الأحد 2 آذار (مارس) 2014

كي لا يلحق “الأقصى” بـ “الإبراهيمي”

الأحد 2 آذار (مارس) 2014 par علي جرادات

أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 نوفمبر/تشرين ثاني 1947 القرار رقم (181) الذي قضى بتقسيم فلسطين وإقامة دولتين واحدة “عربية” وأخرى “يهودية”، بينما تم وضع القدس تحت وصاية دولية، ما عنى بقاء الوضع فيها على ما هو عليه، أي عدم جواز تغيير معالمها سكانياً وجغرافياً في حدودها الممتدة- حسب خريطة التقسيم- من بيت لحم جنوباً حتى ضاحية كفر عقب المحاذية لمدينة رام الله شمالاً، ومن بلدة أبو ديس شرقاً حتى بلدة عين كارم غرباً . لكن قادة “إسرائيل” فرضوا بقوة السلاح وخلافاً لنص القرار الدولي حدود كيانهم على 78% من مساحة فلسطين الانتدابية، بما في ذلك ما صار يسمى “القدس الغربية”، حيث قال بن غوريون عندما تم انتقاد تجاوز حدود التقسيم: “إن حدود”إسرائيل“هي حيث يقف آخر جندي من جنودها” .
بعد احتلال ما تبقى من أرض فلسطين عام 1967 أصدر “الكنيست” “الإسرائيلي” قرار ضم ما صار يسمى “القدس الشرقية” . علماً بأن قرار الضم هذا لم يتضمن تطبيق كامل القوانين “الإسرائيلية” عليها حيث ظلت تسمى “لواء القدس العسكري” إلى أن أقر “الكنيست” ذلك في العام ،1981 أي بعد إبرام معاهدة “كامب ديفيد للسلام” مع مصر، إنما من دون اعتبار الفلسطينيين المقدسيين مواطنين بل “مقيمين” . وكل ذلك في إطار تنفيذ مخطط لتهويد القدس واعتبارها (العاصمة الأبدية ل“دولة” “إسرائيل”)، عدا تفريغها ما أمكن من سكانها، خاصة قياداتها الوطنية السياسية والمجتمعية امثال عبدالحميد السائح وروحي الخطيب وبهجت أبو غربية والدكتور صبحي غوشة والكاتب محمود شقير واحمد خليفة والمطران كبوتشي وغيرهم كُثر . من دون أن ننسى قرار الاحتلال بنقل مقر محكمة التمييز الأردنية من القدس إلى رام الله وإحلال “المحكمة المركزية” “الإسرائيلية” مكانها، ما قاد إلى إضراب الأغلبية الساحقة من محامي وقضاة الضفة بمن فيهم المقدسيون عن المرافعة أمام محاكم الضفة والقدس أو العمل فيها، حتى تم فكه بعد اتفاق أوسلو ونشوء السلطة الفلسطينية على أساسه في العام 1994 .
لكن في الحالات كافة ظلت حساسية المكانة الدينية والحضارية للمسجد الأقصى بمثابة لغم تتجنب حكومات “إسرائيل” المتعاقبة التمادي في الاقتراب منه خشية أن يشعل انفجاره حريقاً يتجاوز حدود فلسطين ويصعب احتواؤه والسيطرة عليه . وهو ما يفسِّر قبول حكومات “إسرائيل” بألوانها ببقاء الولاية الأردنية على المسجد الأقصى وحرمه الشريف كما تم التأكيد عليه في “معاهدة وادي عربة للسلام” بين الطرفين في العام ،1994 فقادة “إسرائيل” رغم ما بيدهم من عوامل قوة هائلة بالمعنى الشامل للكلمة، ورغم ما يميزهم من صلف سياسي قل نظيره وتشدد أيديولوجي لا يضاهى وعقلية توسعية عدوانية فالتة من كل عقال، ورغم ما فرضوه من وقائع استيطانية وتهويدية، يدركون أن التمادي في الاعتداء على المسجد الأقصى كان السبب المباشر لاندلاع العديد من الانتفاضات الفلسطينية، سواء تلك التي وقعت قبل قيام كيانهم في عشرينات القرن الماضي وأبرزها “انتفاضة البراق” عام ،1929 أو تلك التي وقعت بعد احتلال الضفة وغزة عام 1967 وأبرزها "انتفاضتا، (النفق 1996)، بسبب الحفريات تحت الحرم، و(الأقصى 2000) بسبب زيارة شارون الاستفزازية لباحات المسجد .
