الخميس 13 آذار (مارس) 2014

الدور الصهيوني في أحداث أوكرانيا

الخميس 13 آذار (مارس) 2014 par د. فايز رشيد

بادئ ذي بدء لا بد من القول إنه منذ أن بدأت الحركة الصهيونية بالترويج للأبعاد (القومية) للمسألة اليهودية انبرى كثيرون من ليبراليي أوروبا ومفكريها واشتراكييها لتخطئة هذا الفهم، ومن بين هؤلاء كارل ماركس الذي اعتبر أن “اليهودية استمرت بفضل التاريخ، وليس رغماً عنه… ولذلك فإن تحرير اليهود يعني تحرر المجتمع من اليهودية”. ولذلك فإن الحل بالنسبة للمسألة اليهودية من وجهة نظر هؤلاء المفكرين يتمثل في”ضرورة اندماج اليهود في المجتمعات التي يعيشون بينها”. إبّان العهد السوفياتي مئات المنظمات الصهيونية نشطت تحت أسماء مختلفة، كانت على اتصال بالمنظمة الصهيونية العالمية التي وفي كل عيد لليهود كانت ترسل الهدايا لليهود السوفييت. تضافر هذا النشاط مع مئات الإذاعات والأجهزة الإعلامية المختلفة التي كانت ثبث إرسالها الحاقد من أوروبا والموجه إلى الاتحاد السوفياتي وجمهورياته. هذا بالإضافة إلى الضغوطات الأميركية والصهيونية والأوروبية الكبيرة التي مورست على الاتحاد السوفياتي ودول المنظومة الاشتراكية بلا استثناء لفتح باب الهجرة لإسرائيل من هذه الدول. كان الإعلام الغربي يجعل من اعتقال أحد اليهود في موسكو قصة كبيرة ويقيمون الدنيا من أجله.
لقد ثبت بالملموس تسلل اليهود الصهاينة إلى مواقع مؤثرة في المفاصل السوفياتية في الإعلام، في الأجهزة المختلفة للدولة، في أكاديمية العلوم السوفياتية، في الحزب الشيوعي السوفياتي بما في ذلك لجنته المركزية ومكتبه السياسي. لكل ذلك وكما ثبت، فإن الصهيونيين لعبوا دوراً أساسيًّا في انهيار الاتحاد السوفياتي ودول المنظومة الاشتراكية. لذا ليس غربياً وبعد الانهيار مباشرة أن ظهر العديدون من المليارديرات اليهود (في عهد يلستين) ممن كان لهم دور كبير في عهده. دورهم تبلور في تفريغ الحياة السوفياتية من مضامينها ولذلك شهدنا هجرة المليون سوفييتي إلى الكيان الصهيوني. وبتولي بوتين للرئاسة في الفيدرالية الروسية بدأ تقليم أظافر المليارديرات اليهود الذين استولوا من جديد على مؤسسات القطاع العام: الإعلام، المراكز الاقتصادية، التجارة الخارجية وغيرها. استرد بوتين منهم مؤسسات القطاع العام التي خصخصها يلستين، وزج بالكثيرين منهم في السجن. لقد هرب عدد ليس بالقليل منهم إلى أوروبا وما زالوا حتى اللحظة يعيشون فيها. وحتى اللحظة فإن قسماً كبيراً من النفوذ الصهيوني متغلغل في الإعلام الروسي، بما في ذلك فضائية “روسيا اليوم” التي تبث باللغة العربية من موسكو، فهي تضع مثلما يقول المثل: “السم في الدسم”! من بين هؤلاء المليارديرات: بوريس بيريزوفسكي، ميخائيل خودروفكسي، أركادي فولسكي وغيرهم (والمجال لا يتسع لاستعراض نشاطاتهم ومصائرهم).
