الثلاثاء 12 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013

على القدس رايحين شهداء بالملايين

الثلاثاء 12 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013 par أيمن اللبدي

ياسر عرفات لم يكن فقط الزعيم الأبرز للشعب الفلسطيني خلال خمسة عقود متتالية فقط، بل كان في الواقع تجسيدا لكل ملامح القضية الفلسطينية ذاتها والعلامة الأبرز في صنع محطاتها خلال نصف القرن الأخير الذي احتل فيه بلا منازع العنوان الرئيس فيه. ليس من السهل اختصار حياة هذا القائد في سطور أو في روايات لأنه في لحظة ما تجد هذه السطور تضيق لانفتاح الذاكرة والاحداث والأجيال على تخوم الواقع فهو باختصار عجينة هذا الحدث الذي أنت بصدده ونتيجته معا. كان أبو عمار قائدا ملهما وثوريا وقادرا على استكشاف الطريق مهما ضاقت ومهما حجبت الرؤية بحدسه الذي لم ينازعه أحد فيه وبصدق إيمانه بحتمية النجاة ، فهو سيد النجاة وقائد العربة التي لن تضلّ أبدا لأنها على سكة فلسطين، منذ اللحظات الأولى أدرك أن قضية شعبه هي القربان التي يسعى نصف العالم لتقديمه على مذبح صعوده، والتي يسعى النصف الثاني إلى تقبّل ذلك بأقل ما يمكن من وخز ضمير أو تبعات إنسانية لن تكون بعيدة عن هذا الحدث الذي لم يسبق له في التاريخ مثيلا. ولأن قضيته هي قضية العالم نفسه بأخلاقه وإنسانيته وحضارته أدرك أبو عمار أنه لن يخسر القضية وأنها عادلة لا لبس فيها ومحقة إلى الحد الذي يستطيع ربّان السفينة أن يكسر الأمواج فيها مهما كانت صاخبة وجاحدة وهمجية، وكان يدرك أن شعبا لديه مواصفات شعبه في التاريخ الانساني ضاربا في جذور نتاجه البشري الحضاري وله فيها موضع مركزي لا يمكن أن تكون معركته كمعارك خاسرة خاضتها شعوب أخرى في العالم الجديد وانتهت إلى الإبادة، إذ هذا هو شعب الجبارين كما كان يقول في النهاية. لقد أصرّ الحسيني ياسر عرفات على الانطلاق على ذات الطريق التي خطّها مثاله الأعلى الحسيني عبدالقادر ومضى على ذات النهج الثوري الوطني المقاوم، وكان اللقاء الذي جمعه بالحاج أمين الحسيني يوما فرصة ليقيس درجة إبداعه من تأخّر خطواته على نهج شهيد القسطل، ليدرك أنه استطاع أن يأخذ فرصة كبيرة ليناور المصير حتى تأمين المرحلة القادمة التي يضعها بين يدي أجيال أخرى من شعبه، لم يكن يريد أبو عمار أن تنتهي التجربة والثورة دون التمهيد لمرحلة النضال القادمة لأنه أدرك منذ البداية انه طريق طويل. كانت محاذير ياسر عرفات الأساسية في مواجهة المصير تبدأ وتنتهي من ضرورة كسر ما بنى الصهاينة في شعاراتهم وفي سياساتهم وما استقرّ لاحقا في خلفياتهم النفسية والفكرية دون أن يسمحوا لأنفسهم أن يتركوا فارقا بين الكذبة والحقيقة في هذا كلّه فيسقطون في نهاية الأمر في هذا الهامش، وأول هذه الأساطير قصة الكبار يموتون والصّغار ينسون فحرص على أن تتولى الثورة ليس فقط صناعة الطريق إلى حاضر الانتقال الذي أعلن عنه وكرّسه باكرا واختصره في عبارته الشهيرة في الاغوار لتنقلها مجلة تايم الامريكية على غلافها باننا “لسنا لاجئين بل مقاتلين من أجل الحرية”، لا بل أراد أراده لمستقبل الأجيال عبر شعاره الذي ردّده وهو يدرك أنه على مسافة أسابيع من الشهادة قائلا “على القدس رايحين شهداء بالملايين”. ولأن هذا الشعار وهذا النشيد وهذه الاغنية ليست مجرّد مادة أدبية أو فنية ولا هي هتاف سياسي عابر بل إنها عندما تخرج من فم القائد ياسر عرفات الذي طالما اختصر الوصايا ومعها الأوامر الثورية بشعار أو تعليق أو حتى نظرة من عينه، فإنها تصبح في الواقع الوصية الأوضح في نهج وأسلوب وحياة وطريق ياسر عرفات، نعم إنها القدس وهي مرحلة كل المراحل وعنوان كل العناوين أطلقها ياسر عرفات تماما كما اعتاد أن يطلق العبارات التي كان يتضح لاحقا أنها الاستراتيجية والمسار في حياة الثورة الفلسطينية والمحطة الابرز لكفاح ونضال شعبنا، تماما كما قال يوما هبّت رياح الجنة في الكرامة وكما قال يوما إلى فلسطين من على ظهر بوارج البحر بعد صمود بيروت الرائع والأسطوري. اختصر ياسر عرفات الوصية واختصر ياسر عرفات المسار وأقام الحجة نهجه الاستشهادي انتهى بأمنيته التي سأل الله تعالى صادقا أن ينالها فأعطاه إياها “شهيدا شهيدا شهيداً” وبوصيته التي أقامها“على القدس رايحين شهداء بالملايين”....

ميعاداً ...ميعاداً يا أبا عمارْ........

