الجمعة 5 كانون الأول (ديسمبر) 2014

من أوراقي القديمة الجديده نداء الجهاد طريق الحياة

الجمعة 5 كانون الأول (ديسمبر) 2014 par معين الطاهر

من منكم - أيها السادة - لم يتسمر مكانه أمام التلفاز ، وهو يشاهد جموع المصلين تخرج ثائرة من رحاب المسجد الأقصى ، تبايع على الشهادة فوق تراب فلسطين ؟!. من منكم لم يشعر رعشة الايمان تسري في قلبه ، وتملأ عليه روحه وجسمه ، وهو يسمع نداء“الله أكبر” .. “لا إله إلا الله ... الشهيد حبيب الله” ، وعلامة النصر مرفوعة ، ورايات فلسطين عالية خفاقة في مواكب تشييع الشهداء الأبرار ؟!. من منكم لم يطر قلبه من بين جوانحه هلعا“.. بل حبا” وولعا" بذلك الطفل ... الشاب الشجاع الباسل ، الذي ملأ جيوبه بالحجارة ثم أكمل وضوئه للصلاة ، وخرج من باب المسجد والحجر متحفز في يده ، متلهف للقاء الجنود ؟!. أم كم من مرة ومرة حملت لنا تباشير الصباح أنباء عن انتفاضة المساجد في الوطن المحتل ، واحتلت أخبارها وصورها الصفحات الأولى من صحفنا اليومية ؟!. لعلي أكاد أجزم أنه ما من يوم من أيام الانتفاضة إلا وكان للمساجد فيه نورها الوضاء وحضورها المميز . وهو حضور تجاوز إطار كلمة الحق التي تقال في وجه الظلم والقمع والاحتلال ، إلى إمتشاق السيف في وجه المحتل . كما تعدى إطار التعبئة والدعوة والتحريض ، إلى رص الصفوف وحشد القوى وتوحيدها في مواجهة العدو . مما أضاف زخم الجهاد بكل معانيه وأهدافه ، وقوته وآفاقه ، إلى النضال الوطني العارم في الأرض المحتلة ، وأمد الثورة والشعب بطاقاتها الكامنة والدفينة في أعماق الوجدان الفلسطيني .

قبل الانتفاضة بأشهر معدودة ، شهدت حوارا بين صديقين ، حول تنامي المشاعر الاسلامية في صفوف الأهل في الوطن المحتل . الصديق الأول ، رأى في ذلك بشرى خير ، ولمح فيه آفاقا“للجهاد ، ودعوة للرباط والشهادة في أرض الرباط ... وتحصينا” للمجتمع من فقدان الهوية أو تذويبها . أما الصديق الثاني فقد رأى أن الأمر لا يتعدى كونه دفقة من الايمان اختلجت في قلوب البعض .... طالما شهد الوطن مثلها كلما اشتدت الخطوب وتوالت المحن . وأعرب عن خشيته من أن يكون ذلك شكلا سهلا للهروب الفردي من مواجهة الواقع المؤلم الذي تحياه في الأرض المحتلة . كما أبدى مخاوفه من أن يؤدي ذلك إلى احتدام التناقضات في الوضع الداخلي ، مستشهدا على ذلك ببعض الحوادث المؤسفة التي كانت بعض الجامعات مسرحا لها . وأعلن أننا ما لم ننفض عن كاهلنا رداء التخلف ، ونلحق بركب التقدم ، ونتمثل الثقافة الغربية والعلم والتقنية الاوروبية ، فإننا لن نتمكن من الانتصار على عدونا الصهيوني الذي يمتلك كل تلك المميزات .
كان الصديق الأول يرى أن تلك الدفقات الايمانية التي تتوالى وقت الخطوب هي بمثابة العودة إلى الذات وتحصينها في مواجهة الآخر ، - الغرب .. العدوالمحتل .. الثقافة الغربية .. إلخ - كلما اشتدت هجمته ، وهددت الأمة بالفناء . ولهذا فإن الأمة تمتلك الحق كل الحق وهي تقاتل عدوها الخارجي ، في معركتها الحاسمة ، أن تنظر إلى كل شيء مصدره العدو بحذر وريبة ، وأن تعود قليلا لماضيها المشرق ، وتراثها المضيء ، تستجمع ذاتها ، وقد تتشرنق عليها لتفلت من محاولات اقتلاعها من الجذور . وذلك لا يعد مظهرا" للتخلف بقدر ما هو احد مظاهر تصميم الأمة على مواجهة عدوها الخارجي المتربص بها الدوائر .
وبرغم الاتفاق على الحالة الخاصة للاستعمار الاستيطاني الصهيوني في فلسطين ، إلا أنهما خاضا حوارا طويلا ، يشكل نموذجا للحوار الذي شهدته مساحتنا الفكرية منذ قرن . استرجعا كتابات الأفغاني وعبده ، وفرح أنطون وسلامة موسى . وكانا كلما أوشكا على الاقتراب من الأرض ، وملامسة سطح الحقيقة ، استأنفا تحليقهما في الفضاء الممتد .. ، وكأن قوة خفية تشدهما بعيدا عن الواقع المعاش .
وشاءت الصدف أن يجمعنا لقاء آخر بعد شهر من بدء الانتفاضة . وعاد الحوار .. لم تتبدل المواقع .. لكن تحليقها هذه المرة كان أقرب كثيرا إلى الجذور التي ترفض الهجرة من الوطن .

