الثلاثاء 8 نيسان (أبريل) 2014

المفاوضات قرار

الثلاثاء 8 نيسان (أبريل) 2014 par ناجي صادق شراب

المفاوضات في البداية والنهاية قرار سياسي، أن تقبل بالمفاوضات خياراً لتسوية صراع مركب ممتد مثل الصراع العربي- “الإسرائيلي”، يعني أن المفاوضات هي الخيار الأفضل والأقصر لتحقيق الأهداف الوطنية، وفي الحالة الفلسطينية هذه الأهداف في حدها الأدنى تتمثل في قيام الدولة الفلسطينية المستقلة بحدود معروفة وصلاحيات سيادية لا تقبل التجزئة والاقتسام، وبالقدس عاصمة لها . وإنهاء المفاوضات أيضاً قرار بعد أن يصل المفاوض إلى قناعة بأن المفاوضات كخيار لم تعد مجدية في تحقيق هذا الهدف .
هذا القرار تحكمه عوامل كثيرة، وفي الحالة الفلسطينية العوامل التي تتحكم في القرار كثيرة ومعقدة ومتناقضة، وفي الكثير من الأحيان غير متقابلة، وتتفاوت هذه العوامل من العوامل الداخلية الفلسطينية التي أضعف الانقسام السياسي من قدرة المفاوض الفلسطيني على المساومة والمناورة، وعربياً التراجع واضح في أولوية القضية الفلسطينية بانشغال الدول العربية بقضاياها الداخلية، ومع ذلك يبقى الالتزام القومي بالقضية ودعم السلطة قائماً، ودولياً تزاحمت الملفات الدولية لدرجة أن القضية الفلسطينية لم تعد الملف الرئيس، والأكثر تأثيراً في القرار التفاوضي الفلسطيني، إضافة إلى الموقف الأمريكي وانحيازه للموقف “الإسرائيلي”، وحمايته من أي نقد . ولا ننسى هنا أيضاً التأثير “الإسرائيلي” الذي يحاول أن يفرغ المفاوضات من مضامينها الفلسطينية، ويخلق حالة من فقدان المصداقية بالسلطة .
على أهمية هذه العوامل وأخذها بالاعتبار، فلا بد من تسجيل أن خصوصية الحالة الفلسطينية والقرار الفلسطيني حالا دون استسلام المفاوض الفلسطيني للضغوط التي تفرض عليه لما للقضية الفلسطينية من بعد وطني وقومي وديني، وتخوفاً من أن أي قيادة فلسطينية تنأى بنفسها عن حد الاتهام والتنازل عن الحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة، يمكن للمفاوض أو لصانع القرار الفلسطيني أن يبدي قدراً من المرونة في العديد من القضايا، ولكنه لا يمكن أن يقدم تنازلاً أو مرونة في موضوع الدولة الفلسطينية الذي يعتبر الموضوع أو القضية الأساس في أي مفاوضات، ومن دون قيام هذه الدولة الكاملة السيادة بحدودها المعروفة والمقبولة، تسقط المعادلة التفاوضية .
وقبل تحليل القرار الأخير بالذهاب إلى الخيار الدولي وتفعيل قرارات الشرعية الدولية لا بد من تسجيل بعض الملاحظات، أولها أن قرار بدء المفاوضات الذي اتخذ في سياق عربي في مؤتمر مدريد جاء في أعقاب تحولات عربية سلبية، وفي أعقاب الغزو العراقي للكويت، والموقف الفلسطيني منها الذي كلفها ثمناً سياسياً كبيراً، وأهم التداعيات السلبية التي ترتبت على ذلك أن “إسرائيل” أصبحت أكثر قبولاً عربياً كدولة، وهذا يعني أن قرار المفاوضات تم في بيئة غير مواتية أفرزت العديد من الاتفاقات غير المتوازنة، وغير المتكافئة، ومنها اتفاق أوسلو . وهو ما يفسر عدم التزام “إسرائيل” بها، بل وظفتها غطاء لاستيطانها وتهويدها للأرض الفلسطينية .
