السبت 1 آذار (مارس) 2014

من تحت ركام اليرموك ومنزلنا المدمّر

السبت 1 آذار (مارس) 2014 par علي بدوان

اليوم الجمعة الأخيرة من شباط 2014، خرجتُ من مخيم اليرموك أنا وزوجتي، كنا في حارة الفدائية وامتدادها حتى ساحة الريجة، وقفنا طويلاً قرب بنايتنا المدمرة وفي أزقة وحواري هيروشيما اليرموك، بين العشرات من أبناء شعبي، ومن بين الدمار استطعنا التقاط بعض مما هو تحت الركام من كتبي ومكتبتي، منها أول مقابلة صحافية مع الرئيس الراحل ياسر عرفات على الإطلاق في “اليوم” المصرية في تشرين الثاني 1967 عندما سُمي ناطقاً باسم حركة فتح قبل دخول الفصائل الفدائية لعضوية منظمة التحرير الفلسطينية. ووجدنا بين الركام بعض الملصقات بقلم الفحم والتي كانت تصدر عن حركة فتح، ومجلد أعداد مجلة الثورة الفلسطينية الصادرة عن حركة فتح وبدءاً من العدد الأول الصادر بتاريخ 11/11/1967. أما الحبيب الدكتور جورج حبش فمن بين الركام وجدت كتيبا صغيرا صادرا عن الجبهة الشعبية العام 1969 وفيه خطابه الشهير بعيد العمال العالمي في مخيم الوحدات في عمان بالأردن. كما وجدت كتيبات تعود لجبهة التحرير الفلسطينية ومجلدات تعود للقيادة العامة... وهكذا...
بين الركام لاحظنا موسوعات ممزقة، منها موسوعة سلسلة (شوم) لمادة الفيزياء وهي من أثمن الموسوعات علماً وثمناً وحتى نُدرة. كذلك بقايا لموسوعة محاضرات (ريتشارد فاينمان في الفيزياء)... وهكذا... تاريخ تحت الركام، لكنه تاريخ يَخرُجُ نبته الأخضر اليانع من بين الحجارة والردم والركام.
أهوال الواقع تُدمي القلب، وتدفع بالدموع إما للسيلان على وجنات أمهات وأخوات وأطفال، أو الاحتباس في عيون فتيان وشباب ورجال. فهنا كان جزءاً عزيزاً من مخيمي، وهنا كان تاريخاً ينبض في أرض معمورة ووسط شعب معطاء، وهنا كانت بدايات لثورة وشعب منكوب، وهنا كانت البداية لشرارات انقدحت واشتعلت وأوصلت فلسطين إلى العالم كله بعد سنين من محاولات دثر شعبنا تحت الأقدام وطمس هويته الوطنية والقومية.
وهنا حارة الفدائية وشارعا الشهيدين مفلح السالم وعلي الخربوش، هنا حيفا ويافا وعكا واللد والرملة وصفد، هنا بطولة وفداء، هنا كرامة وعزة وكبرياء، كرامة لن يطمُرها ولن يدفنها ركامٌ فوق ركام، هنا عزة شعبي الفلسطيني وكبرياؤه المجروح حتى الثمالة بسيوف المجانين والمعتوهين والذين هم أكثر من ذلك...
كُتبٌ وكتيبات وتاريخ وصور من تحت الخرائب تزدهر. قيمة وقيمٌ تحت الخرائب تبعثرت كأنها نثرٌ لحباتٍ من القمح، تنتظر البزوغ والخروج لنور الشمس.
أرشيفٌ يزهو، يبحث عن أصحابه وعن ناشديه، يمد يده لكل من يريد أن يلتقط براعمه التي هي في طور البزوغ بعد كل هذا السبي والرمي تحت الركام وأكوام الخرائب فوق بعضها البعض.
كتبٌ وكتيبات، وتاريخٌ وصور، هي حقٌ لكل وطني غيور، ولكل مخلصٍ وصاحب دار، هي ملكٌ لكل من يحافظ عليها ويصونها كما نحافظ ونصون حدقات العيون. ففيها أسطر فياضة وتاريخٌ مدوّ بعجره وبجره، بسلبياته وإيجابياته.
هي نتاجُ جهدٍ جهيد، ومشوارٍ من التعب بلا كلل لشعب وشباب منه امتشقوا ناصية الكفاح الوطني، ولم ييأسوا من محنِ الظروف المعقدة ومن مشوار الانتكاسات والنكسات والنكبات. لشباب وفتيان كانوا في مقتبل العمر أضاؤوا بتضحياتهم نور الطريق، فمنهم من رحل ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا.
هو جيلي، جيلنا، نحن فتيان وشباب اليرموك في برعم الثورة من هزيع بداياتها، أول الرصاص أول الحجارة، كنا وما زلنا نتابع حتى انتصارها على طريق الجلجلة الطويل نحو وطنٍ لا أسمى ولا أنبل ولا أجمل ولا أرقى منه، وطن الشعب الفلسطيني الخالد المُخلد حتى قيام الساعة.
هو جيلي، وجيل من سبقنا، أبناء بدايات النكبة، نحنُ من كتبنا على جدران اليرموك وأزقته منذ عقود مديدة:
يا منشئين على خرائب منزلي .......... تحت الخرائب نقمة تتقلب
إن كان جذعي للفؤوس ضحية .......... حذار فدائي في الثرى يتأهب
هو جيلي، جيلنا، وجيل من سبقنا، من بدايات النكبة، جيل من تجاوزنا معاً على طريق الجلجلة حتى وإن تاهت الدنيا بكل واحدٍ منا في عالم ملئ بالهموم، هموم البحث عن الخبز الورد والحرية. ورغم ما أصابني شخصياً من نكبات في عمرٍ طويل من مسيرة العمل الوطني اليومي حتى الثمالة، مازلت أنا هو أنا، في عهدي الوطني وفي سيرتي التي ماكلت ولاملت ولا هزمت رغم النائبات.
هو جيلي، جيلنا، وجيل من سبقنا، من أذكر منهم، ومن أشير لاسمه، من أعطيه حقه في البيان والتبيين...؟ أعجز عن ذلك، لأنني قد أنسى أحدهم ولأن القائمة ستطول بهم...



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 18 / 2165344

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع علي بدوان   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2165344 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010