يعتقد الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل أن العرب يحتاجون إلى “سفينة نوح” للنجاة من الطوفان الذي يجتاحهم في هذه المرحلة الخطيرة . هذا استنتاج من سياسي وإعلامي عايش مختلف الأوضاع العربية والعالمية في آخر سبعة عقود، وهي الفترة ذاتها التي شهدت حربين عالميتين مدمّرتين، وعاصر صدور قرار التقسيم وزرع الاستعمار ل “إسرائيل” في المنطقة العربية من خلال تهويد فلسطين، وكان جزءاً من الحدث وصانعيه، وعاصر كذلك الحرب الباردة كلّها، وتداعيات انهيار الاتحاد السوفييتي .
إذا كان هيكل يستنتج أن العرب في وضع من يغرق ويحتاج إلى سفينة، فإن السياسيين والمثقفين العرب منقسمون بشأن تشخيص الحالة، ففيما يصور بعض السياسيين والمثقفين العرب “إسرائيل” باعتبارها “سفينة نوح” الإنقاذية، ما زالت الأغلبية العربية تعتبر “إسرائيل” هي الطوفان الذي يهدد بإغراق الأمة العربية إن لم يكن في بحر أطماعها، ففي بحر خلافات العرب الداخلية وفتنهم الطائفية والمذهبية والمناطقية .
التجربة الطويلة دلّت على أن العرب لا تستطيع سفينة واحدة حملهم، أو أن من الصعب عليهم أن يجتمعوا في سفينة واحدة، لأن وجهتهم ليست واحدة ولأن القباطنة كثر، فيما المثل يقول إن المركب برأسين يغرق، كما أن حملة المعاول والحفارين في أرضية أية سفينة كثيرون .
الأمم لا تنهض من رقودها، ولا تصحو من سباتها، ولا تصعد من قعر وضعها، إلا بوحدتها وتوحيد وجهتها ووسائلها وغاياتها، وتوحيد التشخيصات العامة لأحوالها وما يحيط بها من أحداث وتحديات، ذلك أن التشخيص الخطأ يفاقم المرض بدل أن يعالجه . من الطبيعي أن تتعدد الاجتهادات والرؤى، بل من الضروري أن تتوافر التعددية في كل شيء، وتحت سقف الوحدة العامة، يمكن للخلافات والتباينات أن تتعايش، ويمكن للرؤى أن تتجاور وتتجادل إبداعياً وبحثاً عن الأفضل، واختياراً للسبل الآمنة والأقل كلفة .
الواقع العربي الحالي تتقاذفه أمواج كثيرة ورياح شديدة الهبوب ومتعددة الاتجاهات، ولا بد لمن بقي من المفكرين والمحللين العرب الذين لم ترهن تفكيرها لغيرها أو لمصالح شخصية، أن يقبضوا بأسنانهم وأظافرهم على الأهداف التي قضى من أجلها مئات آلاف الشهداء العرب في ساحات النضال المختلفة، دفاعاً عن فلسطين وعن كل شبر دنّسه المستعمرون في الأرض العربية .
آن الأوان للبحث عن القراءة الواقعية الحقيقية لأحوال الأمة، حتى يصار إلى وضع المعايير التي يعترف بها التاريخ لربيع التغيير الحقيقي الذي تنشده الشعوب، وليس الربيع الذي لا يحمل من نفسه إلا الاسم، ليس الربيع الدامي الذي يفرّق ويفتن ويشرّد ويملأ الشارع العربي بالويلات والمآسي، وليس ربيع الانتهازيين الذين يسرقون نضال بسطاء الشعب . الربيع الذي يرفع أعمدة العلم، ليس الربيع الذي يقتل العلماء ويحرق الجامعات وصروح العلم، الربيع الذي يحمي الشعب والدولة، وليس الذي ينصب الكمائن ويغتال المدني والعسكري والسجّانين والسجناء .
الشعوب ترنو إلى الربيع الذي يزهر حياة وليس الذي يهديهم توابيت وقبوراً، الربيع الذي يبني أوطاناً للجميع، ويستثمر في المواطن من دون قراءة بطاقة هويته . آن الأوان لكل ذي بصيرة عربي ألا يتخاذل أمام الحقيقة، حتى لا تتحوّل السفينة التي يتحدث عنها الأستاذ هيكل، إلى “تايتانيك”
السبت 5 نيسان (أبريل) 2014
العرب وسفينة نوح
السبت 5 نيسان (أبريل) 2014
par
أمجد عرار
مقالات هذا المؤلف
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
24 /
2166047
ar أقسام الأرشيف أرشيف المقالات ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
22 من الزوار الآن
2166047 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 22