الثلاثاء 8 نيسان (أبريل) 2014

فاوِضْ ثُمّ فاوِضْ

الثلاثاء 8 نيسان (أبريل) 2014 par خيري منصور

هناك مراحل في التاريخ تتحول فيها الوسائل إلى غايات، وينقلب فيها هَرَمُ المنطقة فيصبح مُتأرجحاً على رأسه، نجد ذلك في أحزاب أيديولوجية يُحجر فيها التفكير وتُحشر فيها العقول داخل قوالب من الجبس، بحيث يصبح الشعار السائد هو نَفذْ ثم نَفذْ، أما المناقشة فهي من المحظورات لأن هناك من ينوب عن الجميع في كل شيء باستثناء الموت .
والمفاوضات التي حُدد لها زمن ذو مغزى حتى لو كان ذلك بالمصادفة هو تسعة شهور أي مدة الحمل كي يأتي المخاض وتكون الولادة غير قيصرية . طرأ عليها أول تعديل بحيث يكون المولود “سُباعّياً” أي ابن سبعة شهور، ثم طرأ تعديل ثالث لتمتد عاماً آخر، وإذا استمرت الحال على ما هي عليه من المراوحة والإخضاع لشروط استباقية منها: الاعتراف العربي بيهودية الدولة العبرية فإن هذه المفاوضات ستصبح أشبه بقصيدة شهيرة لليوناني كفافي، وهي “الطريق إلى إيثاكا” فكلما أمتد الطريق كان الوعد بالوصول أجمل، حتى لو انتهى الأمر إلى الإقامة الأبدية في الطريق .
المطلوب الآن من الفلسطيني أن يفاوض ثم يفاوض إلى أجل غير مسمى، لأن هذا هو أفضل أسلوب لكسب الوقت والحصول عليه بالمجان لكي يواصل الاستيطان تمدده السرطاني ليقضم ما تبقى من الأرض وما عليها .
إن أية مفاوضات يسبقها شرط تعجيزي هي ضَرْب من العبث، ولا يليق بها إلا مسرح اللامعقول على طريقة صاموئيل بيكت في مسرحية “الذي يأتي ولا يأتي” . وكأن من يظهر على المسرح بعد رفع الستارة يقول جملة واحدة فقط هي أعتذر عن المجيء .
ذُرْوَة العبث في هذا المسرح السياسي العبثي هي مطالبة المتفرجين بالبقاء في مقاعدهم، وعليهم أن يأكلوا ويشربوا ويمارسوا حاجاتهم في مقاعدهم، ما دامت المسرحية بلا نهاية، والقادم الموعود لا يأتي على الإطلاق .
منذ أوسلو وضواحيه وهوامشه ومُلحقاته والمسرحية تتوالى فصولها، وخشبة المسرح خالية، لأن كل ما يحدث يبقى وراء الكواليس .
وقد لعب أكثر من وزير خارجية أمريكي ودبلوماسي أوروبي دور الملقن في هذه الدراما، وحين يتحدث بالعربية قد يجد من يسمعه ويرد عليه، لكنه ما أن يحاول ذلك بالعبرية حتى يعود صوته إليه، مجرد صدى .
لم يكن الفلسطيني لأكثر من ستة عقود يُقاوم لِيقاوِم فقط، وكان له هدف واحد هو الاستقلال والحرية، لكنه الآن مطالب بأن يُفاوض ليفاوض ولا شيء آخر، وحصيلة هذه المراوحة هي توسع الاستيطان وتكريس الاحتلال، إضافة إلى ما تُلحقه المراوحة من إرهاق وطني وعاطفي لشعب يرفض تحويل الانتظار إلى مهنة بحيث تمر القطارات كلها تباعاً وهو جالس في محطة .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 18 / 2165599

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2165599 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010