الأحد 6 نيسان (أبريل) 2014

“وثيقة الأسرى” مدخل لتجاوز المأزق

الأحد 6 نيسان (أبريل) 2014 par علي جرادات

بعد ثمانية أشهر على استئناف المفاوضات الفلسطينية - “الإسرائيلية” برعاية أمريكية في ظل تحولات عربية عاصفة تلقي بتداعياتها على نضال الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية في العودة وتقرير المصير وبناء الدولة المستقلة وعاصمتها القدس كحقوق ثابتة غير قابلة للتصرف أو المقابلة أو المفاضلة أو المقايضة، ما انفكت حكومة المستوطنين بقيادة نتنياهو تحاول، برعاية أمريكية، فرض مطالبها السياسية الصهيونية التعجيزية، وإملاء شروطها الابتزازية لتمديد المفاوضات، ما حدا بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية إلى الخروج عن صمتها وإعلان قرار تفعيل حق دولة فلسطين في الانضمام إلى منظمات واتفاقيات ومعاهدات هيئة الأمم المتحدة كحق تم إرجاء تفعيله لمدة تسعة أشهر مقابل تعهد الولايات المتحدة بضمان إفراج “إسرائيل” عن 104 أسرى فلسطينيين اعتقلوا قبل إبرام “اتفاق أوسلو” . هنا ثمة خطوة سياسية فلسطينية مهمة . لكن لئن كان من غير الجائز تقزيم مغزاها، فإن من السذاجة السياسية تضخيمه، ذلك أن ما حملته من تلويح باتخاذ خطوات أخرى ظل في إطار سياسة الضغط لتحسين شروط تمديد المفاوضات .
ما يعني أنه رغم وصول التعاقد السياسي ل“مفاوضات الأرض مقابل السلام” الذي أطلقه اتفاق أوسلو ،1993 إلى طريق مسدود، إلا أن طرفيْ هذا التعاقد يتجنبان حتى الآن، وكل منهما لأسبابه، فكه بالمعنى السياسي للكلمة . ومن الطبيعي أن تكون “إسرائيل” الأكثر تشبثاً باستمرار هذا التعاقد بعد أن حولته، برعاية أمريكية، من آلية مفترضة لإنهاء سيطرتها على الأراضي الفلسطينية التي احتلتها في العام 1967 إلى لعبة لإدارة الصراع عوض تسويته، وإلى غطاء لتعميق الاحتلال عوض انهائه، بل إلى آلية لتمرير مخططاتها لتصفية القضية الفلسطينية . فقادة “إسرائيل”، بمن فيهم من رفضوا تعاقد اتفاق أوسلو يوم توقيعه، يعون أن فكه يعني إعادة المواجهة إلى ما كانت عليه قبل إبرامه، بل يعني أيضاً تخليص القضية الفلسطينية من قبضة الولايات المتحدة حليف “إسرائيل” الاستراتيجي الثابت .
كل هذا تعيه وتخشاه وتحرص أشد الحرص على تفادي حدوثه حتى حكومة نتنياهو أكثر حكومات “إسرائيل” عنجهية وتطرفاً بالمعنيين السياسي والميداني . إذ صحيح أن هذه الحكومة ترى في التحولات السياسية العربية العاصفة فرصة للتصعيد بغرض تعزيز قوة الردع على جبهات الصراع كافة، لكنها تقوم بذلك بحسابات دقيقة ومدروسة . إذ على الرغم من تصعيدها لإجراءات الحصار والعدوان ضد غزة وخرق كل “تهدئة” مع فصائل المقاومة فيها، ورغم تصعيدها لإجراءات الاستيطان والتهويد وهدم البيوت وتقييد الحركة والاغتيال والاعتقال والاعتداء على المقدسات في الضفة وقلبها القدس، إلا أنها، (حكومة نتنياهو)، تحرص على تثبيت التهدئة الأمنية واستمرار المفاوضات على أساس تعاقد أوسلو السياسي . واستطراداً: على الرغم من قيامها بشن أكثر من عدوان عسكري جوي على أهداف سورية، بل شنت مؤخراً عدواناً على هدف داخل الأراضي اللبنانية، ما يشي بمحاولة إرساء قواعد جديدة للعبة على الجبهة الشمالية، إلا أنها تحرص على استمرار هدنة ما بعد حرب 1973 وتفاهمات وقف إطلاق النار ما بعد عدوان تموز 2006 على لبنان . ماذا يعني هذا الكلام؟
