هناك مراحل في التاريخ تتحول فيها الوسائل إلى غايات، وينقلب فيها هَرَمُ المنطقة فيصبح مُتأرجحاً على رأسه، نجد ذلك في أحزاب أيديولوجية يُحجر فيها التفكير وتُحشر فيها العقول داخل قوالب من الجبس، بحيث يصبح الشعار السائد هو نَفذْ ثم نَفذْ، أما المناقشة فهي من المحظورات لأن هناك من ينوب عن الجميع في كل شيء باستثناء الموت .
والمفاوضات التي حُدد لها زمن ذو مغزى حتى لو كان ذلك بالمصادفة هو تسعة شهور أي مدة الحمل كي يأتي المخاض وتكون الولادة غير قيصرية . طرأ عليها أول تعديل بحيث يكون المولود “سُباعّياً” أي ابن سبعة شهور، ثم طرأ تعديل ثالث لتمتد عاماً آخر، وإذا استمرت الحال على ما هي عليه من المراوحة والإخضاع لشروط استباقية منها: الاعتراف العربي بيهودية الدولة العبرية فإن هذه المفاوضات ستصبح أشبه بقصيدة شهيرة لليوناني كفافي، وهي “الطريق إلى إيثاكا” فكلما أمتد الطريق كان الوعد بالوصول أجمل، حتى لو انتهى الأمر إلى الإقامة الأبدية في الطريق .
المطلوب الآن من الفلسطيني أن يفاوض ثم يفاوض إلى أجل غير مسمى، لأن هذا هو أفضل أسلوب لكسب الوقت والحصول عليه بالمجان لكي يواصل الاستيطان تمدده السرطاني ليقضم ما تبقى من الأرض وما عليها .
إن أية مفاوضات يسبقها شرط تعجيزي هي ضَرْب من العبث، ولا يليق بها إلا مسرح اللامعقول على طريقة صاموئيل بيكت في مسرحية “الذي يأتي ولا يأتي” . وكأن من يظهر على المسرح بعد رفع الستارة يقول جملة واحدة فقط هي أعتذر عن المجيء .
ذُرْوَة العبث في هذا المسرح السياسي العبثي هي مطالبة المتفرجين بالبقاء في مقاعدهم، وعليهم أن يأكلوا ويشربوا ويمارسوا حاجاتهم في مقاعدهم، ما دامت المسرحية بلا نهاية، والقادم الموعود لا يأتي على الإطلاق .
منذ أوسلو وضواحيه وهوامشه ومُلحقاته والمسرحية تتوالى فصولها، وخشبة المسرح خالية، لأن كل ما يحدث يبقى وراء الكواليس .
وقد لعب أكثر من وزير خارجية أمريكي ودبلوماسي أوروبي دور الملقن في هذه الدراما، وحين يتحدث بالعربية قد يجد من يسمعه ويرد عليه، لكنه ما أن يحاول ذلك بالعبرية حتى يعود صوته إليه، مجرد صدى .
لم يكن الفلسطيني لأكثر من ستة عقود يُقاوم لِيقاوِم فقط، وكان له هدف واحد هو الاستقلال والحرية، لكنه الآن مطالب بأن يُفاوض ليفاوض ولا شيء آخر، وحصيلة هذه المراوحة هي توسع الاستيطان وتكريس الاحتلال، إضافة إلى ما تُلحقه المراوحة من إرهاق وطني وعاطفي لشعب يرفض تحويل الانتظار إلى مهنة بحيث تمر القطارات كلها تباعاً وهو جالس في محطة .
الثلاثاء 8 نيسان (أبريل) 2014
فاوِضْ ثُمّ فاوِضْ
الثلاثاء 8 نيسان (أبريل) 2014
par
خيري منصور
مقالات هذا المؤلف
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
18 /
2178409
ar أقسام الأرشيف أرشيف المقالات ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
10 من الزوار الآن
2178409 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 10