وصلتَ يا أبا عمار فالسماءُ غيرُ السماءْ ، والأرضُ غيرُ الأرضِ ، والهواءُ غيرُ الهواءْ وبعدَكَ نحنُ مهما اجتهدنا لن نجيدَ الاختصارْ فهذا الفنُّ لكَ وحدكْ ، وهذا العلمُ لا يقبلُ الانتشارْ ومهما حاولنا فلا صبرُنا صبرُ ياسر، ولا عزمنا ما تحمَّلهُ الخيارْ وصلتَ يا أبا عمارْ

* سافرت قلوبنا وأرواحنا إليكَ فاستنفرتَ حبَّكَ الكبيرَ إليها ، وعبرتَ منها إليها دونَ انتظارْ طارت يماماتنا على مشارفِ نبضكَ ، فأسكنتها في راحةِ كفَّكَ وأسكنتنا معها بينَ ذراعيكَ مثلَ الصِّغارْ وأبت آلامنا وآمالنا وأيامنا إلا أن تلحقكَ فالتحفتها بينَ عينيكَ سفيراً لها وإن عزَّت السلوى وغابَ الدثارْ أما الأسماءُ فقديمها وجديدها يستعدُّ لرحلةٍ بينَ العيونِ والحلمِ وساحةٍ من فسحةٍ فيها اعتذارْ وصلتَ يا أبا عمارْ

*

أحببتَ الضمَّ في الأسماءْ كما أحببتَ الرفعَ في الكلماتْ فرفعتَ غصنَ الزيتونِ في هيئةِ الأممِ فاعلاً مكرراً مؤكِّداً ، ورفعتَ العلمَ على أسوارِ القدسِ دائماً في كل الجملِ والتراكيبِ وضحكت من بلاغةِ اللغةِ وقواعدِ الإعرابْ ، وفتحتَ ذراعيكَ للحياةِ فضممتها وضممتنا معها على أملِ الوصولَ معكَ برغمِ رحلةِ الشقاءِ وسفرِ العذابْ . نصفُ لغاتِ الأرضِ نطقت باسمِ فلسطينَ من وحيِ الكوفيَّةِ ، ونصفُها هتفت لها من وحيِ الهامةِ الأبيَّة ، فكنتَ في الحالينِ أميرَ الفصاحةِ والبيانِ وأمهرَ الدعاةِ وصانعَ الكتابةِ وجامعَ الكتابْ. وصلتَ يا أبا عمارْ

* ضربتَ خيمتكَ الكبيرةَ بينَ الأرضِ والأرضْ فكنتَ خيمةَ الضادِ وخيمةَ الإنسانِ وخيمةَ القدسِ في ذاتِ الدفقِ والنبضْ وجمعتَ في حياتكِ كما جمعتَ في وصولكَ يا معلِّمَ الحريةِ ويا بانيَ الإنسانيةَ فيها سنّةً وفرضْ خطوتَ بينَ الألغامِ دونَ انشغالٍ بها وحوَّلتها بدلَ أن تكونَ ساحةً للموتِ والخرابِ ساحةً لجمعِ الشملِ وداراً للقاءِ حولَ بيتكَ الكبيرِ وصبركَ الغضْ وصلتَ يا أبا عمارْ

* في السياسةِ ما أطعمتنا سمكةً واحدةً واكتفيتَ ولكنْ علمتنا القنصَ والصيدْ وفي الثورةِ ما فككتَ لنا غيرَ قفلٍ واحدٍ في أصعبِ الأبوابِ ثمَّ علمتنا كيفَ نفكَّ القيدْ وفي المشوارِ أخذتَ منا القسمَ والعهدَ فقلنا القسمُ هو القسمُ والعهدُ هو العهدُ ولا حيدْ وفي الأبوةِ أطلقت خزائنَ البشريةِ فما ردها حاجزٌ ولا أوقفها سدٌ ولا وسعها حيضْ وصلتَ يا أبا عمارْ

* بكَ رفعنا نصابنا في السماءِ وأنرنا دروبَ الجنَّةِ الفيحاءْ وأصبحتَ ليسَ فقط شهيدَ الأرضِ وشلالِ الدماءِ في فلسطينَ بل أصبحتَ شهيدَ السماءْ يا صاحبَ اللا الوحيدةِ في قرنِ الخورِ والارتماءْ منحتَ مدادَ التاريخِ بحراً جديداً للكتابةِ والانتشاءْ ، وشغلتَ قادمَ الأيامِ بما شغلتَ سالفَ الأجيالِ فوقَ القدسِ روحكَ اليومَ رغمَ صلفِ الكذبِ والادِّعاءْ وصلتَ يا أبا عمارْ

* يتامى من بعدكَ يا والدَ الأحرارْ بيدَ أنَّ أبا فلسطينَ أحسنَ إعدادَ البيتِ وأحسنَ البيتُ في الثورة الاختيارْ شعبٌ واحدٌ وخطوةٌ واحدةْ فلسطينُ أولنا وآخرنا وفلسطينُ بيعتنا وعهدتنا وسنحسنُ الانتصارْ في أعناقنا القدسُ والعودةُ فاطمأنَّ بأنا لن نساومَ ولن نهادنَ ، ولن ننعاكَ يا أبا فلسطينَ فإنكَ ما رحلتَ وإنا ما ودّعناكَ ولكنا أودعناكَ و أوعدناكَ ، فقرَّ عيناً واسترحْ قليلاً حتى نكملَ المشوارْ ليسَ وداعاً يا أبا فلسطينَ ولكن إلى لقاءٍ يا صاحبَ الدار أبو عمار ميعاداً ، ميعاداً يا أبا فلسطين ، ميعاداً يا أبا عمارْ........



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 87 / 2165424

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع مستشار التحرير   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165424 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010