الاثنين 7 نيسان (أبريل) 2014

حلّوا عن المقاومة

بقلم: نصري الصايغ
الاثنين 7 نيسان (أبريل) 2014 par نصري الصايغ

الاسم الحقيقي للاستراتيجية الدفاعية، هو نزع سلاح المقاومة. هنا مربط البحث، ولا حاجة لتدوير الزوايا، فإما الدولة أو المقاومة.
فأيهما أهم، الدولة أم المقاومة؟
اللف السياسي والدوران اللغوي ليسا مجديين. المواقف أكثر فصاحة، ولو حملت مسميات عديدة، مثل: «قرار السلم والحرب» يجب أن يكون بيد الدولة، ومثل: سيادة الدولة تنسجم مع شعار «لا سلاح غير سلاح الشرعية». مرتا مرتا، المطلوب واحد: إنهاء المقاومة، وليس نزع السلاح غير ذريعة.
وهنا، «نقطة على السطر»، بالمعنى الذي قصده «السيد».
نظرياً، لا جدال في الموضوع. الدولة أساس والمقاومة عارض. الأولى وضع طبيعي، الثانية حضور استثنائي. الدولة ديمومة بنسبة زمنية قياسية، والمقاومة حاجة مؤقتة وظرفية، تقصر أو تطول، وفق ما تقتضيه الضرورة ومصلحة الدولة، في ظروف استثنائية، والاحتلال أبرزها. المقاومة تزول بزوال الحاجة إليها، أما الدولة فتبقى، وبقاؤها تسليم بطبيعتها وضرورتها الدائمة، لانتظام حياة الجماعة فيها، ولانتظامها في السياق الدولي. هذا نظرياً. وهو أمر عام ومؤكد، ويرقى إلى مقام البديهيات.
إنما، هذه البديهيات، لا تمت إلى لبنان بصلة، إلا من زاوية نظر «المجتمع الدولي» الموارب، الذي يشترط على لبنان أن يكون دولة منتظمة وملتحقة بقوى المجتمع الدولي، لتفرض عليها خيارات سياسية إقليمية، ليست من طبيعة شعوبها ولا ثقافتها ولا مصلحتها. «المجتمع الدولي» منحاز إلى نهجين نقيضين، الأول يتغاضى عن مشكلات الدولة الداخلية، والثاني يتشدد في إخضاع الدولة لقرارات دولية، تصب في معظم الأحيان، في مصلحة أعداء الدولة والشعب.
لبنان، على لسان من توالى على حكمه ومن تولّى شؤونه واستحوذ على السلطة فيه، كان مشروع دولة، أو دولة قيد الإنشاء. وبعد قرن من الزمن، أدّت جهود هذه القوى إلى اليأس من قيام دولة. لبنان في طريقه إلى أن يصبح دويلات، غير معترف بها، ولكنها قائمة وفاعلة وذات سيادة وذات حماية.. ولا جديد في هذا القول أبداً.
لبنان لا تتهدده قوى من خارجه، باستثناء إسرائيل، ذات التهديد الدائم. لبنان تهدده مكوّناته لأنها أقوى منه. لا تتنازل عن سياداتها المبرمة لسيادة الدولة. التشوه في أساس الكيان. فطريقة إنشائه ورسم حدوده وضم «شعوبه» إليه وإقناعها بحصة فيه، جعلته كياناً يتسوّل دولة، كياناً أنشئ ضد منطق الدولة. ديكتاتورية الزعامات الطائفية والمذهبية، تمنع قيام سلطة قوية وحكومة قوية ودولة قوية... هذا بلد معروض دائماً لاقتطاع أجزاء منه، لمصلحة «مكوّناته» ذات الامتدادات العابرة للحدود. فمجموعة دول داخل الدولة، تخلّف دولة ضعيفة.
الدولة اللبنانية المحصنة بالدستور والشرعية والقوانين والمؤسسات والجيش، هي أسيرة الاحتلالات الطائفية المستدامة والمدعمة، والمؤكدة بشرعية الدعم الذي تتلقاه من القوى الخارجية الحامية، وبقوة صناديق الاقتراع التي تحمل إلى السلطة سلاطين الطوائف وأمراء المذاهب وأصحاب رؤوس المال، الذين لا هوية لهم، سوى محافظهم المتنامية نقداً وعداً ونهباً. الدولة اللبنانية محتلة من داخلها.