وبدلاً من أن يتم توظيف المفاوضات لتحقيق التسوية وظفت كأداة لتحقيق ما تريده “إسرائيل”، ورغم سلبيات هذه المرحلة فلا يمكن أن ننكر أن المفاوض الفلسطيني انتزع حقه في الوجود السياسي على الأرض الذي لا يمكن تجاهله، وربط بين وجوده السياسي الكامل وبين أمن وبقاء “إسرائيل” . والملاحظة الأخرى تتعلق بمرحلة الاستمرار في المفاوضات، وهي مرحلة طويلة لم ينجح فيها المفاوض الفلسطيني في تغيير معادلة التفاوض فبقيت تدور في حلقة مفرغة، وهذا هو الخطأ الكبير الذي تم الوقوع فيه إلى أن وصلت المفاوضات إلى مرحلتها الثالثة وهي مرحلة حتمية اتخاذ القرار السياسي الذي يضع حدّاً لهذه المفاوضات اللامتناهية من دون هدف أو مرجعية .
لذا عند فشل التسوية لا بد من البحث عن الخيارات الأخرى الأكثر احتمالاً، وتأثيراً، وقابلية للتنفيذ التي تعكس خصوصية الحالة الفلسطينية، ولعل الخطأ الجسيم الذي وقع فيه المفاوض الفلسطيني الاعتماد المطلق على خيار التفاوض، فهذا الخيار يحتاج إلى دعم من الخيارات الأخرى، وخصوصاً الخيارات الدولية والمقاومة الشعبية . في هذا السياق قد يأتي القرار الأخير الذي اتخذه عباس بتوجيه رسالة قوية مفادها أنه حان الوقت لإعادة النظر في المفاوضات ليس كخيار أوحد .
إن أي قرار له أهداف تكتيكية واستراتيجية، لكن أفضل ما في هذا القرار الرسالة التي يتضمنها وهي أن السلطة الفلسطينية ورغم كل الضغوط وحالة الضعف قادرة على اتخاذ المبادرة والقدرة على الفعل، وهذا هو المطلوب في هذه المرحلة، أي القدرة على تحرير القرار الفلسطيني من المؤثرات الخارجية السلبية، وأهم مضامينها أنها تشتمل على خيارات عدة تتراوح بين تفعيل المقاومة المدنية الشعبية، وتفعيل دور المجتمع الدولي ومسؤوليته في نشوء القضية الفلسطينية واستمرارها، والتركيز على البعد الإنساني الغائب عن هذا الصراع، وتحويل مؤسسات السلطة كلها إلى مؤسسات كفاحية، والعمل الجاد على التعامل مع الانقسام بكل الوسائل لوضع حد له، وانتهاج استراتيجية متكاملة بين الخيارات الفلسطينية، والعمل على التوغل داخل “إسرائيل” وتوصيل رسالة قوية للمستوطن “الإسرائيلي”، ولكل القوى السياسية أن السبب في فشل المفاوضات هو الحكومة “الإسرائيلية”، وتوضيح المرونة الكبيرة التي قدمها الفلسطينيون من أجل إنجاح المفاوضات لقيام دولة فلسطينية إلى جانب “إسرائيل” .
إنهاء المفاوضات ليس بالقرار السهل إنها بداية لإدارة الصراع بطرق وخيارات جديدة تجاهلناه بسبب المفاوضات، والآن لا بد من رسالة سياسية واضحة أو رؤية استراتيجية تكون محور العمل الدبلوماسي والسياسي والإعلامي مضمونها أن من حق الشعب الفلسطيني قيام دولته المستقلة، وكما أسهمت الأمم المتحدة في قيام “إسرائيل” كدولة، فعليها تقع المسؤولية الكبرى في قيام الدولة الفلسطينية، وإلزام “إسرائيل” بإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية، ومعاملتها كأي عضو لا يحترم ميثاق الأمم المتحدة بتطبيق بنوده عليها، هذا هو مايقلق “إسرائيل” كثيراً، ويزعزع مصداقية المقولات التي قامت على أساسها .
نحتاج إلى تغيير نمط تفكيرنا في زمن التحولات العقلانية الكبرى .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 56 / 2165688

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165688 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010