ومن جبهتنا ، حيث بدأت تهتز المفاهيم القديمة ، وتتغير . تنفض عنها ركام الكلاشيهات السياسية الجاهزة ، و“إرهاب” التقدم والتأخر ، وأردية الاغتراب السياسي والثقافي ، لتبشر بعودة الروح إلى الجسد الظمآن . وتلامس الحقيقة ، عبر رؤية تواصل التاريخ ، والاقتراب من الواقع ، والامساك بالحجر ، والتصويب الجيد على أول تجمع للجنود الصهاينة . ننتقل مباشرة إلى “الآخر” ، الجبهة الأخرى ، جبهة العدو . ونبدأ بذلك التقرير الغاضب الذي نشره معهد الدراسات الاستراتيجية الاسرائيلي “شلواح” ، والذي تضمن نقدا“لاذعا” للسياسة التي اتبعتها الحكومة الاسرائيلية وأجهزتها الأمنية ، تجاه النمو المتعاظم للمشاعر الاسلامية في فلسطين ، بما في ذلك فلسطين المحتلة سنة 1948 .
اعتقد العدو واهما أن تزايد التأثير الاسلامي في صفوف الشباب سيخلق تناقضا وصراعا مع القوى الوطنية الأخرى . توهم أنه سيضعف بذلك منظمة التحرير الفلسطينية ، وأن التقدم الذي يحرزه أي اتجاه في فلسطين هو قوة إضافية تضاف للشعب الفلسطيني ، لرصيد منظمة التحرير . فكيف إذا كان هذا الرصيد مستمد من بحر الاسلام الذي لا ينضب ، من روحه الجهادية الخلاقة .
لم ينجح قادة العدو في فهم التاريخ العربي الاسلامي ، وفشلت محاولتهم لإعادة كتابته بأحرف عبرية . فتاريخ عمر وخالد وصلاح الدين ، المتواصل فينا عبر القسام وآلاف الشهداء ، والممتد إلى أطفال كفر قاسم وشاتيلا ، لا يمكن أن يختزل في سفر شارون أو مناحيم . وشتان شتان ما بين سورة الأنفال وتعاليم يهوذا .
تخيل العدو أن عودة الشباب إلى الدين تعني ابتعادهم عن الدنيا ، يتركونها له ، يستوطن بها كما يشاء . وتوهم أن بإمكانه أن يحدد الآيات التي تتلى في الصلاة . وأن يمرر الدعاء عبر مقص الرقيب العسكري . وأن يوظف الأئمة في بلاط السلطان الذي لم يدخلوه عبر تاريخهم إلا مرفوعي الرؤوس في رحلة الجهاد الأعظم . أراد للمساجد أن تصبح متاحف يؤمها السياح المتجولون خمس مرات في اليوم ، فعمرها الله بعباده المرابطين على كل الجبهات .
أصبحت المساجد تضم في جنباتها : منابر ثقافية تحارب على جبهة الاغتراب وتمحو الأمية الثقافية والفكرية ، وتقيم حبالا متينة بين التراث والواقع والمستقبل ونواد رياضية تنشئ جيلا فلسطينيا فتيا . ومراكز صحية تحارب على جبهة المرض . ولجان زكاة تسعى للتكافل الاجتماعي ، وتحارب على جبهة الفقر ، وتهتم برعاية اسر الشهداء والمعتقلين . وبيوت توحيد لله ووحدة للشعب في مواجهة المحتل ، تتشبث بالأرض وتصون هويتها . وساحات رباط وجهاد ، منها تنطلق الجماهير المؤمنة في زحفها المبارك لمجابهة العدو .