بالنسبة لأوكرانيا كان من الطبيعي أن تخضع هذه الجمهورية لنفس مقاييس نشاطات الحركة الصهيونية في الاتحاد السوفياتي. في أوكرانيا يوجد ما ينوف عن 250 ألفاً من اليهود من بينهم أثرياء كثيرون ممن أفرزوا ظاهرة “الأوليغارشية”، من بين هؤلاء: أرسين ياتسنيوك رئيس حزب “جبهة التغيير” رئيس الائتلاف المعارض في البرلمان الأوكراني رئيس الوزراء الأوكراني بعد الانقلاب.
بيترو بوراشينكو خامس مليادرير في أوكرانيا، لعب دوراً في عهد الرئيس يوشنكو عام 1995، وشغل منصب سكرتير الأمن القومي قبل أن يصبح وزيراً. وفقاً للتوقعات هو المرشح الأبرز لرئاسة الجمهورية. فكتور بنشوك ثاني مليادرير في أوكرانيا، صاحب 5 قنوات تلفزيونية فضائية. إيغور كولومسكي والذي يعتبر أغنى رجل في أوكرانيا، صاحب بنك “برايفت”، صاحب 3 قنوات تلفزيونية. غريغوري سوركيس رئيس نادي دينامو كييف، بدأ يتداول اسمه لتولي منصب ” عمدة كييف”. هؤلاء غيض من فيض نفوذ الحركة الصهيونية في أوكرانيا.
وحول أحداث أوكرانيا نقول: استمرت هذه الأحداث لشهور تحت عنوان: الحراكات الأوكرانية للمعارضة. في هذه الحراكات وقع قتلى وجرحى وبخاصة من قوات حفظ النظام. جرى تدمير العديد من المباني الحكومية. جرت اعتقالات، وخطف، ونهب، وسرقات، وتخريب للممتلكات والمنشآت الحكومية. ما جرى في أوكرانيا لم يكن مواجهة بين سلطة (مجرمة) ومتظاهرين (سلميين وديموقراطيين) إنه صراع بين القوى الأولغيارشية على السلطة. لذلك غذّت هذا الصراع كل من الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل وعموم الحركة الصهيونية. هذا ما كشفته وسائل الإعلام المحايدة ومصادر للمعلومات من العاصمة كييف. القوى التي وقفت من خلف ما سمي بالمعارضة هي: الأحزاب اليمينية المتطرفة ومن بين هذه القوى والأحزاب، أحزاب مشاركة في السلطة. الأخيرون كانوا يقومون بنشاطات مضادة للسلطات الدستورية. هذه القوى اليمينية موحدة أيديولوجيًّا وشعاراتها هي: الصليب المعقوف، والنازية. لقد كشفت المصادر (بما فيها مصادر إسرائيلية) مشاركة 300 جندي إسرائيلي (من اليهود الأوكروانيين الذين هاجروا إلى إسرائيل وأدوا الخدمة العسكرية) في أحداث أوكرانيا. هذا يؤكد على صورة التحالف النازي التي شهدناها في ثلاثينيات القرن الزمني الماضي بين هتلر وزعماء الحركة الصهيونية، لدعم هجرة اليهود إلى إسرائيل مقابل إعطاء الحركة الصهيونية لمعلومات عن التجمعات اليهودية في أوروبا للنازيين. لقد طالبت الولايات المتحدة وأوروبا سلطات يانكوفيتش (الرئيس السابق) من أجل إخراج قوات حفظ النظام من كييف، وإعطاء المعارضة إمكانية السيطرة على الحي الحكومي. لقد طالبت كل تلك الأطراف بإلغاء القوانين التي تسميها “غير ديموقراطية” و”دكتاتورية” التي صوت عليها البرلمان الأكرواني، ودعت السلطة (السابقة) لتقديم التنازلات والدخول بمفاوضات مع المعارضة! بالفعل هذا ما حصل ووقع الرئيس يانكوفيتش اتفاقاً مع المعارضة (في 21 فبراير الماضي) بحضور وفد من الاتحاد الأوروبي (ممثلي ألمانيا وفرنسا وبولندا) ولكن ما كاد حبر الاتفاق يجف حتى سارع البرلمان الأوكراني إلى عزل الرئيس