الأربعاء 26 شباط (فبراير) 2014

من سوريا إلى إفريقيا.. اللاعب والهدف واحد

الأربعاء 26 شباط (فبراير) 2014 par خميس بن حبيب التوبي

في ظل التدافع الإعلامي والتهويل السياسي والاحتراب الإرهابي الطاغي في أجواء دول العالم الباحثة عن الصفاء والاستقرار والأمان، تبدو المقارنة جيدة لتقريب الصورة بكل مشاهدها لإعطاء العقل والفكر والعين المساحة اللازمة لاستقرائها والوصول أخيرًا إلى كنه الحقيقة.
وبمقارنة المرء بين ما يجري في القارة العجوز وتحديدًا في إفريقيا الوسطى وبين ما يجري في المنطقة، لا بد له أن يمر على مجموعة من الأحداث والتفاصيل تستدعي التوقف عندها، ذلك أن القواسم والمشتركات كثيرة، وأيضًا اللاعب والهدف واحد، حيث تغرق تلك الدول في مستنقع الإرهاب بدعم واضح من قوى امبريالية استعمارية وقوى ذيلية وعميلة متحالفة مع الإرهاب وأدواته، وتابعة لأجهزة استخباراتها، وتقوم بفك تلك الأدوات وإعادة تركيبها، والتحريش بينها ليناطح بعضها بعضًا كالثيران الهائجة، وفق ما تقتضيه مصلحة طرفين فقط هما القوى الغربية الامبريالية الاستعمارية وكيان الاحتلال الصهيوني، وباقي الذيول في المشهد ليسوا سوى خدم وأدوات لخدمة أسيادها.
ويبدو أنه لم يستوقف الكثير من الناس التصريح الشهير الذي أطلقه المحارب جورج بوش “الصغير” في سياق حربه على “الإرهاب” وكذلك حربه “الصليبية” بضرورة نقل المعركة إلى إفريقيا وآسيا وشن ضربات استباقية ضد الإرهابيين في عقر دارهم. وفي الحقيقة لم يكن “الإرهاب” مقصودًا لذاته في الحرب “البوشية ـ الصليبية” وإنما المقصود هو “الإسلام”، ولكن استخدم مصطلح “الإرهاب” تخفيفًا وتلطيفًا، كما جاء على ألسنة رجال استخبارات صهاينة تداركًا لأي ردات فعل ولضمان تعاون جميع الأنظمة العربية والإسلامية. وما دامت السياسة الغربية الامبريالية الاستعمارية تقوم على أجندة ومشاريع تعتبرها ثوابت وطنية، فإن تحقيقها أمر مسلم به وواجب على كل الرؤساء المنتخبين.
إذن، وفق تلك الصورة البانورامية، تبرز إلى العلن مشاهدها بكل تفاصيلها بوضوح تام اليوم في ظل ما سمي زورًا “الربيع العربي” الذي لا يزال يمثل موسمًا حقيقيًّا لعملية التزاوج والتكاثر بين القوى الامبريالية والإرهاب، وتظهير العلاقة الدافئة والحميمية رغم أجواء الشتاء القارس، حيث يسعى الغرب الامبريالي الاستعماري من هذه العلاقة إلى إعادة تموضعه بما يمكنه من البقاء فترة أطول ويضمن له مصالحه. وبعد أن تخفى في السابق في ثوب محاربة الإرهاب (والمقصود به الإسلام)، وشن الحروب العسكرية المباشرة التي كلفته أثمانًا باهظة مادية وبشرية، يعود الآن وبصورة علنية إلى الهدف ذاته ولكن بحرب غير مباشرة وبسلاح طائفي (سني ـ شيعي) (مسلم ـ مسيحي) ويتولى إدارتها ويتكفل بدعمها لوجستيًّا وبأموال عربية “عميلة” تحت شعارات “الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان” وهي شعارات بعيدة كل البعد عن واقع سير الحرب.
