السبت 29 آذار (مارس) 2014

الصهاينة إن سالموا

السبت 29 آذار (مارس) 2014 par عبداللطيف مهنا

بعيدًا عما ستؤول إليه جهود كيري التصفوية والتكهنات المتعلقة بها، أو ما قد تفرضه ورقة عمله إن وقِّعت من تنازلات لن تكون إلا من الجانب الفلسطيني الأوسلوي، فإن من ثوابت المقابل الصهيوني المعلنة، أن كل ما جادت به الحقبة الأوسلوية الفلسطينية على الكيان الصهيوني من حصاد تنازلي لا تكفي.
وهي تنازلات كلما ازدادت انفتحت شهيته للمزيد، وليس هناك، من أسف، ما يدعو لعدم توالي المزيد من انفتاحاتها لا فلسطينيًّا ولا عربيًّا… هذه التنازلات التي بدأت بالاعتراف بالكيان الاستعماري الغاصب، والتنازل له عن 78% من فلسطين التاريخية، والتخلي عن مقاومة الاحتلال تحت شعار “نبذ العنف”. بل وليس وقفها فحسب، وإنما ملاحقة المقاومين ومطاردتهم عملًا بما تقتضيه التزامات التنسيق الأمني القائم مع المحتلين، ومن هذا، مثلًا، ما حدث مؤخرًا في مخيم جنين. وتثبيت الكتل الاستعمارية التهويدية الكبرى بالموافقة على مبدأ تبادل الأراضي، والتسليم المفروغ منه بالسيطرة الصهيونية على ما يدعى الأحياء اليهودية في القدس الشرقية، مع إبقاء مستقبل المدينة غامضًا، أو ما يعادل ضمنًا ترك مصيرها نهب تأويلات وتفسيرات المشيئة الصهيونية… ثم يأتي أخطرها وهو التخلي المعلن مؤخرًا عن جوهر القضية الفلسطينية، أي حق العودة، عبر مقولة أن “لا عودة تؤثرعلى النسيج الاجتماعي” الصهيوني… طبعًا دون أن ننسى إتاحة ما يزيد الآن عن العقدين من الوقت والتغطية التفاوضية المطلوبان صهيونيًّا لاستكمال عملية التهويد للقدس وسائر الضفة الغربية. ثم أثر كل هذا في توفير الذريعة المنشودة لعرب التسوية لنفض يدهم من قضية الأمة المركزية والتنصل من الالتزامات القومية المستوجبة تجاهها، وفق مقولة لسنا فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين.
ما تقدم لا يدع مجالًا للاستغراب الذي يبديه البعض للارتفاع المتوالي لوتيرة ما يدعى بالتشدد الصهيوني، وصولًا إلى الإصرار الصهيو ـ أميركي على وجوب الاعتراف الأوسلوي بما تدعى “يهودية الدولة”، التي تعني تغليب الرواية الصهيونية الزائفة على الرواية الفلسطينية المحقة للصراع العربي الصهيوني في فلسطين، أو حتى ما يعني مطالبة الضحية لاحقًا بالاعتذار من جلادها…
تقول آخر استطلاعات الرأي في الكيان الغاصب إن 70% من صهاينته لا يؤمنون بأن رئيس سلطة الحكم الذاتي الإداري المحدود تحت الاحتلال “شريكًا حقيقيًّا للسلام”، وكان قبلها قد أجاب وزير الحرب الجنرال يعلون عندما سألوه عن إمكانية عقد اتفاقية تسوية مع الفلسطينيين: “ليس في حياتي”… لندع ما يقوله هؤلاء السبعون في المئة من الصهاينة جانبًا، ولنر ماذا يقوله، ليس كل الثلاثين في المئة المتبقين منهم، وإنما القلة القليلة من هؤلاء المتبقين، أو المعروفين بدعاة “السلام” منهم.
نشرت صحيفة “هآرتس” مؤخرًا إعلانًا لهؤلاء وقَّعه عدد من الأكاديميين والكتاب والعسكريين البارزين يدعو نتنياهو وأبو مازن للموافقة على اتفاق إطار يتضمن المبادىء التالية:
“إقامة دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل على أساس حدود 67، بتعديلات حدودية متبادلة ومتفق عليها”، بمعنى أن دعاة “السلام” هؤلاء هم مع مبدأ تبادل الأراضي الذي ينسف هذه الحدود، أي لا من خلاف هنا بينهم وبين نتنياهو أو يعلون أو ليبرمان، والمعروف أن هؤلاء لا يختلفون مع أصحاب البيان حول مقولة “حل الدولتين”، وإن كان ثمة من خلاف فلا يتعدى قليل التفاصيل وليس جوهر مفهومه الواحد عند الطرفين. وأن تكون ما ستسمى الدولة الفلسطينيةٍ “مجردة من السلاح”، وأن “تقام فيها ترتيبات تضمن الأمن لإسرائيل”، وهنا أيضًا لا من خلاف بين المسالم والمتشدد الصهيونيين، كما أن الأوسلويين من جانبهم لا يعترضون على هذا، بل هم ينسقون أمنيًّا راهنًا مع المحتلين ولا من مشكلة لديهم في مواصلة ما سيضاف من الالتزامات الأمنية عليهم.
ويشير البيان إلى القدس كعاصمة للدولتين، لكن “حسب صيغة كلينتون، الأحياء اليهودية للإسرائيليين والفلسطينية للفلسطينيين”، أي هنا تأتي حكاية أبو ديس أو بيت حنينا أو العيسوية أو شعفاط، أو وفق ما تقترحه ورقة عمل كيري كقدس فلسطينية تقع خارج القدس”! كما يمضي البيان إلى ما يدعوه “تسويات خاصة يتفق عليها لنطاق جبل البيت (الحرم القدسي الشريف)، تتضمن الحقوق المدنية الكاملة للمواطنين من الأقليات القومية في الدولتين”، أي تقاسمه، كما حدث للحرم الإبراهيمي في الخليل، أو تشريع بناء الهيكل المزعوم لاحقًا في كنفه أو مكانه… وأخيرًا، وهنا بيت القصيد، “التوقيع على اتفاق يضع حدًّا نهائيًّا ومطلقًا لمطالب الطرفين الواحد من الآخر. والدولتان تطلبان مباركة وإسناد الاتفاق من دول المنطقة التي وقَّعت على مبادرة السلام” العربية. أي التنازل الكامل عن حق العودة وعن تعويض اللاجئين، بمعنى الإقرار الفلسطيني بتصفية القضية الفلسطينية، وضمان التطبيع مع العرب ونيل مباركتهم للتصفية بل وضمانها، مقابل ماذا؟
مسخ تحت الاحتلال يسمى دولة وليس له مقوماتها… أما وأن هذا هو السلام الذي يطرحه قليل من قلة هامشية صهيونية تدعى حركات السلام، والتي هي ليست إلا واحدة من مستلزمات الديكورات التجميلية في المشهد الصهيوني القبيح لا أكثر، فما هو حال السبعين في المئة من الصهاينة الأقحاح، الذين إن قالوا فعلوا، والذين لا يرون في الأوسلوييين شركاء حتى في سلامهم؟!
…هذا الكيان الاستعماري الغاصب وجوده أصلا هو نقيض كامل لمفهوم السلام، وهذه القضية العادلة تظل العسيرة على التصفية، وليس من قوة على الأرض تستطيع أن تحول بين الأجيال الفلسطينية والعربية والنضال من أجل التحرير والعودة لكامل فلسطينها التاريخية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 22 / 2165402

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع عبداللطيف مهنا   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2165402 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010