وإصدار مذكرة اعتقال بحقه بتهمة القتل الجماعي، وتعيين رئيس البرلمان الكسندر تورتشينوف رئيساً بالوكالة، حتى تنظيم انتخابات رئاسية جديدة. الرئيس (السابق) يانكوفيتش وصف الأحداث بالانقلاب. لقد كان اتفاقه مع المعارضة على تقديم الانتخابات الرئاسية، وإطلاق سراح رئيسة الوزراء السابقة يوليا تيميشينكو، والعودة إلى دستور عام 2004 بما يعنيه ذلك من تقليص لصلاحيات الرئيس لصالح البرلمان. ما جرى في أوكرانيا يذكر بما جرى قبل ما ينوف عن العقد زمني، ففي عام 2004 ونتيجة لما سمي بـ (الثورة البرتقالية) نجحت المعارضة بالإتيان برئيس جديد حليف للغرب هو فيكتور يوتشينكو لكن التنقاضات بينه وبين رئيسة الوزراء تغلبت على التحالف بينهما..حينذاك كان يانكوفينيش يجلس على مقعد المعارضة، بعد أن كان رئيساً للوزراء. الأخير اتهم الرئيس بتزوير الانتخابات. ظلت الأحوال تتماوج في أوكرانيا حتى انتخابات عام 2010 حين نجح فريق موسكو، وهو الأمر الذي أدى بتيموشينيكو إلى السجن بتهمة سوء استغلال السلطة حينما كانت رئيسة للوزراء وتسلم، حليف روسيا للرئاسة.
منذ انفجارها، شهدنا تصاعداً متسارعاً للأحداث في أوكرانيا. إمكانية حدوث مواجهة عسكرية روسية ـ أوكرانية أكثر من قائم. عشرون ألف جندي روسي يتواجدون في شبه جزيرة القرم (هذه التي كان قد أهداها نيكيتا خروتشوف إلى أوكرانيا في أواسط الخمسينيات من القرن الزمني الماضي إبّان الحقبة السوفياتية) .أوباما يهدد بأن الولايات المتحدة لن تتنازل عن وحدة وسلامة أوكرانيا. جرى عقد قمة استثنائية أوروبية في بروكسل (7 مارس الحالي) بشأن الوضع في أوكرانيا. من جهة أخرى صوّت برلمان القرم بالاجماع للدخول في الاتحاد الروسي، وسيجري استفتاء في 16 مارس الحالي على مستقبل المنطقة. الإطاحة بالرئيس الأوكراني تمثل انتكاسة واضحة لروسيا وللرئيس بوتين شخصيًّا، والذي حاول بكل جهده امتلاك أفضل العلاقات مع أوكرانيا وبيلوروسيا من أجل تشكيل تجمع من الجمهوريات الحليفة وريثة الاتحاد السوفياتي في اتحاد أوروآسيوي. أوكرانيا وبيلوروسيا هما خاصرة روسيا.
لقد ساعدت روسيا، أوكرانيا بمليارات الدولارات وأعلنت أنها على استعداد لإعطاء أوكرانيا 15 مليار دولار، في الوقت الذي امتنع فيه الغرب عن مد أوكرانيا بالمال. روسيا تمد أوكرانيا بالنفط والغاز بأسعار تفضيلية. روسيا ليست على استعداد لخسارة أوكرانيا، لتكون بولندا جديدة تتمركز فيها قوات حلف الناتو وصواريخ الدرع الصاروخي الأميركي.
نعم بالنسبة لأوكرانيا: الاحتمالات مفتوحة على أكثر من صعيد. فهناك التهديد بالتقسيم بين أوكرانيا الشرقية والأخرى الغربية. روسيا تنادي بالعودة لتطبيق الاتفاق الموقع بين حليفها يانكوفيتش والمعارضة. روسيا قد تلجأ إلى التدخل العسكري. احتمال الحرب الأهلية هو احتمال وارد. روسيا لن تقف مكتوفة الأيدي من الصراع الدائر في أوكرانيا. الأمر مرهون بتطورات الصراع على الأرض.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2177646

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2177646 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40