لكن ما يجري الآن في القدس وحرمها خصوصاً من محاولات الاحتلال سن تشريعات وإطلاق العنان لغلاة المستوطنين وممثليهم في الحكومة و“الكنيست” لاستباحة الحرم القدسي، عدا الرفض السياسي لإخضاع قضية القدس للتفاوض إنما يعكس نوايا مبيتة وتوق قديم جديد للاستيلاء على الحرم القدسي، يشجعها ما يسود مراكز القوة العربية من انكفاء على الهموم والقضايا الداخلية، بما زاد الحالة الفلسطينية المنقسمة على نفسها والمرتهنة لخيار التفاوض العقيم المدمر سوءاً على سوء . هذا فضلاً عن غبطة قادة الكيان الصهيوني وحكومة المستوطنين فيه مما يجري من حرف لبوصلة الانتفاضات الشعبية العربية على يد الجماعات التكفيرية الدموية التي تتاجر بالقدس وتطعنها في القلب، وتتلطى باسمها وترتكب كل صنوف الفتن والحروب الطائفية والمذهبية في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن ومصر وليبيا وتونس والحبل على الجرار . فقد قلبت هذه الجماعات معيار المقاومة والجهاد حيث لم يعد لفلسطين وقلبها القدس أي مكان في تفكيرها وأجندتها، رغم أن كثيراً منها ينتحل مسميات تنتسب إلى القدس وبيت المقدس . . الخ .
صحيح أن محاولات سن التشريعات لتقسيم الحرم القدسي مكانياً وزمانياً وإنهاء الولاية الأردنية عليه، لم تتحول إلى قوانين، لكن الصحيح أيضاً أن مجرد التجرؤ على ذلك، إنما هو تمهيد لاستدخال تدريجي للفكرة إلى الوعي الفلسطيني والعربي والعالمي، بحيث يجعل تكرار الاستباحات الميدانية والسياسية أمراً معتاداً من شأنه أن يكرر ما حصل في الحرم الإبراهيمي في الخليل بعد المجزرة عام 4991l التي عوض أن تستخدمها القيادة الفلسطينية للمطالبة بطرد المستوطنين من قلب المدينة، استخدمها قادة “إسرائيل” لتمرير مخطط مبيت لتقسيم الحرم الإبراهيمي . إن تعود قادة الكيان الصهيوني على تجريع العالم مخططاتهم بشكل تدريجي، بات سمة وعنواناً لسياساتهم اليومية . ويفيد التذكير كيف تنفست غولدا مائير الصعداء رغم قلقها السياسي بعد أن جاء رد الفعل العربي أقل بكثير مما توقعت بعد جريمة حرق الأقصى عام ،1969 لقد رسمت مائير سياسة التمادي في استباحة القدس والأقصى وكل المقدسات مع الاطمئنان إلى ضعف الرد العربي وشكليته . ولنعلم الآن أن سوقاً سياحية يهودية كبرى تقع في الأنفاق تحت الأقصى، قتلت أسواق المدينة العتيقة، ومظاهر أخرى كثيرة جللت شوارعها بالحزن والخواء .
ما يتعرض له المسجد الأقصى من استباحات سياسية وميدانية غير مسبوقة إن هو إلا جزء من عملية التهويد المستمرة والمتصاعدة للقدس . فبعيداً عن العموميات، ثمة الآن عملية تفريغ ممنهجة للمدينة، عبر تسهيل البناء الفلسطيني في مناطق مقدسية خارج جدار الفصل كمناطق جذب للجيل المقدسي الجديد، فقد باتت ضاحية كفر عقب المقدسية المتاخمة لرام الله والتي تقع خارج جدار الفصل مدينة سكنية مكتظة، بأبناء القدس الذين أعيتهم تعقيدات الحصول على رخصة بناء مسكن في المدينة . وتكمن خطورة هذا الأمر في أن مجرد إعلان أن حدود القدس هو الجدار سيحرم كل هؤلاء المقدسيين بجرة قلم من حقهم في الحياة أو الوصول إلى المدينة . وهنا تكون النتيجة تفريغ المدينة من عشرات آلاف المقدسيين، فضلاً عن قرار وزارة الداخلية “الإسرائيلية” وللمرة الأولى منذ عام 1967 تحديد مدة صلاحية الهوية المقدسية بعشر سنوات، وقرار وزارة المعارف تطبيق المنهاج التربوي “الإسرائيلي” على مدارس القدس كافة، بعد أن كانت تسمح بتدريس المنهاج الأردني ثم الفلسطيني منذ نشوء السلطة الفلسطينية



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 10 / 2177876

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2177876 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40