أساس الكفاءة والالتزام الوطني وليس المحاصصة الفصائلية، وتنفيع الأقارب والمحاسيب والأزلام بما يشكل قاعدة لجبهة وطنية واسعة ملتزمة بالثوابت الوطنية والاستراتيجية المعتمدة .
3 - التواصل والتفاعل الواسعان مع قوى الممانعة والمقاومة في الأرض المحتلة سنة ،1948 والاستفادة من تجاربها في الصمود والمقاومة الشعبية للمارسات العنصرية . باعتبارها شريكة مسار ومصير، والتعامل مع المواطنين العرب في الأرض المحتلة سنة 1948 باعتبارهم جزءاً لا يتجزأ من شعب فلسطين، وأخوة كفاح لمشاريع التهويد المعتمدة صهيونياً والمقرة أمريكياً والمطالبة بالاعتراف ب “إسرائيل” كدولة يهودية .
4- العمل الجاد وطويل النفس لتحرير القرار الوطني من الارتهان لإرادة الدول والهيئات مقدمة “المعونات” . وهو مطلب وإن بدا غير يسير في الظروف الراهنة، إلا أنه غير مستحيل بإشاعة ثقافة المقاومة لشعب يعيش تحت احتلال، مستعبد في لقمة عيشه، ولا يملك بأي حال مقومات الترف الاستهلاكي الشائع على مستوى القيادة خاصة . وتوظيف القدرات والكفاءات البشرية المتوافرة في التقدم على طريق التحرر الاقتصادي القاعدة المادية لاستقلال الإرادة الوطنية . ولشعب فلسطين تجربة مشهود له بها في الاعتماد على الذات بالتعاون بين شركاء المسيرة والمصير في الزمن الصعب أبدعها أيام انتفاضة أطفال الحجارة . فضلاً عن السعي لتأمين مصادر تمويل متحررة من التبعية للدول والهيئات الخارجية، الداعمة في أغلبيتها للكيان الصهيوني .
5 - تفعيل العلاقات مع العمق العربي، خاصة على الصعيد الشعبي المعروف تاريخياً بدعمه غير المحدود للحراك الوطني الفلسطيني، حين يكون في صدام مع العدو الصهيوني . ويعلمنا التاريخ أنه كلما نهض الحراك الوطني الفلسطيني شكّل رافعة للنهوض في أكثر من قطر عربي . والمؤشرات كثيرة على أن القضية الفلسطينية لما تزل في نظر أغلبية الشعوب العربية “القضية المركزية” المستقطبة التأييد والدعم .
ولم يعد خافياً أن “اسرائيل” أسقطت حل الدولتين بتكثيف الاستيطان في الضفة الغربية، خاصة في القدس الشرقية . وبالتالي لم يبق سوى حل الدولة الديمقراطية العلمانية التي نادت بها فتح سنة 1969 . وقد آن الأوان لإعادة الدعوة لها باعتبارها الحل العربي في مواجهة الدعوة الصهيونية لاعتبار “إسرائيل” “دولة يهودية” .
وبقدر الإنجاز على المحاور الخمسة السابق إيجازها بقدر ما تسهم نخب الشعب العربي الفلسطيني في التقدم على طريق الدولة الديمقراطية العلمانية التي يتعايش فيها العرب واليهود، كما اعتادوا قبل الغزوة الصهيونية، وكما هي الحال في المغرب العربي .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 24 / 2177362

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

22 من الزوار الآن

2177362 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 22


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40