الجمعة 28 آذار (مارس) 2014

شهداء جنين.. التأسيس لإنهاء جرائم التنسيق الأمني

الجمعة 28 آذار (مارس) 2014 par عبد الرحمن ناصر

باختيار النظر من زاوية محددة لما حدث في مخيم جنين، آواخر الأسبوع الماضي، يمكن التأكيد على أن سنوات التنسيق الأمني البغيض، والتضييق الهائل على المناضلين في الضفة، لم يفلح في إطفاء جذوة المقاومة، ولا هو قاد مناضلي الشعب الفلسطيني، والأذرع العسكرية من قواه الحية إلى اليأس والاستسلام، وواقعة التصدي لجنود العدو الذين هاجموا منزل الشهيد حمزة أبو الهيجا، هامة جداً، وتكرر واقعة مواجهة معتز شمعة لجنود العدو، كما أن ما حدث دليل جديد على أن الانقسام الذي يصدعنا طرفاه بالحديث عنه، لا ينسحب على موقف رجال المقاومة، فالتصدي للعدوان الصهيوني على مخيم جنين، شارك فيه أبناء كتائب الأقصى (فتح) وسرايا القدس (حركة الجهاد) وكتائب القسام (حماس) وقدم كل ذراع عسكري شهيداً، وكأن الشهداء الثلاثة يؤكدون الوحدة في الميدان بدمهم.

من زاوية نظر أخرى، فإن استشهاد الشبان الثلاثة، دليل جديد وإضافي على الدور الخطير الذي يلعبه استمرار ما يسمى “التنسيق الأمني”، وهو الاسم الملطف للعمالة للمحتل، والتورط في تنفيذ مخططاته، وتأمين طريقه نحو تنفيذ جرائمه القذرة بحق أبناء الشعب الفلسطيني، خصوصاً المقاومين المتمسكين بالمقاومة نهجاً، وطريقة عيش.

سيناريو متكرر

يحتفظ الصهاينة بذكريات سيئة عن مخيم جنين، فقد خاض رجال المقاومة مواجهة مشرفة ضد قوات العدو الصهيوني، عند قيامها باجتياح المخيم عام 2002، وسطر أبطال أسطوريون مثل الشهيد “محمود طوالبة” والشهيد “أبو جندل” وغيرهم من أبناء المخيم، ملحمة صمود مميز، وأوقعوا في صفوف جنود العدو خسائر كبيرة، ولم ينه قيام الصهاينة بارتكاب مجازر مروعة في المخيم، وتدميره بالكامل تقريباً جذوة المقاومة المتقدة في مخيم، يبعد قليلاً عن الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، وحيث تقع القرى والبلدات التي اقتلع أبناء المخيم منها، وبقيت تحت نظرهم، وعلى مرمى خفقة من قلوبهم.

كررت قوات الاحتلال اعتداءاتها على المخيم، وسعت مراراً إلى دخوله لاعتقال أو قتل مقاومين من أبنائه، ويمكن اعتبار العدوان الأخير حلقة في سلسلة متصلة من الهجمات العدوانية على مخيم جنين، وكما يحدث في كل مرة يقوم فيها جنود العدو الصهيوني، بالدخول إلى مناطق توصف بأنها تحت سيطرة السلطة، ينسحب منتسبو الأجهزة الأمنية الفلسطينية، بناء على مندرجات اتفاق التنسيق الأمني، وتترك الشوارع والساحات لجنود العدو، ليقتلوا أو ليعتقلوا، وفي أحيان كثيرة ينبري شبان لمواجهة العدو المتوغل بالحجارة، ولكن ما حدث مؤخراً، حمل تطوراً جديداً، الشهيد البطل معتز شمعة، أراد أن يسجل مأثرة، واجه وحيداً جنود الاحتلال الذين دخلوا برعاية التنسيق الأمني وأجهزته، وقاتل حتى استشهد.

في مخيم جنين، دخلت وحدة من جنود العدو الصهيوني، لاعتقال أو اغتيال المقاوم حمزة جمال أبو الهيجا؛ عضو كتائب القسام، رفض حمزة الاستسلام، قاوم المعتدين، وانبرى شبان من كتائب شهداء الأقصى، وسرايا القدس للدفاع عن حمزة، والتصدي لجنود العدو، فارتقى ثلاثة شهداء في الاشتباك، عمدوا بدمهم ثرى المخيم الطهور، ثلاثة شهداء من ثلاثة فصائل، ساروا على درب الشهيد معتز شمعة، رافضين بالدم والرصاص ما يراد تحقيقه عبر سياسة التنسيق الأمني البغيضة التي تعني استباحة المدن والقرى والمخيمات، في الوقت الذي يريده الصهاينة.

جريمة التنسيق الأمني

ترتبط اتفاقات التنسيق الأمني بنصوص أوسلو مباشرة، في تلك النصوص حديث عن التنسيق والدوريات المشتركة، وما سمي بـ“حق المطاردة الساخنة”، عام 1996 مع اندلاع “انتفاضة النفق” تقوض التنسيق الأمني، ومر بفترات من الانتعاش والخفوت إلى أن أنهته انتفاضة الأقصى، وليعود بقوة بعد اغتيال الرئيس ياسر عرفات.

