الاثنين 3 آذار (مارس) 2014

شاطئ روسي على القرم

الاثنين 3 آذار (مارس) 2014 par نينا خروشوفا

في الرواية التي نشرها عام 1979 بعنوان “جزيرة القرم”، تخيل فاسيلي أكسيونوف استقلال المنطقة المزدهر عن الاتحاد السوفييتي . والواقع أن أكسيونوف، الكاتب المنشق الذي هاجر إلى أمريكا بعد فترة وجيزة من نشر النسخة “السرية” من كتابه، يهلل له الآن ويشاد به بوصفه متنبئاً . لكن هذه النبوءة انقلبت رأساً على عقب: فالقرم اليوم لا يريد الاستقلال عن أوكرانيا؛ بل يريد الاعتماد المستمر على روسيا .
الواقع ان شبه جزيرة القرم، التي كانت تقليدياً جوهرة التاج الإمبراطوري وأرض الملعب الفخمة للقياصرة والمفوضين السوفييت والأهم من ذلك، موطن أسطول البحر الأسود التابع للبحرية الروسية أصبحت جزءاً من أوكرانيا في عهد نيكيتا خروشوف عام ،1954 ويبدو أن الرئيس الروسي بوريس يلتسين نسى المطالبة باستعادتها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام ،1991 وعلى هذا فقد استبقت أوكرانيا منطقة ينتمي ما يقرب من 60% من سكانها الذين يبلغ عددهم مليوني نسمة إلى روسيا .
في الدفاع عن خروشوف (والد جدي)، فإن كون شبه جزيرة القرم جزءاً من روسيا أو أوكرانيا أمر لا يكاد يمثل أي أهمية . فالاثنان كانا جزءاً من الإمبراطورية السوفييتية على أي حال . لكن في السنوات العشرين الماضية، سعت روسيا إلى استعادة السيطرة على شبه الجزيرة . وأشيع أن الكرملين يعجل من إجراءات طلبات استخراج جوازات سفر لسكان القرم، وأن حلفاء الكرملين على سبيل المثال ألكسي تشالي عمدة سيفاستوبول الجديد يشغلون مناصبه السياسية .
والآن تزعم التقارير أن الرئيس السابق الهارب فيكتور يانوكوفيتش لجأ إلى هناك أيضاً . وفي انشغاله بدورة سوتشي للألعاب الأولمبية الشتوية، وحذره خشية وقوع كارثة دولية، كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حريصاً على فرض الصمت العام شبه الكامل مع بلوغ أزمة أوكرانيا ذروتها الدموية . والواقع أن تلاعب بوتين بيانوكوفيتش إرغامه في نوفمبر/ تشرين الثاني على التراجع عن التوقيع على اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، وسن قانون بالغ القسوة لمكافحة الاحتجاجات في الشهر التالي انتهى بالكرملين إلى العار، فقد أصبحت كييف الآن بين أيدي قوى موالية للغرب برسوخ .
لكن العزيمة التي تبدو عفوية لدى بعض الروس في القرم على العودة إلى الانضمام إلى روسيا الأم تسمح لبوتين بالحفاظ على بعض ماء وجهه . ففي نهاية المطاف، تبدو المناشدات الصادرة عن القرم طلباً للدعم من روسيا الشقيقة وكأنها تبرر العون الذي يقدمه بوتين ليانوكوفيتش . لذا فإن السؤال الأكثر أهمية الآن هو ما إذا كان بوتين سوف يستغل تذمر الروس في القرم (ومدن أوكرانيا الشرقية مثل خاركوف) لاستعادة أجزاء من الأراضي السوفييتية القديمة، كما فعل مع إقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية في جورجيا بعد حرب عام 2008 .
وإذا كان الأمر كذلك، فإن التكلفة الإستراتيجية في الأمد البعيد قد تكون هائلة . فشمال القوقاز والمناطق المجاورة له أصبحت بالفعل بقعة ساخنة قابلة للاشتعال؛ والاستحواذ على المزيد من الأراضي التي يسكنها مسلمون ساخطون من شأنه أن يُفضي دون أدنى شك إلى نشوء المزيد من التحديات الأمنية .
