الأربعاء 9 نيسان (أبريل) 2014

خيار الانتفاضة والمقاطعة والدولة المستقلة

الأربعاء 9 نيسان (أبريل) 2014 par فيصل جلول

يخطئ الرئيس الفلسطيني محمود عباس لو جرب مرة أخرى الخضوع لضغوط الكيان الصهيوني التي ما عادت نافذة نفوذاً مطلقاً، كما كانت منذ سنوات عدة، وما عادت قادرة على اشعال حروب جانبية في غزة وجنوب لبنان للتملص من أجندة المفاوضات مع السلطة الفلسطينية، وهي ما عادت كذلك في عرف الرأي العام الأمريكي والأوروبي ضحية يجب تأييدها ظالمة أو مظلومة، بعبارة أخرى لقد صارت “إسرائيل” أقل قوة من ذي قبل وعلى الزعيم الفلسطيني أن يأخذ هذا المعطى في الحسبان .
وربما على محمود عباس ألا يخضع لابتزاز نتنياهو الذي يعاني عزلة مرشحة للتفاقم أكثر فأكثر إذا ما اصرّ على الدفاع عن شروطه المعهودة للتفاوض منذ عام 2009 والتي تنص على عدم القبول بحدود عام 1967 وعدم الاعتراف بالقدس عاصمة للدولتين، وإلغاء حق العودة والاعتراف بيهودية الكيان، هذا الاعتراف الذي سيفضي بالضرورة إلى طرد مليون وربع المليون فلسطيني ما زالوا في أراضيهم المحتلة عام 1948 .
ويعرف الزعيم الفلسطيني أن نتنياهو لا يريد وقف الاستيطان بأية صورة من الصور، لا سيما أنه من القائلين جهاراً إن ميزان القوة الحالي بين “إسرائيل” والفلسطينيين لا يسمح لهم بالحصول على القدس وحدود عام 1967 وإن السبيل الوحيد لقهر هذا الصهيوني المتغطرس يكمن في مضاعفة التحديات التي يتعرض لها، وبالتالي تغيير الاستراتيجية الفلسطينية من التفاوض إلى تنظيم انتفاضة ثالثة معطوفة على تحركات إقليمية ودولية، للاعتراف بالدولة الفلسطينية وعلى تنشيط استراتيجية مقاطعة “إسرائيل” التي باتت تلقى تأييداً متزايداً في المنظمات غير الحكومية في أوروبا والولايات المتحدة .
والواضح أن الانتفاضة الثالثة صارت حاجة شعبية فلسطينية وخياراً وحيداً لتحصيل الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية، وتبدو الظروف المحلية والعربية والدولية مهيأة لاستقبالها، فالشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة وفي مناطق الشتات كافة ضاق ذرعاً بالانتظار والرهان المتعاقب والفاشل على تغيير الرؤساء الأمريكيين والحكومات “الإسرائيلية” علّه يحصل في كل تغيير على حقوقه، ليكتشف أنه يفقد المزيد من الأرض والمزيد من الحقوق، وبالتالي بات مهيّأ للنزول بقوة إلى الشارع . ويمكن للقيادة الفلسطينية في رام الله أن تغتنم الفرصة لإعادة الجسور التي انقطعت مع غزة وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني على أسس جديدة، وسيكتشف الفلسطينيون أن الشارع العربي الذي خدع في أهداف وبنتائج انتفاضته في أكثر من مكان لن يتوانى عن دعم الانتفاضة الثالثة بتحركات مليونية غير مسبوقة، وعلى القيادة الفلسطينية ان تستفيد كذلك من الإحباط المتزايد من بنيامين نتنياهو الذي ربما ضرب رقماً قياسياً في علاقته السيئة مع الإدارة الأمريكية، ناهيك بالتأييد المحتمل في أوساط الرأي العام الغربي الذي بات مدركاً بأن “إسرائيل” لا تريد حل الدولتين بالرغم من كل التنازلات الفلسطينية والعربية وبالتالي يمكن أن يستقبل استقبالاً ايجابياً انتفاضة حقوقية فلسطينية جديدة .
