الاثنين 17 آذار (مارس) 2014

عزف على وتر الهدنة

د . عبدالله السويجي
الاثنين 17 آذار (مارس) 2014

لم يعد من اللائق والمنطقي أن يستمر استخدام مصطلح “السلطة الوطنية الفلسطينية” على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، وكذلك لم يعد من الوطنية بمكان أن يستمر استخدام مصطلح “الحكومة الفلسطينية المقالة” التي تحكم قطاع غزة، وأيضاً لم يعد من المنطق أن تحتفظ التنظيمات بأسمائها المتداولة “حركة الجهاد” و“حركة حماس”، و“حركة التحرير الوطني الفلسطيني - فتح”، ولم يعد من المقبول على أرض الواقع والحيثيات أن تستمر ألقاب أخرى تتعلق بالسيادة والسلطة والفخامة والمعالي والعطوفة، إذ إن كل المصطلحات والألقاب المتداولة خسرت صلاحياتها ومهامها وتنكرت لأهدافها، ومن الأفضل البحث عن تسميات جديدة احتراماً للتاريخ النضالي للشعب الفلسطيني، وتقديراً للشهداء الذين قضوا في سبيل تلك الأهداف التي لم تعد موجودة الآن .
الاتفاق الذي توصلت إليه حركة الجهاد الإسلامي مع الكيان الصهيوني بعد تبادل إطلاق الصواريخ والقذائف والغارات، ليس الأول، ويبدو أنه لن يكون الأخير، بين حركات (جهادية) والكيان الصهيوني، لقد سبق لحركة حماس أن عقدت اتفاق هدنة مع الكيان الصهيوني، بل وأطلقت فتاوى بتجريم وتحريم كل من يختلق وقائع تدفع الكيان الصهيوني إلى القيام بردة فعل قوية ضد قطاع غزة، وقبل ذلك طرحت حركة حماس فكرة عقد اتفاق هدنة لمدة عشرين عاماً بينها وبين الكيان الصهيوني، وهذا يدل على وجود اعتراف ضمني ب(دولة “إسرائيل”) على أرض فلسطين التاريخية، ومن غير المقبول أن يقف أحدهم ويدافع عن هذه الاتفاقيات، إذ ماذا ستفعل حركة حماس طوال العشرين عاماً من الهدنة المقترحة لو تم إقرارها؟ هل ستعمل على تعزيز قيام إمارة إسلامية في قطاع غزة على سبيل المثال؟، أم هل ستبني جيشاً من المقاتلين تحارب به الكيان الصهيوني؟
لم يكن غريباً أن يصرح المتحدث باسم حركة حماس سامي أبو زهري إلى (بي .بي .سي): إن الاتصالات لعقد الهدنة لم تشمل حركته، لكنه أكد تواصل بعض الأطراف الدولية مع حماس لتثبيت التهدئة، وهذا تلاعب بالكلام ونفي للحقائق، وهذا النفي سلاح ذو حدين، ففي حده الجارح جداً هو وجود قوة أخرى على الأرض في قطاع غزة، باتت تنافس (حركة حماس) في عقد اتفاقيات هدنة، وبهذا تعلن (حركة حماس) أنه أصبح هناك من يشاركها السلطة في غزة . أما خالد البطش، أحد زعماء حركة الجهاد الإسلامي، فقد كان مسروراً وهو يكتب على صفحته في فيس بوك “بعد جهود واتصالات مصرية حثيثة تم تثبيت التهدئة وفقاً لتفاهمات 2012 التي تمت في القاهرة برعاية مصرية كريمة، شرط أن يلتزم العدو بتفاهمات التهدئة وعدم خرقه للاتفاق”، وكأنه حقق انتصاراً كبيراً بهذه الهدنة، بينما هي إدانة للخط الجهادي الذي تعلن الحركة اتباعه وتبنيه، لكن المضحك المبكي أن مسؤولاً “إسرائيلياً” قال إنه لا يعلم شيئاً عن أي هدنة! وأضاف بأسلوب ثعلبي أيضاً لوكالة فرانس برس “يعلمون أنهم لو استمروا في إطلاق الصواريخ فإن الرد”الإسرائيلي“سيكون قاسياً جداً، وآخر شيء تريده حماس والجهاد الإسلامي الآن هو مزيد من التصعيد”، وهذا التصريح يدل على أنه يعلم تمام العلم بمسألة الهدنة .
رئيس (السلطة الوطنية الفلسطينية) محمود عباس تصرّف أمام ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء البريطاني خلال مؤتمر صحفي كأي مسؤول أوروبي، حتى إن الاختلاف بينه وبين كاميرون تلاشى في اللغة والمضمون والتوجه، وذلك حين أدان عباس كافة أشكال التصعيد العسكري في قطاع غزة ومن بينها الصواريخ التي يتم إطلاقها نحو المدن والبلدات “الإسرائيلية”، وهو تصريح يثير الدهشة، شأنه شأن التصريح الذي أطلقه أمام مجموعة من الطلبة اليهود في رام الله، الذي قال فيه: إنه لا يوافق على إغراق “إسرائيل” باللاجئين الفلسطينيين، وجاء التصريح رداً على نتنياهو، رئيس وزراء الكيان الصهيوني الذي رفض قبول عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم لأن من شأن ذلك (إغراق “إسرائيل” باللاجئين الفلسطينيين)، وهو إصرار جديد على رفض عودة اللاجئين والاعتراف بيهودية “إسرائيل”، واللافت للانتباه أن رئيس (السلطة الوطنية الفلسطينية) كان يطلق هذه التصريحات بينما كانت مجموعة من الجنود “الإسرائيليين” ينتهكون حرمة مدينة الخليل والحرم الإبراهيمي .