تخيل العدو أن عودة الشباب إلى الدين تعني ابتعادهم عن الدنيا ، يتركونها له ، يستوطن بها كما يشاء . وتوهم أن بإمكانه أن يحدد الآيات التي تتلى في الصلاة . وأن يمرر الدعاء عبر مقص الرقيب العسكري . وأن يوظف الأئمة في بلاط السلطان الذي لم يدخلوه عبر تاريخهم إلا مرفوعي الرؤوس في رحلة الجهاد الأعظم . أراد للمساجد أن تصبح متاحف يؤمها السياح المتجولون خمس مرات في اليوم ، فعمرها الله بعباده المرابطين على كل الجبهات .
أصبحت المساجد تضم في جنباتها : منابر ثقافية تحارب على جبهة الاغتراب وتمحو الأمية الثقافية والفكرية ، وتقيم حبالا متينة بين التراث والواقع والمستقبل ونواد رياضية تنشئ جيلا فلسطينيا فتيا . ومراكز صحية تحارب على جبهة المرض . ولجان زكاة تسعى للتكافل الاجتماعي ، وتحارب على جبهة الفقر ، وتهتم برعاية اسر الشهداء والمعتقلين . وبيوت توحيد لله ووحدة للشعب في مواجهة المحتل ، تتشبث بالأرض وتصون هويتها . وساحات رباط وجهاد ، منها تنطلق الجماهير المؤمنة في زحفها المبارك لمجابهة العدو .

وكما حافظت المساجد على بريقها الاسلامي الصحابي ، كذلك حال مآذنها الشامخة فوق أسوار الحصار ، والتي تحدت كل إجراءات منع التجول وعزل المناطق وتطويقها ، إذ تحولت إل نقاط رصد ومراقبة ، وتكرست غرفة عمليات دائمة تنطلق منها الأوامر والتعليمات ، تحث الجماهير على الخروج لنجدة حي مجاور . أو لإغلاق طريق أمام تعزيزات العدو ، أو لإنقاذ طفل جريح يحتاج بضعة قطرات من الدم .
أضحت المآذن بديلا عن أجهزة اللاسلكي المكدسة في المستودعات العربية . وأمست بديلا عن الاذاعات التي ما زالت تترنم بأغنيات ألف ليلة وليلة ، وتبشر بعصور الجواري والقيان. وأصبح صوت المؤذن وهو يمزج ندائه الخالد “حي على الصلاة” بنداء الحياة “حي على الجهاد” ، صوتا ينقل الأوامر ، ويصدر التعليمات ، ويقود معركة ، ويرشد الجماهير إلى ساحات النزال ، كما ينبهها إلى مواقيت الصلاة .
وإذ تشدو مئذنة ، فتتلقف صوتها مئذنة أخرى في الحي القريب ، لتنقل نداءها إلى المئذنة الثالثة فالرابعة ... ويلبي كل الشعب النداء الخالد .. الله أكبر .. المنطلق من صوت فلسطين، صوت الثورة النابع من قلب الوطن وضميره .

حدثني صديق : يقول أهل الحديث : أن الله عز وجل يمن على أمته بأن يرسل لها من يجدد دينها كل مائة عام ... ثم تساءل هل ما زال هناك من لا يؤمن أن نداء “حي على الجهاد” الذي انطلق من المساجد ، وهللت له أجراس الكنائس في الميلاد الجديد ، هو مدخل أهل فلسطين إلى تجديد دينهم وإصلاح دنياهم ، وتحرير المقدسات والأهل والتراب من دنس العدو . وهو ذاته طريق العرب والمسلمين نحو الحياة الحرة القديمة .
خلاصة القول : أن علما جديدا .. قديما ، ارتفع عاليا في انتفاضة الأهل في الوطن المحتل . إنه العلم الفلسطيني المتوهج بشعار “الله أكبر” . رفرف هذا العلم على مآذن المساجد ، وارتفع فوق أسطح المنازل . حضنته سواعد الرجال ، وحمته صدور النساء ، ودافع الأطفال عنه بحجارتهم ودمائهم . إنه علم قديم لم يفارق القلب الفلسطيني منذ أن ارتسمت أولى ألوانه في اليرموك ، ورفعه عمر بن الخطاب ومطران القدس العربي على أسوار بيت المقدس ، وحمله صلاح الدين في حطين ، وروى الشهداء قاعدته بالدم الزكي على مر الأجيال ، وتسلمه الجيل من الجيل ، ليحضنه اليوم أطفال الحجارة المرابطون في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس حتى يوم القيامة . يذودون عنه ويجددون ألوانه ببريق جديد .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 64 / 2165540

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام الموقف  متابعة نشاط الموقع معين الطاهر   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

4 من الزوار الآن

2165540 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010