لقد حسمت نتائج عقدين ويزيد من المفاوضات الثنائية المباشرة مع حكومات “إسرائيل” برعاية أمريكية الجدل في شأن جدوى استمرارها وفق منهج اتفاق أوسلو ومرجعياته وشروطه والتزاماته السياسية والاقتصادية والأمنية . بل أثبتت أن مدخل الخروج من المأزق الوطني الراهن متعدد الأوجه والأبعاد، يتمثل في وقف هذه المفاوضات والكفّ عن مواصلة المراهنة عليها، وبناء استراتيجية سياسية بديلة عمادها إعادة ملف القضية الفلسطينية إلى إطار هيئة الأمم المتحدة ومرجعية قراراتها ذات الصلة والدعوة إلى عقد مؤتمر دولي كامل الصلاحيات لإلزام حكومات “إسرائيل” بتنفيذ هذه القرارات لا التفاوض عليها، أو على الأقل البناء على إنجاز الاعتراف الدولي بفلسطين دولة غير عضو في الأمم المتحدة في إطار رؤية شاملة ترتكز إلى العمل لنيل العضوية في منظمات الأمم المتحدة التخصصية كافة، وخصوصاً محكمة الجنايات الدولية، وإعادة التمسك بالشروط التي وضعها المجلس المركزي لمنظمة التحرير قبل سنوات لاستئناف المفاوضات، وهي: وقف كلي وشامل لإجراءات الاستيطان والتهويد، وتحديد قرارات الشرعية الدولية مرجعية للمفاوضات، والإفراج عن الأسرى والمعتقلين .
هذا هو الأساس السياسي الذي يفتح الباب لإنجاز الوحدة الوطنية الفلسطينية . إذ غني عن الشرح صعوبة الفصل بين استمرار المفاوضات العقيمة والمدمرة وحالة الانقسام والتشرذم التي يعيشها الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية ومرجعياته ومؤسساته الوطنية العامة وتشكيلات فعله النضالي . وهذا ما يستدعي انتظام عمل الإطار القيادي المؤقت المعني بتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية وإعادة بنائها وبالإعداد لانتخابات المجلس التشريعي والرئاسة والمجلس الوطني خلال مدة زمنية محددة، وصولاً إلى تحشيد جماهير الشعب الفلسطيني وقواه وطاقاته وجهوده وإمكاناته الوطنية في الوطن والشتات تحت قيادة واحدة وفي إطار برنامج سياسي وطني موحد يرتكز إلى “وثيقة الأسرى” للوفاق الوطني التي لا تزال تشكل أساساً سياسياً صالحاً لاستعادة الوحدة الوطنية، وإعادة بناء المؤسسات السياسية الفلسطينية القيادية على أسس وطنية وديمقراطية بالانتخاب الديمقراطي على أساس التمثيل النسبي الكامل، حيث أمكن، وبالتوافق حيث تعذر . بل فيها، (وثيقة الأسرى)، ما يحل الخلاف حول موضوع المقاومة حيث أكدت على ضرورة عدم حصر المقاومة بأسلوب واحد مع إبقاء الباب مفتوحاً على تقديم هذا الأسلوب أو ذاك تبعاً لحاجات هذا الظرف السياسي أو ذاك، أو تبعاً لحاجات هذه اللحظة السياسية أو تلك، بحسبان أن خيار المقاومة الشعبية لا يعني المفاضلة بين أشكال النضال وأساليبه، وأن حصرها في النضال السلمي يفرغها من مضمونها الثوري على الأقل كما مثلته الانتفاضة الشعبية الفلسطينية الكبرى التي أعطت بما أبدعته من أشكال متميزة للمقاومة السلمية والعنيفة والجماهيرية والفصائلية والاقتصادية والسياسية والثقافية، فكان لها أن أربكت العدو وحيدت تفوق ترسانته العسكرية وتفوقت عليه سياسياً وأخلاقيا ومعنوياً بصورة أذهلت العالم وأعطت شعوبه دروساً ملهمة أكدت نجاعة الجمع بين أشكال المقاومة الشعبية وأساليبها وعلى عقم تجزئتها أو المفاضلة بينها . وبكلمات لئن كانت حكومة نتنياهو برعاية أمريكية تبتز القيادة الفلسطينية في موضوع الأسرى، فإن في وثيقتهم للوفاق الوطني ما يوفر المدخل الفعلي للخروج من المأزق الوطني الفلسطيني العام .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 22 / 2165422

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165422 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010