لم تكن تلك العودة مرتبطة بإحياء نموذج الدوريات المشتركة السابق، بل عنت إيجاد بنية جديدة من الأمنيين الفلسطينيين المقتنعين بأن التنسيق الأمني هو قوام العقيدة الأمنية، وضعت حكومة السلطة قانوناً للتقاعد أزاحت من خلاله غالبية البنية السابقة، للأجهزة الأمنية، بما فيها جهاز الأمن الوطني المؤلف في غالبيته آنذاك من المقاتلين الفلسطينيين السابقين، وجيل الانتفاضة الأولى، وأحلت مكانهم من تدربوا في كلية أمنية خاصة، على يد أميركيين وأردنيين.

منذ ذلك الوقت صار التنسيق الأمني الثابت الرئيسي في أداء السلطة وأجهزتها الأمنية، من مواجهة رجال المقاومة، تصفية أو اعتقالاً، وصولاً إلى تقديم كشوف اسمية للاحتلال، حتى بالمشاركين في التظاهرات ضد الجدار الفاصل، والمشاركين في حملات “المقاومة الشعبية” التي دعت إليها السلطة وشجعت عليها من خلال تصريحات متكررة.

أدت هذه السياسة إلى نتائج كارثية على الشعب الفلسطيني، في الضفة المحتلة تحديداً، جرى اغتيال العشرات من الشبان الفلسطينيين، واعتقال المئات، وحدث نوع من تقاسم الأدوار الواضح بين أجهزة العدو وأجهزة السلطة، وعلى نحو سمح للصهاينة بنوع من الاستباحة المفتوحة لأراضي السلطة بما فيها تلك المصنفة بمناطق ألف.

يجاهر مسؤولو السلطة، ومن بينهم رئيسها، بالتمسك بهذه السياسة البغيضة، تصل المجاهرة إلى حدود المفاخرة أحياناً، وعلى نحو غير مسبوق، ولذلك لا يكون غريباً أن تلوذ السلطة بالصمت إزاء كل جريمة يقترفها الصهاينة، ويكون التنسيق الأمني سببها المباشر.

وقد كان لافتاً أن يتحدث مندوب السلطة لدى المنظمة الدولية، رياض منصور، عن جرائم الاحتلال ضد المواطنين الفلسطينيين في الضفة، فالمندوب الذي يحمل صفة المراقب الدائم لفلسطين لدى الأمم المتحدة، قال: “إن إسرائيل مستمرة في سلوكها الوحشي، وبارتكاب أعمال العنف وانتهاكات حقوق الإنسان بشكل منهجي ومتعمد ضد شعبنا، في انتهاك خطير للقانون الدولي، وفي تجاهل لكل الأعراف والمعايير لحماية السكان المدنيين”.

وأضاف منصور أنه “بينما تستمر الجهود الدولية المكثفة لدفع عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، تواصل إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، انتهاكاتها الجسيمة لحقوق الإنسان للشعب الفلسطيني وتستمر في حملتها الاستيطانية غير القانونية في جميع أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، مضيفاً أن هذه الأعمال غير القانونية والمدمرة تزيد من تدهور الأوضاع على الأرض، وتسمم الأجواء اللازمة لإجراء مفاوضات موضوعية وذات مصداقية لتحقيق حل عادل ودائم وشامل”.

أما أبرز ما جاء في كلام المندوب الفلسطيني، فيتصل بالأرقام التي ذكرها حول نتائج الاعتداءات الصهيونية، فقد بين أنه “منذ استئناف مفاوضات السلام في أواخر تموز 2013، قتلت قوات الاحتلال”الإسرائيلي“57 فلسطينياً وأصابت 897 من المدنيين بجروح، في حين نفذ المستوطنون أكثر من 500 اعتداء على المدنيين الفلسطينيين وممتلكاتهم”، وأوضح أنه “في الفترة نفسها، شنت قوات الاحتلال 3.767 غارة عسكرية على جميع أنحاء الأرض المحتلة، واعتقلت أكثر من 3000 فلسطيني، من بينهم أطفال”.

بالطبع لم يتحدث منصور عن التسيق الأمني، المَقام ليس مناسباً، ولكن الجميع يعرف أن الاعتقالات والاغتيالات في الضفة الفلسطينية تحديداً، هي وثيقة الارتباط بالتنسيق القائم بين أجهزة أمن السلطة، وبين قوات الاحتلال الصهيوني.

ولكن هل ستكون الأوضاع بعد جريمة مخيم جنين كما كانت قبلها؟ ليس من مراهنة على تراجع السلطة وأجهزتها عن سياسة معتمدة، غير أن النموذج الذي أرساه المقاومون في بير زيت (معتز شمعة) وفي مخيم جنين، هو ما يمكن الرهان عليه، لوقف الاستباحة الصهيونية، وربما التأسيس لمرحلة مختلفة تماماً في الضفة الفلسطينية، تكنس التنسيق الأمني، وتطلق انتفاضة فلسطينية طال انتظارها، ولن تفلح محاولات الكبح في إعاقتها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 41 / 2178026

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2178026 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40