محاولة فؤاد شهاب لبناء دولة، ظلت يتيمة. فشل شهاب ومات قهراً وكمدا. ويومها، كانت طبقة «أكلة الجبنة» من أمراء الطوائف، أقل شراهة وأكثر احتشاماً من مبتلعي الدولة وأملاكها ومؤسساتها، إلى أبدٍ لبناني قادم. باستثناء، هذا الاستثناء الجهيض، متى كانت الدولة قوية. بشارة الخوري و«السلطان سليم»، كانا أقوى من الدولة. تلاعبا بالدستور، وأخذا الدولة إلى التجديد.. كميل شمعون أخذ الدولة إلى «حلف بغداد»، فأطيح «دولته».. شارل حلو، كان «المكتب الثاني» أقوى منه، والمخيمات فرضت «اتفاق القاهرة» بقوة السلاح. سليمان فرنجية، من بيت أبيه الطائفي ضُرِب. الياس سركيس كان أسير بعبدا. أمين الجميل، جماعته أقوى منه، و«قوات» شقيقه نفته إلى باريس. فمتى كانت الدولة دولة، والسلطة سلطة؟ ولا تسأل عن الدولة في الحقبة السورية، فبكل جدارة، كانت «دولة لبنان الكبير» محكومة من قبل ضابط صغير.
لو كانت دولة لبنان، دولة حقيقية، دولة لشعبه، لا على شعبه وضده، دولة قوية، بمقدار ما تحتاج إليه من قوة، تفرضها طبيعة الإقليم والصراعات فيه، قوية بمقدار التحديات التي تواجه حدوده الجنوبية، لو كان لبنان كذلك، لما كان هناك احتلال ولا كانت هناك حاجة لمقاومة واستشهاد وآلام وخراب وتدمير ودموع ودماء.
لو كانت الدولة قوية لما كانت حدودها الجنوبية هشة. لو كان لبنان قوياً ليدافع عن أرضه وناسه، لمنع اعتداءات اسرائيل عليه. كان لبنان الرسمي يتكتّم على ما ترتكبه اسرائيل. «مجزرة حولا»، حاربتها الدولة. واعتقلت الضحية الناجية التي «وشت» بإسرائيل... يا للعار!
كان لبنان الدولة متفرغاً للاهتمام ببيروت وجبل لبنان. الجنوب متروك، البقاع مهمل، الشمال مسيَّب، لم يشعر هؤلاء الملحقون بلبنان، أنهم لبنانيون. اعترفت الدولة بزعامات عليهم ولم تعترف بهم مواطنين. وهؤلاء لم يلتحقوا بلبنان، إلا عندما أخذتهم الزعامات الطائفية إليه، لينالوا حصتهم من «سقط المتاع».
وليس من قبيل الصدف أن تنفجر في لبنان «مقاومتان»: واحدة ضد السلطة وأخرى ضد إسرائيل. الأولى بقيادة «الحركة الوطنية» التي هدفت إلى تغيير النظام الطائفي، وإقامة نظام ديموقراطي، والأخرى رمت إلى مساعدة الفدائيين الفلسطينيين لاسترجاع أرضهم.
الانعزالية اللبنانية والرجعية العربية و«التقدمية السورية» ضربت «الحركة الوطنية». غير أن الانعزال والرجعيات العربية وأنظمة الردة، لم تستطع القضاء على المقاومة في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي. صارت المقاومة أقوى من الدولة المتهالكة.
حققت المقاومة انتصارات حاسمة في مواجهة العدو فوق أرض لبنان. انتصارات بدأت إبان الاجتياح 1982. كان القتال وجهاً لوجه. والمقاومة تنتصر وإسرائيل تندحر إلى ان بلغت بوابة فاطمة.
لم يكن للدولة اللبنانية حصة في هذا النضال الدامي، ولا كان لـ«حماة الدولة» من أكلة الجبنة أي مساهمة. في معظم الأحيان. كانت الدولة إما متفرجة أو محايدة أو متربصة بالمقاومة. حتى إذا حان «25 أيار» خرج رجالاتها وصاحوا بفرح أهبل، «هاتوا سلاحكم. انتهت مهمتكم. عودوا إلى بيوتكم»... وأضافوا إلى ذلك معزوفة بناء دولة.
أيهما أهم اليوم: الدولة أم المقاومة؟ أو بالأحرى وبالتحديد: من أهم، هذه الدولة الفاشلة أم هذه المقاومة الباسلة؟ هذه الدولة العجوز أم هذه المقاومة الفتية؟
لم يبنوا دولة قبل نشوء المقاومة. لذلك، الأجدى أن يتداعى هؤلاء الغيارى على الدولة، لعقد جلسات حوار، ليتباحثوا في الأسس الضرورية لبناء دولة... إذا صدقوا في حواراتهم، سيكون عليهم أن ينسحبوا من الحوار، لأنهم سيكتشفون أنهم هم السبب المباشر والأكيد في عدم بناء الدولة.
الطوائف لا تبني دولاً، بل تهدم دولاً. ها هو العراق وها هي سوريا وها هو السودان وها هي اليمن وهكذا دواليك.
لكل هذه الأسباب: «حلّوا عن المقاومة».



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 22 / 2165601

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165601 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010