الاثنين 7 نيسان (أبريل) 2014

المقاومة الشعبية أفضل أساليب التفاوض

الاثنين 7 نيسان (أبريل) 2014 par محمود الريماوي

حين رفض الاحتلال الصهيوني إطلاق سراح الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين ( 26 من قدامى الأسرى) فعل ذلك للتدليل على رؤيته للمفاوضات بما هي، من زاويته، فرصة لفرض إملاءات منتصرٍ على مهزوم، واستكثار أن يلتزم بما تعهّد به نحو الطرف الضعيف والمستضعف . وللتذكير فإن الاتفاق على إطلاق سراح 104 أسرى على أربع دفعات، إضافة إلى الإفراج عن أموال الضرائب المحتجزة، كان هو “التنازل” الذي أقدمت عليه حكومة الاحتلال، نظير حمل الجانب الفلسطيني على العودة إلى مائدة المفاوضات . بعد نحو عشرين شهراً على هذا الالتزام قرر نتنياهو التنصل من الاتفاق قائلاً إنه لن يتم الإفراج عن الدفعة الرابعة بغير ثمن . لم يحدد ما هو الثمن المطلوب، وترك الباب مفتوحاً أمام ابتزازه للطرف الفلسطيني . علماً أن الثمن الذي تلقاه الفلسطينيون مقابل استئناف التفاوض كان زهيداً، وإن كانت حرية كل أسير لا تُقدّر بثمن . فالغزو الاستيطاني لم يتوقف، والتنكيل بالشعب الرازح تحت الاحتلال بقي على حاله . وقد زادت وتيرة هذا وذاك منذ أن تم الاعتراف في الأمم المتحدة بدولة فلسطين عضواً مراقباً في المنظمة الدولية .
المفاوضات رعاها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري . كان وما زال يحاول التوصل إلى سلام ما، إلى تسوية ما يتم التفاوض عليها تضع حداً لصراع قرن من الزمن، وبما يضمن أمن ومنعة الكيان الصهيوني وتحوله إلى دولة عادية مقبولة في المنطقة لكنها دولة قوية ونووية، بل أقوى من بقية دول المنطقة مجتمعة، مع الوفاء بحد أدنى من الحقوق الفلسطينية تشبع على الخصوص تطلعهم إلى اقامة كيان سياسي مستقل منزوع الأسلحة الثقيلة على مجمل الأراضي المحتلة في العام ،1967 مع وضع ترتيبات خاصة لأكثر من نصف مليون مستوطن صهيوني، وعودة ما يتيسر عودته من اللاجئين والنازحين من مخيمات الشتات في الدول المجاورة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة .
الاستنكاف عن إطلاق بقية الأسرى أثار شعوراً لا سابق له بالمهانة لدى الجانب الفلسطيني الذي أراد سابقاً إعطاء التفاوض فرصة جديدة، مقابل تنازل كبير الأهمية وهو امتناع دولة فلسطين عن الانضمام إلى المنظمات والوكالات التابعة للأمم المتحدة . كان التصور بأن بلوغ التفاوض غايته لا يقل أهمية عن الانضمام إلى منظمات دولية، وبحيث يصبح هذا الانضمام لاحقاً أمراً مفروغاً منه وتحصيل حاصل .
الآن تنبّه الجانب الفلسطيني إلى ان ذلك الامتناع يمثل خطأ جسيماً . وحين يعمد الرئيس محمود عباس إلى توقيع طلب الانضمام رداً على الغطرسة الصهيونية، فإنه يصحح هذا الخطأ ويستدركه، مع ملاحظة لعلها على جانب من الأهمية، إذ لا يجوز ابتداء جعل هذه المسألة جزءاً من التفاوض، فهي حق بدهي من حقوق “السيادة السياسية”، إذ إن قيمة الاعتراف الأممي بدولة فلسطين كامن في فتح الأبواب كي تكون هذه الدولة حاضرة في سائر المحافل الدولية ولها حق المشاركة في اتخاذ القرارات وفي الترشح والتصويت، وكذلك اللجوء إلى المحاكم الدولية كدولة معتدى عليها . إن الانضمام إلى هذه المنظمات هو كحق سيادي أشبه بفتح سفارات وممثليات في الخارج، ولم يكن جائزاً في الأصل إدراج هذه المسألة في المساومات التفاوضية .
الاحتلال يدرك أهمية هذه الخطوة (كما يدرك مثلاً أهمية أن يكون هناك برلمان منتخب للفلسطينيين، فحكومة مع وجود برلمان تكتسب شرعية في العالم كله، خلافاً لحكومة تعمل من دون برلمان يراقبها ويشرّع لها، ولهذا جرى تقويض المجلس الوطني) . لقد جن جنونه، واعتبر الأمر تجاوزاً ل“خطوط حمر” . وقد سعى كيري إلى ثني الجانب الفلسطيني عن اتخاذ هذه الخطوة قائلاً إن ذلك سيؤدي إلى رد فعل “إسرائيلي” قوي . والاحتلال “الديمقراطي” جاهز لردود فعل قوية حتى حين تسير مظاهرة نحو جدار الضم والتوسع، أو صوب مستوطنة، أو باتجاه سجن يقبع فيه أسرى . وهو ما حدث يوم الجمعة 4 إبريل/نيسان الجاري حين تم تسيير تظاهرة قادها مسؤولون من السلطة نحو سجن عوفر قرب رام الله الذي يضم بين أسرى آخرين، قدامى الأسرى الذين كان يجب أن تفرج عنهم سلطات الاحتلال، وقد تعرض نحو عشرة متظاهرين لإطلاق نيران أوقعت بهم إصابات بين متوسطة وخطرة .
واللافت في الأمر أن قرار الاحتجاج الشعبي صدر هذه المرة عن السلطة الوطنية وحركة فتح، وتمت الدعوة إلى المسيرة عبر نداءات بمكبرات الصوت من مآذن المساجد .
ولا شك أن هذا الموقف على بساطته بل بداهته يكاد يشكل تحولاً في سياسات السلطة، وذلك بعد طول احتجاز من طرف السلطة للحركة الشعبية الاحتجاجية، والحؤول بينها وبين مواجهة الاحتلال بدواع مختلفة معظمها “أمني” الطابع والمضمون .
هناك أزمة وثمة مأزق على صعيد التفاوض، هذا صحيح . . ولكن لا جديد في هذا الأمر . فالاحتلال كان وما زال يرفض اعترافاً متبادلاً، وينكر على الطرف الآخر حقوقه الأساسية، ويواصل مصادرته للأرض والاستيلاء على مصادر المياه، ولو كان الحال على غير ما هو عليه لما اصطدم التفاوض بعقبات كأداء، لكن العدو بعقيدته التوسعية العنصرية وكما يمثلها على الخصوص اليمين الأشد تطرفاً، لا يرى حياةً ووجوداً له إلا في إنكار حق الآخرين بالحياة والحرية على أرضهم . وأن تنطلق المقاومة الشعبية مجدداً بقبول ودعم من السلطة، فذلك لا مراء هو أنجع أساليب التفاوض الميداني في هذه المرحلة .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2165295

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

27 من الزوار الآن

2165295 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 26


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010