إن علم السياسة واضح جداً وهو يعرّف السيادة، و(السلطة الوطنية الفلسطينية) لا تمارس السيادة على الأراضي الفلسطينية، لأنها أولاً، توجد في الضفة الغربية فقط، ولا توجد في قطاع غزة، وثانياً، لأن المدن والقرى والبلدات الفلسطينية مشاع للجيش “الإسرائيلي” وقطعان المستوطنين، الذين يقتحمون وقتما يشاؤون، ويقتلعون الأشجار ويعتقلون البشر في أي وقت يشاؤون أيضاً، ولا تتدخل الشرطة الفلسطينية، ولا يتصدى أي فصيل فلسطيني في الضفة لهؤلاء الإرهابيين الذين يتنكرون بثياب جيش نظامي .
كما تؤكد أدبيات المقاومة أن كلمة الثوار ومصطلح “الجهاديين” تُطلق على أناس يقاتلون ويناضلون ويجاهدون العدو المحتل، ولا يعقدون معه اتفاقيات هدنة لمدة عشرين سنة أو يوم واحد فقط، ولاسيّما أنهم لا يعترفون بالكيان الصهيوني كدولة، ويطالبون بتحرير فلسطين من النهر إلى البحر .
وإذا وضعنا مصطلحات مثل (السلطة، السيادة، الثوار، الجهاديين) في مختبر العلم السياسي والوطني والثوري والنضالي، فإننا سنكتشف أنها، في الممارسة الراهنة، والترجمة الحالية للمصطلحات، فارغة من معناها، وبعيدة عن أهدافها .
إنه من العيب السياسي والأخلاقي والوطني أن تستمر الخلافات بين (الضفة الغربية وقطاع غزة)، ولم يستطع الطرفان حتى الآن الاتفاق على حلول تعيد اللحمة للشعب الفلسطيني، وكأنهما دولتان تقعان في جغرافيتين بعيدتين، أو أنهما تخضعان لسلطتين بينهما تاريخ من العداء الطويل، أو أن بينهما تناقضاً لا يمكن حله .
وحتى نكون منطقيين وموضوعيين، فإنهما يختلفان في الأهداف المعلنة فقط، ولكنهما يتفقان في الجوهر، فسلطة الضفة الغربية تعلن مباشرة أنها تعترف ب “إسرائيل”، وبناء على هذا تتفاوض مباشرة مع العدو، وسلطة قطاع غزة تعلن بطريقة غير مباشرة أنها تعترف بوجود “إسرائيل” وتتفاوض معها عن طريق وسطاء، وتعقد معها اتفاقيات هدنة، ترى، ما هو الفرق بين عقد اتفاقيات السلام واتفاقيات الهدنة الطويلة؟ في الواقع، ووفق ما تترجمه الأحداث، فإنه لا فرق بين الموافقة على وجود “إسرائيل” عشرين سنة، أو على وجودها الدائم، والاعتراف هو الاعتراف، ولا يمكن أن يكون مرحلياً .
إن ما تقدم لا يصب في التشكيك في وطنية أي طرف من الأطراف، ولكنه يطمح إلى توضيح الصورة، والتحريض على إعادة تصحيح المسار، والزمن في حالة القضية الفلسطينية، لا يمكنه أن يقدم الحلول، ولهذا، على الفلسطينيين أن يقرروا أحد أمرين: الأول، عقد اتفاق سلام مع “إسرائيل”، والثاني، الإعلان عن رفض الاعتراف بهذا الكيان الطارئ والدخيل على الوطن العربي، وفي حالة عدم تمكنهم من اتخاذ قرار محدد، نظراً للواقع السياسي الحالي، وعدم توازن القوى، عليهم على الأقل، ألا يتنازلوا عن حق عودة اللاجئين، وعدم الاعتراف بيهودية دولة “إسرائيل”، ومن جهة ثانية، عدم التحرش ب“الإسرائيليين” طالما أن نهاية التحرش ستكون الاستعانة بمصر للتوسط بعدم التصعيد وتوقيع اتفاق هدنة .
قد يكون الكلام مباشراً أكثر من اللازم، وقد يتحسس بعض إخواننا الفلسطينيين من هذه اللغة، إلا أنها لغة المنطق، وأعود فأقول: من غير اللائق أن تتواصل المراهقة السياسية والثورية إلى ما بعد هذا الحد، فالفلسطينيون في الضفة الغربية أو قطاع غزة، قد ضاقت صدورهم بسوء أوضاعهم، واللاجئون الفلسطينيون في لبنان خرجوا في تظاهرات تطالب بتهجيرهم من لبنان، وهو فعل يدعو إلى الحزن الحقيقي، والرثاء القاسي لما وصل إليه الفلسطينيون من يأس .
إن التشرذم الحالي، واللاسلم واللاحرب، واللاثورة واللامفاوضات، تربك الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، وقد آن الأوان ليصرخ هذا الشعب: كفى .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 6 / 2165367

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165367 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010