إن حماية المصالح وتأمينها ومواجهة نفوذ القوى الاقتصادية الصاعدة، وتأمين بقاء كيان الاحتلال الصهيوني قوة مهيمنة، والإتيان بأنظمة عميلة وموالية، كانت ولا تزال محركات الغرب الاستعماري الامبريالي، ولذلك مخطئ من يعتقد أن التدخل العسكري الفرنسي في كل من مالي وإفريقيا الوسطى لاستتباب الأمن والاستقرار داخل هاتين الدولتين من أجل سواد عيون شعبيهما، ففرنسا كغيرها من القوى الاستعمارية لم تكتفِ باحتلال القارة السوداء فترة طويلة من الزمان، وممارسة كافة أشكال التمييز العنصري بحق أهلها، ونهب ثرواتها ومقدرات شعوبها والحرص على إبقائها متخلفة، بل زادت على ذلك بنشر الفتن والخلافات بين سكانها، لتبقى الحرب الدائرة فيها بابًا مفتوحًا لتدخلها في أي وقت، حفاظًا على مصالحها الاستراتيجية في بلاد لا تعتبرها مستعمرات ومناطق نفوذ فحسب، وإنما تعتبرها إحدى المقاطعات أو الولايات التابعة لها. غير أن الجانب الأهم والأخطر أيضًا هو أن دول القارة الإفريقية تمثل جسرًا وعمقًا للدول العربية والإسلامية، لكون أن جزءًا كبيرًا من مكونات مجتمعات دول القارة ينتمي إلى الإسلام، ولذلك فإن الهدف من القضاء على الإسلام وتصفية أتباعه في تلك الدول، كما هو حاصل الآن في إفريقيا الوسطى، وإخضاعهم تحت سيطرة أقليات مسيحية، هو ضرب العلاقة العربية ـ الإفريقية، وفتح الطريق أمام كيان الاحتلال الصهيوني للوصول إلى ربوع قارة إفريقيا الذي يسعى إلى تطويق النفوذ العربي والإسلامي في القارة العجوز عبر سياسة شد الأطراف وبترها لإضعاف العالم العربي والإسلامي.
واللافت للنظر أنه في الوقت الذي تتم فيه تصفية المسلمين في الدول الإفريقية المعروفة بغناها من الثروات الطبيعية من المناجم والألماس والذهب والكاكاو والنفط وغيرها عبر عصابات إرهابية ومتطرفة محسوبة على المسيحية، يتم رمي الدول العربية وخاصة المصابة بداء “الربيع العربي” في أفران الإرهاب، ولكن بأيدي عصابات إرهابية محسوبة على الإسلام الذي تتخذ منه ستارًا، والقاسم المشترك بين العصابات الإرهابية المحسوبة على المسيحية والعصابات الإرهابية المحسوبة على الإسلام هو أنها مجرد أدوات بيد مشغِّليها من القوى الامبريالية الاستعمارية الغربية وعملائها وتتلقى منهم الدعم المالي والتسليحي، ووظيفتها التصفية والتهجير والتدمير والعزف على وتر الطائفية والعرقية، ولذلك ما نشاهده من إرهاب مستشرٍ وغير مسبوق يمزق الدول العربية والإسلامية ويهدد كيانها وبقاءها وجغرافيتها ومجتمعاتها وأديانها وعرقياتها في العراق وسوريا وليبيا واليمن وتونس والصومال والسودان وأفغانستان وباكستان وغيرها، هو إرهاب منظم ومدروس ومشتغل عليه، ومسخر له الأموال والسلاح والأدوات والدعاة المحرضون المتدثرون بثوب الإسلام من أجل نسف استقرار البناء الاجتماعي للدول العربية والمجتمعات المسلمة وضرب السلم الأهلي وإعادة تركيب ما تبقى منها بصورة تخدم مصالح كيان الاحتلال الصهيوني الطرف الأصيل في نكبات وكوارث العالمين العربي والإسلامي.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2160568

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

7 من الزوار الآن

2160568 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 7


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010