الثلاثاء 8 نيسان (أبريل) 2014

أمهات الأسرى: منهن نتعلم الصبر

الثلاثاء 8 نيسان (أبريل) 2014 par د.عادل محمد عايش الأسطل

الأم الفلسطينية مدرسة حقيقية للنضال والصبر وقوة التحمل ، وما زالت كل يوم تثبت أنها قائدة حقيقية لجيل من المناضلين ، سواء المرحلة الأولي للكفاح المسلح ، أو خلال الزمن الجميل في انتفاضة الحجارة ، أو في ملحمة انتفاضة الأقصى ، كانت دائما تدفع من اللحم الحي ، شهداء وأسرى ومعاقين لكنها دائما تحتسب ذلك كما كل المناضلات في العالم ضريبة للحرية والاستقلال والعيش في سلام واستقرار.
بالأمس كنت في حضرة والدة الأسير ضياء الاغا الذي كان من المفترض أن يطلق سراحه في الدفعة الرابعة ، ضمن ثلاثين مناضلا تراجعت دولة الاحتلال عن الإفراج عنهم ، لمقايضتهم بمقابل سياسي إضافي كعادتها دائما ، لأنها تعرف ما للأسرى من أهمية لذا الشعب الفلسطيني والرئيس محمود عباس ، وكان الهدف من الزيارة ضمن مجموعة من كوادر حركة فتح الشد على يدها ومؤازرتها في هذا اليوم ، الذي كان من المفترض أن نكون في حضرة الأسير ضياء ، ونحن نحتفل به محررا من سجون الاحتلال.
المفاجئة الكبيرة أننا وجدنا بأم ضياء تشد من أزرنا وتدعونا للتحمل والصبر ، وأنها صابرة على فراق ضياء الذي أمضى 22 عاما من أجمل سنوات عمره في الأسر وابنها محمد الذي يقضى المحكوم بالسجن عشر سنوات في سجن النقب بقى منها عام ، وأحضرت لنا مستندات جمعتها عن ضياء ولماذا ترفض إسرائيل إطلاق سراحه ، وكيف أخرت دولة الاحتلال محاكمة ضياء 90 يوما من اجل أن يسمح قانون الاحتلال بالحكم علية بالسجن مدى الحياة ، حيث لم يصل عمره حينها ثمانية عشر عاما، وأمضى ثلاث شهور قبل المحاكمة في العزل الانفرادي في انتهاك لكل المواثيق والأعراف الدولية.
وتقول أم ضياء “إذا كان الاحتلال يحاول أن يضغط على القيادة والرئيس من اجل التنازل عن حقوقنا باستخدام ورقة الأسرى ، فإنني أم لأسيرين كانت ساعات تفصل بين حرية احدهما ، وبين البقاء بقية عمره في سجن الاحتلال ، فانا وابني وكل الأسرى لا نقبل أن تكون حريتهم مقابل التنازل عن حقوق شعبنا واستقلال دولته”
كلمات تكتب بماء الذهب ، وتسجل في سجلات الشرف لمناضلات حقيقيات ساهمن في مشروع الحرية بأبنائهن ، واستطعن إن يتغلبن على فطرة الأمومة ، مقابل الحرية الكاملة والاستقلال لكل الشعب الفلسطيني ، فهن بهذا الصبر يمنحن المفاوض الفلسطيني ورقة ، كان يستخدمها الاحتلال للضغط عليه ، إلا إنهن بصبرهن سحبن هذه الورقة من الاحتلال ، الذي صدم من قوة صبر وتحمل هؤلاء السيدات اللواتي استطعن أن يجعلن من قضية الأسرى حاضرة باستمرار من خلال اعتصامهن الأسبوعي أمام الصليب الأحمر في غزة للمطالبة بإطلاق سراحهم.
وتحكي أم ضياء بكل صبر قصتها مع انتظار ابنها الأسير منذ توقيع اتفاق اوسلو ، وما تم من الإفراج عن الأسرى ، حتى عطلت دولة الاحتلال الإفراج عن المعتقلين ممن قتلوا إسرائيليين خلال الانتفاضة الأولي ، مرورا بصفقة “شليط”التي توقعت أن يتم الإفراج عن ابنها دون جدوى وتنفست الصعداء عند الإعلان على دفعات الإفراج عن الأسرى القدامى مع استئناف المفاوضات الفلسطينية ودولة الاحتلال ، حتى الدفعة الثالثة التي تم إدراج اسم ضياء ضمن ضمنها ، ليتم تعديلها في الساعات الأخيرة واستبداله بأسير آخر ، عندها ذهبت أم ضياء إلى الأسير المحرر رامي بربخ واحتضنته معلنة أنها سعيدة بخروج رامي كما سعادتها لو كان المفرج عنه ابنها .
وبين المستندات التي جمعتها من الصحافة الإسرائيلية تشير أم ضياء إلى احد التقارير تحاول فيه معرفة رفض الاحتلال الإفراج عن ابنها والتمسك به حتى آخر لحظة ، حيث يوضح احد التقارير الإسرائيلية ان المستوطن الذي أطاح ضياء برأسه بواسطة فأس زراعي في مستوطنة “جني تال” بخان يونس هو ضابط كبير في الوحدة الخاصة التي نفذت عملية اغتيال شهداء الفردان القادة الثلاثة “كمال عدوان ، وكمال ناصر ، وأبو يوسف النجار” في قلب العاصمة اللبنانية “بيروت”.
للمرة الرابعة ة تقترب لحظة لقاء الأم بولدها وعودته إلى منزله الذي تركه قبل 22 عاما عندما كان شابا قي السابعة عشر من عمره ، إلا أن الاحتلال يتراجع في كل مره ، وتبقى الأم تحتسب وتعد الأيام وساعات اللقاء ، ولكنها على قناعة تامة بحتمية اللقاء في هذه الدنيا ، بعدما ينعم كل الأسرى بالحرية، ولم تسجل في تاريخهم المشرف أن حريتهم كانت ثمن حقوق طالما ناضلوا من اجلها وتحملوا الكثير في سبيل تحقيقها .
تركنا منزل أم الأسير أم ضياء ، ونحن على قناعة أن هذه السيدة التي يقبع اثنين من أبنائها في غياهب سجون الاحتلال ، وشأنها شأن أكثر من أربعة الاف سيدة فلسطينية ، لن يقبلن أن تستخدم حرية أبنائهن ورقة للضغط والمساومة مقابل الحقوق المشروعة لشعبنا ، ووجدنا من يواسينا ويشد من أزرنا ، أمام صمودهن وصبرهن الأسطوري.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 20 / 2165366

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع عادل الاسطل   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165366 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010