ولابد أن يكون هذا واضحاً للجميع تقريباً، إن لم يكن لبوتين، الذي بات بوسعنا أن نرى هوسه بالانتصارات التكتيكية القصيرة الأجل التي تتخذ عادة هيئة لطمة على عين أمريكا لإغاظتها في سوريا أيضاً . الواقع أن مكاسب بوتين هناك الترتيب لنزع السلاح الكيميائي بحلول يونيو/ حزيران من هذا العام، أو قيادة محادثات جنيف الرامية إلى إنهاء الحرب الأهلية في سوريا لا تنطوي على خاتمة مفيدة لروسيا .
انتهى مؤتمر جنيف في وقت سابق من الشهر الماضي إلى طريق مسدود بين حكومة الرئيس بشار الأسد ومعارضيه . وقد تسبب طلب النظام تأخير إزالة ترسانته من الأسلحة الكيميائية في خلق خلاف جديد، حيث تدعو روسيا والصين وإيران إلى وضع جدول زمني مرن، في حين تواصل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إصرارهما على موعد يونيو النهائي . ومن ناحية أخرى، أصبحت روسيا مكروهة على نحو متزايد في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، بما في ذلك تركيا ذات الأهمية الإستراتيجية، بسبب دعمها لنظام الأسد القاتل .
لقد أصبح الاستثمار في شركاء غير أكفاء سمة مميزة لدبلوماسية بوتين . لكن لعل حتى بوتين أدرك الآن أن دعم مثل هؤلاء الأشخاص محكوم عليه بالفشل . وربما حدث تقدم مفاجئ من نوع ما في عطلة الأسبوع الماضي، عندما وافقت روسيا أخيراً بعد استخدام حق النقض ضد ثلاثة قرارات سابقة على الدعوات التي يدعمها الغرب والعرب والموجهة إلى حكومة سوريا وقوى المعارضة لتوفير إمكانية الوصول إلى المساعدات الإنسانية فوراً . أو لعل احتمال استعادة السيادة الكاملة على القرم دفع بوتين إلى إعادة النظر في قيمة الاحتفاظ بميناء طرطوس السوري على البحر الأبيض المتوسط بالنسبة للبحرية الروسية .
لكن هوس بوتين الإستراتيجي الأعظم يتعلق بالصين . فاستخدام حق النقض مع روسيا ضد الغرب لإبقاء الأسد في السلطة لا يعني أن الدولة الأكثر اكتظاظاً بالسكان في العالم شريك جدير بالثقة ويمكن الاعتماد عليه . فإذا استنتجت الصين أن مصالحها الجيوسياسية، خاصة في التعامل مع الولايات المتحدة، قد تتحقق بشكل أفضل إذا فصلت نفسها عن بوتين، فإنها لن تتردد في القيام بذلك .
وعلاوة على ذلك، لا تزال الصين تعتبر أجزاءً كبيرة من سيبيريا الروسية أرضاً مسروقة منها . وإذا كان هناك من هدف واحد يبقي على وحدة المؤسسة السياسية الصينية فهو يتلخص في استعادة الأراضي المفقودة، مهما استغرق الأمر من وقت . وقد يبتسم الرئيس شي جين بينغ ويحَدِّث بوتين عن مدى التشابه بينهما، لكنه سوف يسعى إلى إخضاع روسيا مع كل عام يمر .
إن روسيا تحتاج إلى أوروبا وأمريكا إذا كان لها أن تتصدى بنجاح للتحديات الكثيرة التي تواجهها، خاصة تلك التي تفرضها الصين . لكن بوتين يبدي بدلاً من ذلك تفاخراً بجهوده المتواصلة لتنفير الغرب .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 29 / 2178293

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2178293 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40