بموازاة الانتفاضة الثالثة يمكن للقيادة الفلسطينية أن تضع تهديدها بالانتساب إلى المنظمات الدولية موضع التنفيذ وأن تستفيد من هذه اللحظة المؤاتية لطلب العضوية الكاملة في الأمم المتحدة . لقد أعطى الرئيس عباس كل الفرص المطلوبة للتفاوض المربوط بجدول زمني من دون الحصول على نتيجة تذكر، وبالتالي ما عاد مقبولاً منه أن يعطي فرصاً جديدة للطرف الآخر الذي يريد المفاوضات من أجل قضم المزيد من الأرض وبناء المزيد من المستوطنات والرهان على طرد المزيد من الفلسطينين من أرضهم التاريخية .
وفي السياق يمكن أيضاً الرهان على المقاطعة المتزايدة من طرف المنظمات غير الحكومية في أوروبا والولايات المتحدة للمستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية والجولان، هذه المقاطعة التي باتت تشكل كابوساً حقيقياً ل “إسرائيل” وباتت تحظى بتأييد في معاقل وحصون تقليدية معروفة بتعاطفها مع الكيان، كما هي الحال في ولاية نيويورك التي الغت قانوناً يجرم مقاطعة الكيان الصهيوني، والإلغاء أشبه بدعوة ضمنية للجمعيات الأمريكية الراغبة في المقاطعة . وفي هولندا قطعت العلاقات مع خمسة مصارف “إسرائيلية” تعمل في المستوطنات، وفي النرويج قوطعت شركتان “إسرائيليتان” للبناء بسبب أنشطتهما في الضفة والقدس الشرقية وطلبت رومانيا من عمالها المستخدمين في البناء الامتناع عن العمل في المستوطنات، ورفضت ألمانيا مؤخراً تمويل شركات المعلوماتية “الإسرائيلية” العاملة في الأراضي المحتلة . وحذر موقع بريطاني رسمي من النتائج السلبية التي يمكن أن تترتب على الشركات العاملة في الأراضي المحتلة، وبادرت شركة مياه هولندية بقطع علاقاتها مع “شركة ميكروت” العاملة في المستوطنات واستثنى الاتحاد الأوروبي ابتداء من أوائل العام الجاري المستوطنات الصهيونية من التعرفة الجمركية التفضيلية، وقد وصلت المقاطعة إلى الفنانين العالميين المشهورين ومن بينهم داستين هوفمان وفانيسا بارادي وكارلوس منتانا وميغ ريان وغيرهم، ووجهت انتقادات عاصفة إلى الممثلة البريطانية سكارليت جوهانسون بسبب مشاركتها في حملة ترويج “سوداستريم” العاملة في إحدى مستوطنات القدس الشرقية .
معلوم أن هذه الحملة هي من أثر الجهود التي بذلتها عشرات المنظمات الفلسطينية غير الحكومية منذ عام 2005 والتي تنشط في أوروبا وأمريكا تحت شعار: مقاطعة . . عدم استثمار وفرض عقوبات على كل الشركات العاملة في الأراضي المحتلة .
إن الأثر المعنوي لهذه المبادرات يفوق النتائج الاقتصادية، وهي تتسبب بأوجاع في الرأس للإدارة الصهيونية التي تدرك تماماً أن مقاطعة جدية يمكن أن تفضي في وقت قصير إلى انهيار نظام الابارتايد الصهيوني كما انتهى من قبل نظام جنوب إفريقيا العنصري .
يفيد ما سبق القول إن اللحظة الراهنة قد تكون مفصلية في طلب الحقوق الفلسطينية عبر انتفاضة شعبية ثالثة، قد لا يوافق “المجتمع الدولي” المزعوم على اندلاعها، لكنه سيذعن في نهاية المطاف لمطالبها المشروعة في تحصيل الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية التي طال انتظارها .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 30 / 2178526

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2178526 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40